جامعة أسيوط تنظم برنامج "بداية جديدة لضمان جودة التعليم" بكلية الآداب    سعر الذهب اليوم السبت 6 ديسمبر في الكويت.. عيار 24 ب41.425 دينار    سعر الدينار الكويتي في البنوك المصرية اليوم السبت 6 ديسمبر 2025    محافظ أسيوط: دعم متواصل للعبارات النهرية في مركز القوصية لتحسين الخدمات للمواطنين    وزير الخارجية يبحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر وقطر    الجيش الباكستاني: مقتل 9 مسلحين خلال عمليتين أمنيتين بإقليم "خيبر بختونخوا"    «كالاس»: واشنطن ما زالت أكبر حليف لأوروبا رغم الاستراتيجية الأمنية الأمريكية    فليك يعلن قائمة برشلونة لمباراة ريال بيتيس في الليجا    تحرير 1302 مخالفات مرورية لعدم ارتداء الخوذة    بعد الهجوم على منى زكي.. حمزة العيلي يوجه رسالة للجمهور: أنتم سندنا ومحدش فينا خالِ من العيوب    أسماء جلال تستمر في نشاطها الفني باللعب في مساحات تمثيلية آمنة    «ساعة بلا كتاب.. قرون من التأخر» شعار معرض القاهرة ونجيب محفوظ شخصية العام    وزير الأوقاف: إقبال استثنائي على المسابقة العالمية ال 32 للقرآن    وزير الأوقاف يعلن عن أسماء 72 دولة مشاركة في مسابقة القرآن الكريم    تشغيل وحدة جراحات القلب المفتوح وعناية للقلب بالمجمع الطبي الدولي بالأقصر    الصحة: فحص أكثر من 7 ملابين طالب بمبادرة الكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    استشهاد فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف الاحتلال الإسرائيلي لبيت لاهيا    مصر تبحث مع وكالة الطاقة الذرية الاستخدامات النووية السلمية بمحطة الضبعة وملف إيران    صندوق النقد الدولي: الرؤية الاقتصادية لمصر أصبحت أكثر وضوحًا واتساقًا    لاعب الكويت: كنا نمني النفس بالفوز على مصر.. وسنقدم أفضل ما لدينا أمام الأردن    كاف عن مجموعة مصر في كأس العالم 2026: فرصة ذهبية للتأهل    مواعيد مباريات اليوم السبت 6- 12- 2025 والقنوات الناقلة    «الري»: تنفيذ 6 مشروعات لحماية الشواطئ ب5 محافظات    أولى جلسات محاكمة المتهمين في قضية رشوة مصلحة الضرائب بعد قليل    تجديد حبس عاطلين في النصب على المواطنين بالقاهرة    انتهاء الفصل الدراسي الأول للصفين الأول والثاني الابتدائي 30 ديسمبر في عدة محافظات بسبب انتخابات مجلس النواب    عاشور يستقبل مفوض التعليم والعلوم والابتكار بالاتحاد الإفريقي    وزير الاتصالات يفتتح عددًا من المشروعات التكنولوجية بالدقهلية| اليوم    سعر كرتونه البيض الأبيض والأحمر اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا    المركز القومي للمسرح يعلن مسابقة تأليف مسرحي جديدة عن "توت عنخ آمون"    التخصصات المطلوبة.. ما هي شروط وطريقة التقديم لوظائف وزارة الكهرباء؟    القومي للمرأة: مبادرة ملهمات عربيات تبني نموذج القدوة والتنمية    وزيرا الأوقاف والرياضة يفتتحان فعاليات المسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم| صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 6-12-2025 في محافظة الأقصر    بحضور وزير الأوقاف بدء المؤتمر العالمي لافتتاح المسابقة العالمية للقرآن الكريم في "نسختها ال32"    946 شكوى للأوقاف و9 آلاف للبيئة.. استجابات واسعة وجهود حكومية متواصلة    الصين تدعو المجتمع الدولي إلى مواجهة الأسباب الجذرية للقضية الفلسطينية    الصحة: توقعات بوصول نسبة كبار السن من السكان ل 10.6% بحلول 2050    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواجه الإمارات اليوم بحثا عن الانتصار الأول    «مدبولي» يتابع حصاد جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال نوفمبر 2025    القومي للمرأة ينظم فعاليات الاجتماع التنسيقي لوحدات المرأة الآمنة بالمستشفيات الجامعية    لاعب بلجيكا السابق: صلاح يتقدم في السن.. وحصلنا على أسهل القرعات    بيراميدز يسعى لمواصلة انتصاراته في الدوري على حساب بتروجت    فرق غوص متطوعة تصل مصرف الزوامل بالشرقية للبحث عن التماسيح (صور)    وزارة الصحة تعلن تفاصيل الإصابات التنفسية فى مؤتمر صحفى غدا    استكمال محاكمة 32 متهما في قضية اللجان المالية بالتجمع.. اليوم    بعتيني ليه تشعل الساحة... تعاون عمرو مصطفى وزياد ظاظا يكتسح التريند ويهيمن على المشهد الغنائي    "قتل اختياري".. مسلسل يفتح جرحًا إنسانيًا عميقًا ويعود بقضية تهز الوجدان    مروة قرعوني تمثل لبنان بلجنة تحكيم مهرجان الكويت المسرحي بدورته 25    رئيس وزراء الهند يعلن عن اتفاقية مع روسيا ومرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي    عائلة أم كلثوم يشاهدون العرض الخاص لفيلم "الست" مع صناعه وأبطاله، شاهد ماذا قالوا (فيديو)    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    رغم العزوف والرفض السلبي .. "وطنية الانتخابات" تخلي مسؤوليتها وعصابة الانقلاب تحملها للشعب    قائمة أطعمة تعزز صحتك بأوميجا 3    كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب    تفاصيل مثيرة في قضية "سيدز"| محامي الضحايا يكشف ما أخفته التسجيلات المحذوفة    أزمة أم مجرد ضجة!، مسئول بيطري يكشف خطورة ظهور تماسيح بمصرف الزوامل في الشرقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التربية النبوية بالأحداث
نشر في الفجر يوم 03 - 08 - 2015

حيث بدأت الشدة منذ اللحظة الأولى في تلقي الوحي والجهد الذي بلغ بالنبي أثناء تلقين جبريل الوحي بسورة العلق، لدى نزوله بالوحي أول مرة.
ثم جاء توثيق الصلة بالله تعالى بقيام الليل والأمر بقيامه قريبًا من عام، حتى ورمت أقدام الصحابة، وفي هذا تربية للنفس على ترك المألوف وترك الدعة والتغلب على النفس تمهيدًا لحمل الرسالة.
بعد ذلك جاء الصدع بالدعوة والجهر بها، وفيه ما فيه من مجابهة الباطل.
ثم تلاه إيذاء قريش للنبي والمسلمين، وقد عانى الصحابة في ذلك أشد المعاناة مما هو مبثوث في كتب السيرة، وكان من نتيجة هذه الموجة من العذاب أن مات من مات تحت التعذيب، وصبر من صبر، وفتن من فتن، فتخلصت الدعوة منذ البداية ممن لم يكن أهلاً لحملها؛ إذ كانت التربية بالأحداث محك الاختبار، وعندئذٍ لم يكن يقدم على الإيمان إلا من نذر نفسه لله، وتهيأ لاحتمال الأذى والفتنة، بل والموت في أبشع الصور أحيانًا. وللإشارة، فالذين ثبتوا هنا كانوا أقدر على تحمله بعد ذلك.
وهذا الموقف من ضبط النفس طول تلك المدة رغم كثرة الحوادث والمصائب التي أصابت المسلمين من حبس وتعذيب وإذلال واستهزاء يؤكد أن قوة ضبط الأعصاب وقوة التحكم بالإرادة وفقًا للأوامر قد بلغت المستوى المطلوب، وأن تلك التربية قد أينعت ثمارها.
ومن التربية بالأحداث: تربية النفوس المؤمنة بالتوجيه والتحذير والعتاب، حيث كانت تجيء التوجيهات الربانية إلى النبي والذين معه وهم في مكة تدعوهم إلى السماحة واليسر والحلم {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]. لما في ذلك من تربية للنفس على الصبر والحلم والأناة، وإعدادها لحمل أعباء وتبعات الدعوة مستقبلاً.
ومن التربية بالأحداث: ربط العلم بالعمل
وفي مسيرة التربية بالأحداث يتبادر سؤال: لماذا هاجر إلى الحبشة أشراف القوم الذين لم يتعرضوا للأذى كعثمان والزبير وجعفر ولم يهاجر المستضعفون كبلال وعمار وصهيب وخباب وأمثالهم؟
وفي الإجابة على هذا السؤال نقول: يبدو أنها كانت توطئة نفسية وعملية لهؤلاء على مغادرة وطنهم، بينما لم يكن للمستضعفين حاجة لذلك فليسوا من أهل مكة وليس لهم ارتباط بالأرض، فاجتمع للأشراف أمران: الارتباط بالقوم والقبيلة، والارتباط بالأرض، وهما يزاحمان في النفس معاني التوحيد، وكان لا بُدَّ من التخلص عمليًّا وليس قولاً من ذلك، وكان إعلان الإيمان تخلصًا من العصبية القبلية، أما الارتباط بالأرض فقد اجتمع في مكة ما لم يجتمع في غيرها من مزايا نفسية واجتماعية تربطهم بها، فكانت الهجرة هي التطبيق العملي لأولوية العقيدة وترك الأرض.
ومن التربية بالأحداث: بلوغ الأذى ذروته في حصار الشعب، ومما يستخلص من عِبر هذا الحصار، أنه لا تكاد تخلو جاهلية من الجاهليات القديمة أو المعاصرة من قيم يمكن الاستفادة منها، فقد ضحى بنو هاشم تضحيات كبيرة في سبيل قيمهم الجاهلية الخاصة بحماية القريب، واستفاد الإسلام من هذه المواقف والتضحيات. فإذا وجدت فرص في مجتمعاتنا المعاصرة مثل: الدفاع عن المظلوم أو الحرية الفكرية في بعض الدول، فلا ضير من الاستفادة منها.
ومن التربية بالأحداث: الهجرة وما اكتنفها من مصاعب وشدائد، كمواقف أبي بكر مع الرسول ، ومواقف المسلمين منخلعين عن أهلهم وديارهم وأموالهم، كما حصل لصهيب ولأبي سلمة وأم سلمة وغيرهم.
خصائص التربية بالأحداث
1- الاستفادة من تجارب السابقين التي تدور بين موقفين: إيجابي يؤتسى به، وسلبي يبتعد عنه؛ فالإيجابي يشد العزائم كقصة أصحاب الأخدود التي كانت تشدُّ من أزر المسلمين وما زالت، وكما في حديث خباب حين جاء يشتكي للرسول فذكَّره بأحوال الأمم السابقة.
2- أنها تحوِّل المفاهيم إلى حركة وهذا ما يخيف الجاهلية، وقريش لم تقف في وجه الحنفاء الذين كانوا على التوحيد قبل بعثة النبي ؛ لعلمها أن فكرهم شعور فردي لم يتحول إلى حركة.
3- أنها بطيئة وئيدة، ففي حساب الزمن استغرقت ثلاثة عشر عامًا، بينما لم يستغرق بناء الدولة سوى عشر سنوات، وفي حساب الوحي نزل أكثر من نصف القرآن في العهد المكي، ذلك أن مهمة الإصلاح وتغيير النفوس ليست سهلة، تحتاج إلى جهد يرتقي بهم من حال إلى حال.
4- أنها تربط النفس بالعمل لا بالنتيجة، وهذا يستمد قيمته من الإخلاص وإصلاح النية، وله أيضًا نتائج عظيمة في واقع الحياة، فأمر النتيجة يوكل إلى علاَّم الغيوب فهو أعلم -بحكمته- بالوقت المناسب لقطف الثمرة، وفي حديث عثمان بن عفان قال: أقبلت مع رسول الله آخذًا بيدي نتمشى بالبطحاء، حتى أتى على آل عمار بن ياسر، فقال أبو عمار: يا رسول الله، الدهر هكذا؟! فقال له النبي : "اصبر" ثم قال: "اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت".
وقد مات آل ياسر ولم يشعرا أنهما وصلا إلى نتيجة؛ لأن التربية النبوية علمت المؤمنين أن يعطوا في هذه الدنيا ولا يأخذوا فيها شيئًا، فهي علّقت قلوبهم بالآخرة بالجنة والرضوان.
التربية بالأحداث في المدة المدنية
في بداية المدة المدنية لقي المسلمون من اليهود والمنافقين أذى كبيرًا، وكان المسلمون يحسون بالخطر كل وقت ولا يبيتون إلا في السلاح؛ لأنهم لا يستبعدون أن تهاجم المدينة في أي وقت، وصبروا على ذلك ما شاء الله حتى قال رجل من الصحابة: يا رسول الله، أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أمَا يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال رسول الله : "لن تصبروا إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليست له حديدة"، وأنزل الله هذه الآية: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ} [النور: 55].
وإزاء كل هذا تبرز الحاجة ملحة إلى التزود بالصبر والتقوى اللذين هما عُدَّة المؤمن للتغلب على الصعاب.
لكن هذا الموقف لم يمنع من الاستعداد والتأهب لمواجهة العدو الظاهر على مسرح الأحداث يومئذٍ -وهو قريش-.
ويكفي لبيان كثافة الحركة الجهادية في هذه المدة: أن عدد الغزوات التي قادها النبي بنفسه سبع وعشرون غزوة، وعدد السرايا والبعوث ثمانٍ وثلاثون بين بعث وسرية.
بعد ثمانية عشر شهرًا من الهجرة كانت معركة بدر، وهي أعظم وأعمق الأحداث في تلك المرحلة، وقد نزلت سورة الأنفال في هذه الغزوة لتسديد الخطوات بالتوجيه، لوضع الخطوات الجهادية في مسارها الصحيح، فجاء فيها الأمر بالثبات والإعداد والتواضع والإنفاق وعدم التنازع والعتاب على قبول الفداء في الأسرى.
وفي أُحُد يتضح أن عاقبة المعصية وخيمة، وقد تجلت دروس كثيرة عملية فيها، ونجم النفاق، وظهر أن مخالفة جزئية وطمعًا في الدنيا كان سببًا في الخسارة، فما بالك بأمة تلقي كتاب ربها وراءها ظهريًّا، ولا يخطر على بالها جهاد، وتستحل الربا والغلول وغير ذلك!!
ثم جاءت غزوة الخندق والظروف الصعبة، وأضافت إلى دروس أحد دروسًا جديدة، ترقى بها ذلك الجيل الذي لو توقف عند حد معين لخسرت الإنسانية كلها.
ثم جاء معلم جديد من معالم التربية، لكنه امتحان من نوع آخر، إنه امتحان القلوب المؤمنة التي جاشت بالحمية الإيمانية والغيرة لله، وهي قلوب مفعمة باستعلاء الإيمان وعز الطاعة، تأبى أن يستضيمها عدو الله، أو تنصاع لضغوطه في أي ميدان، لقد صدمت هذه الجماعة الراشدة الزاحفة أبدًا إلى الأمام وهي تواجه منعطفًا خطيرًا يشتهي فيه الكافرون من الشروط ما يشتهون ويحملونها عليها، ثم ترى قائدها يقبلها بدون تحفظ؛ مما أثار حميتها وغيرتها الإيمانية، رافضة هذه الشروط التي تبدو في نظرها مجحفة.
ولعل ما حدث من موقف المؤمنين بالنسبة للصلح كان بسبب الاندفاع الجهادي الذي كان نتيجة للتربية في المدة السابقة، فاقتضى الأمر مرحلة عُليا من التربية، مرحلة تتعدى مراحل الحض والإيقاد ورفع الهمم والعزائم إلى مرحلة تهذيب الحماس وتسكين الحمية الإيمانية لتوافق الوحي في كل أمر، وإن رأت مواقفه شاقة على حظ النفس. فكان من أهم دروس الحديبية: اتهام العقل أمام النصوص الصريحة، وظلت الحادثة درسًا لهم فيما استقبلوا من حياتهم، يقول عمر : أيها الناس، اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني أرد أمر رسول الله برأيي اجتهادًا، فوالله ما آلو عن الحق، وذلك يوم أبي جندل، حتى قال لي رسول الله : "تراني أرضى وتأبى؟!". وكان سهل بن حنيف يقول: "أيها الناس، اتهموا رأيكم على دينكم، لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله لرددته".
ثم توالت الأحداث مؤكدة الحكمة البالغة وراء هذا الصلح، فاعترفت قريش بكيان المسلمين لأول مرة، وتمكنت خزاعة من إعلان تحالفها الصريح مع المسلمين وتفرغ المسلمون ليهود خيبر، وانتشر الإسلام كما يقول الزهري: فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس بعضهم بعضًا... ولقد دخل في تينك السنتين مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك.اه.
وقد خرج النبي إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج في عام الفتح بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف، وبهذا يرقى الإيمان، وترسخ قاعدة عظمى من قواعد التزكية الإيمانية: أن من ثواب الإيمان حصول إيمان أعلى منه، ومن جزاء المعصية نقص الإيمان بمعصية أخرى، وهي قاعدة لم تثبت من خلال موعظة في مسجد، ولا محاضرة في جامعة، وإنما في موقف مهول كهذا.
ثم جاءت غزوة حنين وفيها الاعتداد بالكثرة، فعوقبوا ثم عوتبوا على ذلك، وفي ذلك اليوم حذرهم النبي من الاعتداد بالكثرة، ورغم التذكير بما حصل لمن اغتروا من قبلهم، إلا أنهم لم يستوعبوا الدرس إلا بصورة عملية عندما تراجعوا وذاقوا مرارة الهزيمة، وقوي إيمانهم حينما رأوا ثبات النبي .
كما أن في هذه الغزوة عبرًا أخرى ظهرت عند قسمة الغنائم وتسلط بعض الأعراب وتم فيها اختبار قوة إيمان الصحابة وثباتهم أمام مغريات النفس.
وفي غزوة تبوك كان أعظم ابتلاء بإعلان الجهاد في وقت الحر الشديد ووقت ضائقة مالية، إلا أن الاستجابة كانت عظيمة، ومن العبر قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]. حيث يقول سيد قطب في هذا النفير: "تنفر من كل فرقة منهم طائفة -على التناوب بين من ينفرون ومن يبقون- لتتفقه هذه الطائفة في الدين بالنفير والخروج والجهاد والحركة بهذه العقيدة وتنذر الباقين من قومها إذا رجعت إليهم، بما رأته وما فقهته من هذا الدين...". ويذكر أصل رأيه من قول المفسرين، ثم يقول: "أما الذين يقعدون: فهم الذين يحتاجون أن يتلقوا ممن تحركوا؛ لأنهم لم يشاهدوا ما شاهد الذين خرجوا ولا فقهوا فقههم... وبخاصة إذا كان الخروج مع رسول الله والخروج بصفة عامة أدنى إلى الفهم والتفقه".
لقد كان من آفاق هذه التربية أن كانت الغزوة بمنزلة تمحيص نهائي، واستئصال جذري للطفيليات المحسوبة عليها وليست منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.