عقدٌ من الزمن وثمان ألقاب ذهبت للغريم التقليدي الأهلي قبل أن ينهي الزمالك فترة "الخصام" مع درع الدوري المصري أخيراً ويتوّج بلقبه الثالث عشر وختم واحدة من أطول البطولات في تاريخ كرة القدم التي استمرت 321 يوماً. بهذا اللقب عادت الأفراح لفريق القلعة البيضاء وانتعشت جماهيره التي طال إنتظارها لرؤية الدرع بين يدي الزملكاوية. كانت الأحلام البيضاء معقودة على فريق جديد تم بناؤه بشكل قوي مع بداية الموسم في سبتمبر/أيلول 2014، وللمرة الأولى لم تعوّل الجماهير على نجم بحد ذاته بل أدركت أن طريق اللقب سيأتي من خلال عمل المجموعة ككل. ربما هذا الأمر يكن ليؤرق أحد في صفوف الفريق بل قلّص من حجم الضغوط وبات الجميع ينظر نحو هدف الفوز باللقب، ولكن مع إنطلاق المنافسات لم يكن لأحد أن يتوقع ظهور "النجم الموعود" وأن لاعباً سيخطف الأنظار في هذه المجموعة وسيحوز على إهتمام الزملكاوية وجميع عشاق الكرة المصرية.
أبهر باسم مرسي ابن ال23 ربيعاً الجميع، وانتقل من الظل إلى النجومية واحتل مكانة مرموقة خلال أشهر معدودة، بعدما أصبح هدافاً للزمالك واحتل وصافة هدافي الدوري، وبات اسمه على كل لسان وأضحى "الأيقونة البيضاء". وعقب التتويج بلقب الدوري تحدث مرسي حصرياً مع موقع فيفا عن صعوده لعالم النجومية ورغباته المستقبلية وأهدافه المنشودة.
نجومية غير مكتشفة وإصرار كبير كغيره من النجوم بدأ باسم من صفوف فريق محلي (مقاولن طنطا) ورغم بزوغ موهبته على هز الشباك لكن لم يستطع أحد التنبؤ بهذه القدرات الكامنة. تنقّل بين عدد من الفرق (المقاولن العرب، بتروجيت، الإنتاج الحربي) ومع توقيعه لنادي إنبي يتلقى عرضاً بداية الموسم الماضي من إدارة نادي الزمالك، ففضل إلغاء التعاقد ووافق على عرض الزمالك، قيل له بأنه سيكون على دكة البدلاء مع بداية الموسم وسيكون المهاجم الرابع. ولكن هذا اللاعب الهادئ بطبيعته يحمل في صفاته روح التحدي، وكان يدرك صعوبة الموقف من حيث المبدأ، ولكنه يعلم تماماً أن الملعب فرصته لقلب كل التوقعات. مرّ خمسة أسابيع من عمر الدوري دون أن يظهر باسم في قائمة الهدافين، ولكن مع الأسبوع السادس زار الشباك للمرة الأولى وعندها حظي باسم بكل الإهتمام وأخذ مكانه الدائم في تشكيلة الفريق ومضى نحو قمة الهدافين.
ويؤكد مرسي هنا "كنت أعلم أن اللعب بالتشكيل الأساسي صعب ولكن عقدت العزم منذ ارتدائي القميص الأبيض على فرض مكانتي في المباريات. لم يكن طموحي مجرد اللعب، بل كان ينصب بمساعدة الفريق على استعادة درع الدوري ونيل لقب الهداف. تحقق الهدف الأكبر واستعدنا بطولة الدوري وهي الأهم بالنسبة للجميع بكل تأكيد، ولكن لم تكتمل المهمة واحتللت المركز الثاني على لائحة الهدافين برصيد 18 هدفاً (بفارق هدفين عن الهداف الأول للدوري)."
تحوّل مرسي من لاعب مغمور إلى النجم رقم واحد في صفوف الزمالك، وتضافرت العديد من العوامل ليصبح في هذه المكانة، وهنا يذكر أهمها "بالتأكيد كان التعاهد ما بين اللاعبين على تحقيق لقب الدوري منذ بداية الموسم، كما نملك إدارة واعية وفرّت لنا سبل الإستقرار. صبّ اللاعبون تركيزهم على تحقيق الإنتصارات للزمالك، وفي أرض الملعب كان الكل في خدمة الكل، ولذلك أتت النجاحات وكبرت الأحلام حتى تحققت للجميع في النهاية".
وأضاف "هذا حدث سعيد لنا، وبكل تأكيد فأنا أدين بأهدافي لزملائي الذين وفروا الدعم والمساندة في كل المباريات. هذه كرة القدم لم أوفق بتحقيق لقب الهداف الأول، لكن هذا الأمر لن يزيدني إلا إصراراً على العودة في الموسم المقبل وتحقيق هذا الأمر لأني لا أقنع إلا بالرقم واحد."
ماذا بعد؟ لم ينته الأمر عند باسم بعد حمل لقب الدوري، بل يرى أن هذه ما هي إلا الخطوة الأولى لإنطلاقة مذهلة في الفترة المقبلة حيث قال "حققنا لقب الدوري هذا الموسم، لكننا لن نكتفي بما وصلنا إليه فهذا ليس الطموح الوحيد. أمامنا بطولة الكأس ولدينا مباريات مهمة في الأدوار الإقصائية، ولن نتنازل عن اللقب وجمع الثنائية. كما أننا نخوض منافسات كأس الإتحاد الأفريقي ونحن قريبين من نصف النهائي، وطموحنا باستعادة التتويجات القارية كذلك. ستعطينا هذه الأهداف المزيد من الروح المعنوية لبذل الجهد لختم الموسم بأفضل ما يكون، ولكي نعود بقوة مضاعفة الموسم المقبل للحفاظ على المكتسبات."
يدرك الجميع الآن أن هذا المهاجم يملك المواصفات التي تؤهله للعب في أفضل البطولات الخارجية وربما يمضي على درب زميله النجم محمد صلاح المنتقل مؤخراً إلى نادي روما الإيطالي، حيث لعبا معا في بداية المشوار في مقاولون طنطا، وكشف مرسي قائلاً "كنت ومحمد صلاح زملاء في نادي طنطا وأتمنى له التوفيق بكل تأكيد في رحلته الإحترافية، بالنسبة لي فطموحاتي كبيرة. أنا الآن مع نادي الزمالك وسأكرّس كل قدراتي لخدمة القلعة البيضاء، وفي حال حصلت على عرض خارجي مناسب سأفكر بالإحتراف، ولكن الآن أنا سعيد وهدفي أن أمنح السعادة لجماهير الزمالك الرائعة فهذا حقها علينا كلاعبين."
التألق على صعيد المنتخب حظي مرسي بشرف الإستدعاء لمنتخب مصر قبل أن يتحول لنادي الزمالك، حيث منحه المدرب السابق شوقي غريب الفرصة لارتداء قميص المنتخب، وخاض مباراتين وديتين ودخل قائمة الفريق في أولى مباريات تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2017، بل وسجل هدفاً عند الفوز الذي تحقق على تنزانيا بثلاثية نظيفة، فماهي طموحاته مع المنتخب المصري؟
أجاب بصراحة " اللعب لمنتخب الوطني هو شرف كبير لأي لاعب وقد حظيت به، ولعبت في أولى مباريات التصفيات وسجلت هدفاً منحني الثقة. هدفي الآن هو حجز مكان أساسي في الفترة المقبلة، لدينا استحقاق تصفيات كأس الأمم الأفريقية وهدفنا يتمثل بالحصول على موقع الصدارة أمام منتخب نيجيريا واستعادة مكاننا الطبيعي في القارة السمراء، وفي ذات الوقت سندخل غمار تصفيات كاس العالم روسيا 2018 FIFA بطموح كبير وهو العودة للعرس العالمي بعد غياب طويل منذ إيطاليا 1990."
يؤكد باسم "اعتقد أن الجيل الحالي في الكرة المصرية يزخر بمواهب كبيرة في جميع الخطوط، ونأمل أن نكون مع المدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر على الطريق الصحيح لاستعادة مكانتنا التي نستحقها. نحتاج فقط لتضافر الجهود وترجمة الآمال في أرض الملعب وأنا كلي ثقة بأننا سنحقق ما نريد."
مثلما إنتزعت العديد من الأسماء إعجاب الجميع خلال عقود ماضية، يبدو أن باسم مرسي على ذات الطريق والكرة باتت بين أقدامه لركلها وإصابة الشباك والفوز بثقة المصريين ليكتب اسمه في تاريخ الكرة المصرية العريق.