يبدو موقف علماء التغذية من قضية الفطور مثل سؤال هاملت الأزلي "أن تكون أو لا تكون"، إذ تنصح دراسات علمية بوجبات افطار صباحية منتظمة تقلل مخاطر البدانة والسكري، في حين لا تنصح دراسات أخرى بذلك. مثل هذا التضارب في الموقف من الفطور تكشفه دراسة أخيرة نشرت في مجلة "الصحة العامة والتغذية" في عددها الخامس لهذا العام وشملت أطفالاً من ثمانية بلدان أوروبية. اعتمدت الدراسة على ردود 5444 طفلاً وذويهم حول عادات التغذية بالعلاقة مع السن والموقع الجغرافي والحالة الاجتماعية. ولم تتوصل الدراسة إلى علاقة واضحة بالعلاقة بين الفطور والبدانة بين الأطفال، ولابين الفطور بالعلاقة مع السكري ودرجة التعليم والناحية الاجتماعية. وكمثل فإن الأطفال من سن 10-12 سنة، الذين يعيشون في كنف عوائل متعلمة، ويتناولون الفطور يومياً بانتظام، لم يظهروا ميلاً للبدانة، وكانت نسبة البدانة بينهم ضئيلة. لكن ذلك كان يسري أيضاً على الأطفال من نفس الفئة العمرية، ومن حالة اجتماعية مشابهة، والذين لايفطرون صباحاً مع العائلة. قبل ذلك بأقل من عام توصلت دراسة بريطانية، نشرت في مجلة نيتشر كلينيك، إلى استنتاج مماثل تقريباً، وذكرت ان القضية تتعلق بمدى استهلاك الجسم للسعرات الحرارية. فالنحفاء الذين يفطرون جيداً بانتظام تتلقى أجسادهم سعرات أكثر مما يتلقاه غير الفاطرين، لكن أجسادهم تستهلك سعرات أكثر في الفترة حتى موعد الغداء. من ناحية أخرى لم يظهر أي فرق ميتابولي أو دموي تحليلي بين الذين يفطرون والذين لايفطرون، ولم يكن الأخيرون أكثر عرضة للسكري وأمراض القلب. لكن مستوى الغلوكوز في الدم لديهم كان ثابت طوال الفترة ما بعد الفطور عند الذين يفطرون، وخلال المساء أيضاً، بحسب الدراسة المذكورة.
مخاطر سكري أقل وفي دراسة سويدية نشرت في مجلة الصحة العامة والتغذية في 4 مايس/آيار 2015، توصل الباحثون إلى ان الشباب في سن 16 سنة، الذين من عادتهم عدم الافطار أو الاكتفاء بافطار قليل بين فترة وأخرى، يصبحون أكثر عرضة بكثير لأمراض اضطراب الاستقلاب (مثل السكري) في سن الأربعين مقارنة بالذين يفطرون يومياً بانتظام. إلى نتائج مماثلة تقريباً توصلت دراسة انجليزية نشرت في مجلة "بلوس ميديسين" في نوفمبر 2014، وتقول ان الفطور المنتظم يقلل مخاطر السكري على الأطفال. شملت الدراسة 4000 طفل من أعمار تتراوح بين تسع وعشر سنوات، وتتحدث عن مخاطر سكري-2 أقل لدى الذين يفطرون عند البلوغ. تبين من الدراسة أيضاً أن القضية تتعلق إلى حد كبير بنوع الفطور الذي يتناوله الطفل أو الانسان. ويذهب معدو الدراسة إلى أن الفطور اليومي المنتظم بالوجبات الغنية بالفيتامينات والعناصر الأولية والمعادن تقلل خطر مرض السكري بنسبة 11-12%. ظهر أيضاً ان الأطفال الانجليز يتشجعون على الافطار المنتظم أكثر حينما يكون الفطور غنياً بالثمار والحبوب بدلاً من الفطور التقليدي بالزبدة والمربى والجبنة والبيض. وتعاكس هذه الدراسة دراسة أخرى مع البالغين تقول ان الافطار اليومي التقليدي بمشتقات الحليب والبيض يسبب السمنة ويزيد مخاطر السكري. وتزداد هذه المخاطر أيضاً عند الممتنعين عن الفطور اليومي، ونشرت هذه الدراسة في مجلة "الصحة العامة والتغذية" في 17 فبراير/شباط 2015.
كوليسترول أكثر من يمتنع عن الافطار المنتظم يجازف أيضاً برفع معدلات الكوليسترول الخبيث ومستويات الترايغليسرايد في دمه، بحسب دراسة يونانية نشرت في مجلة "يورو كلينيك نيتشر" عام 2014. وتقول الدراسة إن مخاطر البدانة تزيد عند الصائمين عن الفطور، ويسجل تاريخهم الشخصي مخاطر أكبر للإصابة بأمراض القلب والدورة الدموية. وتذهب دراسة أخرى نشرت في مجلة"أميركان كلينكل نيتشر" في العام 2014 إلى ان الذين يفطرون يومياً يعيشون ويعملون أفضل. فهم يتناولون وجبات الفطور بانتظام ويتمتعون بعادات تغذية أفضل، كما أن اسلوب حياتهم اليومي أكثر صحة وسلامة من أولئك الذين لايفطرون.
الحركة أهم ما هو الصحيح إذاً، أن نفطر أو أن لانفطر، أو نكتفي بفطور خفيف غني بالثمار والحبوب والعناصر الأساسية؟ عالمة التغذية الألمانية نيكول اريكسون، من جامعة ميونخ التقنية، انتقدت معظم هذه الدراسات بسبب اعتمادها الاحصائيات والأرقام وتناقضها مع بعضها. وحبذت اريكسون، في حديث مع مجلة الطبيب الألماني، ربط الفطور بممارسة الرياضة والحركة كي يمكن الحديث عن تأثيره السلبي أو الايجابي على صحة الإنسان. وتعيب اريكسون على هذه الدراسات اغفال العامل النفسي الذي يلعب دوراً مهماً في التغذية، وفي عادات تناول الطعام، وفي قدرة الجسم على حرق السعرات. وتستفسر العالمة الألمانية ما إذا كانت هذه الدراسات قد استفسرت عن أمراض الناس الأخرى، التي قد تكون على علاقة بالبدانة والسكري، وعن أنواع العقاقير والمشروبات التي يتعاطونها. استشهدت الباحثة بدراسة للأمم المتحدة ترى أن عوامل المجازفة الناجمة عن التغذية ستلعب الدور الرئيس في بناء حياة وصحة إنسان المستقبل. ودعا فيها خبراءالتغذية، على هذا الأساس، وبهدف تجنب الإصابة بالأمراض المزمنة، إلى تغيير عادات الحياة والتغذية عن طريق تناول أقل ما يمكن من الملح والسكريات والأحماض الدهنية المشبعة، وتعاطي أكثر ما يمكن من الفواكه والخضروات الطازجة إضافة إلى ساعة من الحركات الرياضية البسيطة يومياً. فضلاً عن ذلك، تنصح اريكسون بضرورة تقليص السكر المأخوذ عن طريق المرطبات والأغذية الجاهزة إلى أقل من 10% من الطعام اليومي. ومن يود تجنب الأمراض المزمنة عليه عدم تناول أكثر من 5 غرامات من الملح يومياً. وهذه عوامل حاسمة ينبغي أن تتوفر في الفطور قبل الحديث عن دوره في تقليل المخاطر الصحية. وتقول اريكسون إن هناك دراسات أكبر وأدق وأكثر تتحدث عن دور الحركة في خفض ضغط الدم، وفي تقليل مخاطر البدانة ومخاطر أمراض القلب والدورة الدموية واحتمالات الاصابة بداء السكري. وتنصح اريكسون الباحثين بإجراء الدراسات التي تربط بين الحركة والفطور، لأن الحركة يمكن أن تقرر بدانة الطفل بغض النظر ما إذا كان يتناول فطوره بانتظام أم لا.