بعد يومين من زيارته المفاجئة إلى طهران زار الرئيس السوري بشار الأسد تركيا ليشرح لرئيس وزرائها رجب طيب أردوغان نتائج مباحثاته مع الرئيس محمود أحمدي نجاد. وسيزور أيضا تركيا في ال 14 من الشهر الحالي، في الوقت الذي تتحدث المعلومات منذ القمة المتوسطية في باريس عن وساطة سورية وتركية بين الغرب وإيران، مع استمرار الوساطة التركية بين سوريا و”إسرائيل”، التي تؤكد “إسرائيل” خلالها على ضرورة وقف الدعم السوري لحركة “حماس” وحزب الله وفك العلاقة مع طهران مقابل الانسحاب من الجولان. كل ذلك في الوقت الذي تراقب الدول الثلاث سوريا وإيران وتركيا تطورات الوضع الخطير في كركوك، حيث زار أنقرة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بعد شهر تقريبا من الزيارة المهمة التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد. وتشير كل هذه المعطيات إلى أهمية التنسيق والتعاون السوري التركي الإيراني في مواجهة كل التطورات الإقليمية الآنية منها والمستقبلية. حيث أن الدول الثلاث معنية بمستقبل العراق، في ظل خشية من الانعكاسات المحتملة للملف الكردي العراقي على مستقبل الدول الثلاث التي يعيش فيها الأكراد. كما أن هذه الدول الثلاث معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بالتوتر الخطير بين طهران والغرب، خاصة بعد التصعيد المتبادل. فتركيا عضو في الحلف الأطلسي وحليف استراتيجي لواشنطن وعضو مرشح للاتحاد الأوروبي ولها علاقات خاصة مع إيران و”إسرائيل”. وأما سوريا فهي حليف استراتيجي لإيران، وتتحركان معا في مواجهة مجمل تطورات المنطقة إن كان في العراق أو لبنان أو فلسطين، وأخيرا ما يتعلق بالملف النووي الإيراني. كما أن للرئيس السوري علاقات مميزة جدا مع القيادات التركية ممثلة بالرئيس عبدالله جول وأردوغان الذي أكد أكثر من مرة على حق طهران وجميع دول المنطقة في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية داعيا لصيغة مشتركة تساهم في تصفية كافة أنواع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة - في إشارة إلى “إسرائيل”. ومن دون أن تمنع كل هذه المعطيات فيما يتعلق بالتنسيق والتعاون الثلاثي بين إيران وتركيا وسوريا، دمشقوأنقرة لتحمل أدوار إضافية لتحقيق المزيد من هذا التنسيق والتعاون ولكن بعد النجاح في تجاوز كل العقبات التي تعرقل ذلك. فتركيا باعتبارها دولة اسلامية شرق أوسطية وجزءا من أوروبا سياسيا وثقافيا تستطيع أن تلعب دور الوسيط التوضيحي بين طهران والغرب. وبعبارة أخرى فإن أردوغان ورفاقه يفهمون الإيراني أكثر من الأوروبيين والأمريكان، ويكتسب هذا الفهم أهمية إضافية بالنسبة للغرب الذي يفهمه الأتراك أيضا أحسن من الإيرانيين. ولا يختلف دور الأسد في العلاقة بين إيران وتركيا عن الدور التركي في العلاقة بين طهران والغرب. ويعرف الجميع أن الإيرانيين يتحفظون على النظام العلماني التركي ويرون فيه خطرا مستقبليا على النظام الإسلامي في إيران، خاصة أن ثلث الشعب الإيراني من الأذريين ذوي الأصل التركي ويتابعون عن كثب ومعهم عدد كبير من الإيرانيين تطورات التجربة التركية. كما تستضيف تركيا حوالي مليون سائح إيراني سنويا. ولا يتجاهل أحد ثقل ودور تركيا المهمين في المنطقة وأن لها علاقات جيدة مع دول الخليج العربية، بالإضافة إلى القلق الإيراني من الوجود العسكري الأطلسي والأمريكي في تركيا. ويتحمل الأسد في هذه الحالة مسؤولية إقناع الطرفين الإيراني والتركي بضرورة الثقة المتبادلة، فيما بينهما من أجل تحقيق المزيد من التعاون الثلاثي في حل مشاكل المنطقة. إذاً ستستمر تركيا في الوساطة بين سوريا و”إسرائيل” كما سيستمر الحوار السوري التركي من أجل ضمان وحدة العراق السياسية والجغرافية، وأيضا المصالحة اللبنانية اللبنانية حيث يزور الرئيس اللبناني ميشال سليمان دمشق في ال 13 من الشهر الحالي قبل يوم من زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى تركيا. كما يستمر التعاون السوري التركي الإيراني ضد عناصر الكردستاني التركي ومنظمة “باجاك” الكردية الإيرانية الموجودة في شمال العراق خاصة أن عددا كبيرا من عناصر وقيادات “الكردستاني” هم من أكراد سوريا. ويبقى السؤال الأهم هو: هل وكيف ستستطيع أنقرة إقناع حليفاتها في الغرب بأهمية وضرورة وإيجابية علاقاتها المميزة مع دمشقوطهران. وهنا يشار إلى أن العديد من دول المنطقة لا تتحمس لهذه العلاقة إلا إذا ساهمت في تحقيق انفراج في مجمل القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها الملف النووي والوضع في العراق. لما لهذين الموضوعين من علاقة مباشرة بمجمل قضايا المنطقة.