لا يمكن فهم الضجة الإيرانية التي أثيرت عقب الحكم على الشيخ علي سلمان، رئيس جمعية "الوفاق" الشيعية، بالسجن أربع سنوات، إلا في سياق المؤامرة على مملكة البحرين، وأن الحرب عليها مستعرة، فالأكاذيب هذه المرة كانت واضحة وشاهدة على أن ثمة مؤامرة وتدخلا سافرا في الشأن البحريني من جانب إيران والغرب، فالحقيقة أن العالم السني بأكمله ربما تلقى الحكم على سلمان بالدهشة، إذ كانت التهم الموجهة إليه تكفيه ليقبع في السجن طوال حياته بعد اتهامه بالدعوة لتغيير النظام بالقوة، وهي تهمة لو ثبتت في أي دول من دول العالم فعقوبتها السجن المؤبد أو الإعدام، وهي التهمة الأساسية التي برأته المحكمة منها، وأدانته فقط بتهمة "التحريض على عدم الانقياد للقوانين"، ما يعني أن الحكم على سلمان كان حكما بالبراءة وليس بالإدانة. كما تجب الإشارة إلا أن الحكم 4 سنوات فقط على سلمان، ربما أحدث قلقا في الرأي العام العربي، الذي بدأ ينتبه جيدا للمؤامرة الإيرانية على المنطقة العربية، وسعيها الدائم لتنفيذ فكرة الهلال الشيعي، لاسيما بعد ازدياد نفوذها عقب الحصول على تفويض دولي باللعب بأمن المنطقة على خلفية إنهاء الغرب معها أزمة البرنامج النووي، وهو هاجس بدأ يشغل العقل العربي، وكان الجميع ينتظر ردا قويا على محاولتها التسلل للمنطقة من البوابة الشرقية للوطن العربي عبر البحرين، حيث كان الجميع يأمل في إنهاء أنشطة هذه الجمعية المشبوهة، الثابت بالدليل تعاونها مع إيران وعمالتها لها، وإصدار حكم رادع على رئيسها، لكن الحكم أكد سماحة الحكومة البحرينية، التي لم تتدخل في أحكام القضاء رغم معرفتها بعمالة "الوفاق"، وأكد أيضا على نزاهة القضاء البحريني واستقلاليته المطلقة، وهو ما يعني أن مملكة البحرين دولة قانون تنافس أعتى الديمقراطيات العالمية في النزاهة والشفافية، حيث أدين سلمان ب"التحريض علانية على بغض طائفة من الناس بما من شأنه اضطراب السلم العام، والتحريض علانية على عدم الانقياد للقوانين وتحسين أمور تشكل جرائم"، إضافة إلى "إهانة هيئة نظامية" هي وزارة الداخلية، وهذه التهم ربما كانت قليلة على ما فعله زعيم الوفاق من مطالبته صراحة بإسقاط النظام وتغييره بالقوة وعدم استجابته للحوار الوطني، بينما لم يُدنْ بتهمة "الترويج لتغيير النظام بالقوة"، رغم ثبوتها عليه، لكن هذا هو حال الحكومة البحرينية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن خليفة آل خليفة، الذي يعتمد في برنامج عمل الحكومة إحلال روح المحبة بدلا من روح الكراهية، لأن الأوطان لا تبنى بالكراهية وإنما تقوم على حب طوائف المجتمع لبعضهم البعض، وهو أرقى أنواع الفكر السياسي غير المتبع للأسف في معظم دول العالم. أما فيما يتعلق بردود الفعل الإيرانية حول الحكم وأيضا بيان "الوفاق" المستنكر للحكم، فإنه يثبت تهمة التدخل الإيراني في الشأن البحريني، حيث تميز بيان الخارجية الإيرانية، كعادته، بالترويج للأكاذيب، حيث يشير في البداية إلا أن "التوجهات الأمنية لا تساعد على معالجة القضايا في البحرين" فأي توجهات تشير إليها إيران والحكم صادر من قضاء مستقل وأكثر نزاهة مائة مرة من القضاء الإيراني الذي يعدم سنويا العشرات من أهل السنة والإيرانيين. ثم تتمادى المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم، في أكاذيبها قائلة إن "الحوار هو الحل الوحيد للقضية البحرينية" فهل غاب عنها الحوار الوطني البحريني الذي رفضه علي سلمان؟ أم أنها لا تعلم شيئا عن القضية البحرينية سوى ترديد الأكاذيب؟. ثم تقول المسؤولة الإيرانية أن "المتوقع بشكل جاد أن يتم التعامل بصورة عادلة ومنطقية ومناسبة مع المجموعات التي تطرح مطالبها السلمية"، فأي سلمية تحلت بها الوفاق؟ وهل غاب عن إيران أفعال "الوفاق" وتحريضها المستمر على لسان مرجعياتها على العنف والتخريب؟ وهل محاصرتهم القطاع المصرفي في احتجاجهم في 2011 كان عملا سلميا؟ الخلاصة أن أفضل تهمة تواجه بها خصمك هي أن تتهمه بما تفعله أنت، لأنك باختصار تظن الجميع مثلك، وهذا هو منطق إيران من البحرين، فالجمهورية التي تحكم بالقمع، وتلهب ظهر الشعب الإيراني بسياط المذهب الإثنى عشري، تعتقد أن البحرين مثلها، وأن الحكومة طائفية مثلها، وهو ما يتأكد كذبه يوما بعد يوم أمام العالم، في ظل التوجه المعتدل للحكومة البحرينية والروح السمحة التي تتحلى بها أمام كراهية إيران وأذنابها في البحرين.