شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية تطورا جديدا خلال الأيام الماضية تمثل في تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو اعتذارا رسميا لنظيره التركي رجب أردوغان عن حادثة الاعتداء علي السفينة التركية مافي مرمرة التي وقعت في مايو2010 خلال مشاركتها في أسطول الحرية لكسر الحصار المفروض علي قطاع غزة, وهو تطور فرضته التغيرات الإقليمية المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ اندلاع ثورات الربيع العربي حتي الآن, ومهدت له كذلك تعاطيات السياسة الخارجية التركية مع مواقف لها ارتباط مباشر بإسرائيل خلال الشهور الماضية, كالموافقة علي الرغبة الأمريكية في مشاركة إسرائيل في الفعاليات غير العسكرية لحلف شمال الأطلسي, وكذلك الموافقة علي نشر الدرع الصاروخية الأطلسية عبر الأراضي التركية وهي الدرع التي توفر حماية دفاعية أمنية لإسرائيل من أي هجمات إيرانية محتملة. هذا الاعتذار الإسرائيلي لتركيا وبالكيفية التي تم بها عبر اتصال هاتفي أجراه نيتانياهو في وجود الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال زيارته لتل أبيب في العشرين من مارس الماضي, يحمل العديد من الدلالات لكونه حدث في ظل تطورات إقليمية' حادة' بالنسبة لإسرائيل وتركيا علي السواء; ويقصد بها تحديدا تطورات الأزمة السورية وما تمثله من تحديات إقليمية ضاغطة علي الطرفين بأعبائها الأمنية والسياسية بعد عامين كاملين علي اندلاعها. وقد تزامن الاعتذار الإسرائيلي مع تطور جديد في المشهد السياسي التركي الداخلي له ارتباط مباشر بالصراع الإقليمي بشأن الأزمة السورية تمثل في إعلان عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المعارض وقف العمل المسلح الذي مارسه الحزب تجاه الحكومة التركية طوال العقود الماضية, بل دعوة أوجلان لعناصر الحزب بمغادرة الأراضي التركية وانسحابهم إلي شمال العراق مقابل الحصول علي ضمانات رسمية من حكومة أردوغان, وهو ما اعتبره العديد من المحللين بداية للتوجه نحو دعم الميليشيات الكردية السورية المسيطرة علي المنطقة الكردية في شمال سوريا والقريبة من الحدود الجنوبية لتركيا, والتي لم تشارك حتي الآن في الصراع الدائر بين نظام بشار الأسد وبين المعارضة المسلحة. ومن ثم, فإذا كان أوجلان يرغب في مساندة أكراد سوريا في الصراع الدائر فإن أردوغان نفسه يرغب في ضمان' تحييد' استراتيجيات حزب العمال الكردستاني أثناء مساندته لأكراد سوريا عن التأثير أمنيا علي الداخل التركي; أي تقويض التأثيرات السلبية للمتغير الكردي السوري في أن يكون ضاغطا علي تركيا خلال الفترة القادمة. أضف إلي ذلك المصلحة الأمريكية في إجراء المصالحة التركية الكردية والتي تمت برعاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووساطة زعيم السلطة الكردية في شمال العراق مسعود برزاني, الأمر الذي يفسر سماح سلطات الإقليم الكردي العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي لمقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي المعارض بالعودة إلي جبال قنديل العراقية, وذلك في إطار تفاهمات تلقت بمقتضاها السلطات الكردية العراقية في كردستان العراق' وعودا' أمريكية بدعم مشروعها الانفصالي عن العراق مقابل استخدام الزعيم الكردي مسعود برزاني نفوذه علي أكراد تركيا لوقف التمرد في مواجهة الحكومة التركية من ناحية, وسماح السلطات التركية بدمج الأكراد الأتراك بصورة أكثر فعالية في المنظومة السياسية في إطار العملية الديمقراطية مستقبلا من ناحية ثانية. ما يعني أن المصلحة الأمريكية تكمن في إنهاء المواجهات المسلحة التركية الكردية الداخلية لإتاحة الفرصة أمام أنقرة من أجل التفرغ للقيام بتبعات الشراكة الأطلسية لمواجهة الجبهات الأكثر سخونة بالنسبة لها ولحلفائها الغربيين وهي سوريا وإيران; ويعني أيضا تعزيز فرص تركيا في الانخراط داخل العراق ومشاركة واشنطن في ترتيب أوضاعه عبر استخدام الملف الكردي العراقي داخليا في مواجهة حكومة المالكي الشيعية المدعومة من إيران. الأمر بهذه الكيفية يعني أن المصالحة بين الحكومة التركية وبين الزعيم الكردي أوجلان لها بعد إقليمي( سوري عراقي) يخدم أهدافا مشتركة للخصمين التركيين( أردوغان وأوجلان), فهل يرغب أردوغان فعليا في' تحييد' الخصم الكردي أوجلان لتحقيق أهداف تركية في سوريا, وإذا فرضنا جدلا صحة هذا الطرح فما علاقة ذلك بإتمام المصالحة التركية الإسرائيلية؟ بداية تشير التطورات الحادثة في المنطقة بالنسبة للأزمة السورية مؤخرا إلي أن ثمة علاقة بين إتمام المصالحة الإسرائيلية التركية في هذا التوقيت وبين سياسات تركيا تجاه الأزمة السورية; فهناك مصلحة إسرائيلية مباشرة في ذلك انعكست أهميتها في قول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو أن الأوضاع المتدهورة في سوريا والمخاوف من وصول متشددين جهاديين إلي الجولان المحتلة دفعته إلي ضرورة إعادة تقييم العلاقة مع تركيا. هذا الأمر يمكن تفسيره في ظل المخاوف الإسرائيلية بشأن المخزون السوري من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية, ما قد يعني أنه في ظل علاقات تطبيعية متقدمة بين تل أبيب وأنقرة فمن المتوقع ممارسة ضغوط قوية علي النظام السوري فيما يتعلق باحتمالية استخدامه للأسلحة الكيماوية, وفي الوقت نفسه مراقبة المقاومة المسلحة لاسيما جبهة النصرة الجهادية وضمان عدم وصول ذلك المخزون إليها, باعتبار أن تركيا وإسرائيل تعملان داخل منظومة عسكرية واحدة وهي حلف الناتو تركيا عضو أصيل وإسرائيل عضو مراقب وبإمكانهما التنسيق معا عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية والعسكرية. إذن, أصبحت تركيا بهذا المضمون معنية مباشرة بوضع الأمن القومي الإسرائيلي في' صدارة' اعتبارات التعاون الإقليمي خلال مرحلة إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية بعد التحولات العميقة التي أحدثها الربيع العربي في عدد من دول المنطقة لاسيما سوريا. أضف إلي ذلك فإن تركيا الأطلسية تعول عليها الولاياتالمتحدة كثيرا في أية مواجهات إقليمية في المنطقة باعتبارها قاعدة الانطلاق الأساسية للقوي الغربية وللولايات المتحدة خاصة إذا تم استهداف النظام السوري أو إلإيراني مستقبلا, وفي حالة رفض تركيا المشاركة في أي عملية عسكرية مستقبلية في المنطقة فإن تعاونها مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل أمنيا سيجعلها مطالبة علي أقل تقدير بتقديم دعم لوجيستي لهما ما يجعلها متورطة بدرجة ما في النزاعات الإقليمية في المنطقة حال وقوعها. في إطار ما سبق يمكن القول أن الرعاية الأمريكية للمصالحة التركية الإسرائيلية تستهدف' إقليميا' ما يلي: أولا: إضعاف محور إيران حزب الله, فقد أدركت إيران أن كلا من تركيا وإسرائيل بعد المصالحة سترغبان في إعادة ترتيب أوراقهما الإقليمية في مواجهتها وحلفائها الإقليميين في لبنان; لأن مصالحهما الإقليمية المشتركة التي تأثرت سلبيا بسنوات القطيعة تحتم عليهما ضرورة إعادة توجيه بوصلتهما السياسية من جديد, وأدركت إيران في ظل ذلك أنها ستكون بالفعل المتضرر الأكبر من عودة العلاقات التركية الإسرائيلية لسابق عهدها; لأن ذلك من شأنه التأثير مباشرة في مسار الأزمة السورية وفي إضعاف الموقف الإيراني الداعم لنظام الأسد والتعجيل بحل الأزمة. ثانيا: الضغط بقوة علي روسيا لتحجيم نفوذها في الأزمة السورية من ناحية, ومحاصرة مصالحها في شرق المتوسط من ناحية ثانية, حيث التنافس البحري علي الغاز والنفط, كما أن تفعيل التعاون التركي الإسرائيلي مع قبرص بما يهدد المصالح الروسية في شرق المتوسط سيدفع روسيا إلي تقديم تنازلات حقيقية في الأزمة السورية تساهم في حلحلتها نحو انفراجة حقيقية. ثالثا: استمرار تطويق النظام السوري عبر التلويح بالمتغير الكردي السوري ودفعه للانخراط في الأزمة السورية بتوفير الدعم من قبل نظرائه الكرد في كردستان العراق ومن قبل حزب العمال الكردستاني التركي المعارض بعد أن تمت المصالحة التاريخية بينه وبين الحكومة التركية. وختاما لا تخرج المصالحة الإسرائيلية التركية عن مجرد كونها انتصارا معنويا لتركيا اضطرت لقبولها بعد أن أيقنت أنه لا غني عن تحالفها الإستراتيجي مع الولاياتالمتحدة ومنظومة الدفاع الأطلسية, وأنه لكي' تتمتع' تركيا بمزايا هذا التحالف عليها القبول بإسرائيل كطرف أصيل في قواعد اللعبة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. نعتذر عن خطأ مطبعي في اسم كاتب مقال هل غيرت واشنطن موقفها من حكم الإسلاميين العدد السابق.. وهو للدكتور معتز سلامة.