«خدعوها بقولهم حسناء.. والغوانى يغرّهن الثناء».. تستطيع أن تجرى على بيت الشعر السابق لأمير الشعراء أحمد شوقى تغييرا طفيفا ولكنه سيحطم تماما كل الأوزان والتفعيلات، لتقول: «خدعوها بقولهم سجادة.. وفى المهرجانات يفضلونها حمراء».. ما إن تذهب إلى مهرجان سينمائى حتى تجد دائما -الريد كاربت RED CARPET- السجادة الحمراء هى أحد المعالم المميزة ومصدر فخر سواء للقائمين على المهرجان أو لضيوف المهرجان، وكلما ازداد طول هذه السجادة وازدادت درجة احمرارها ازداد بريق المهرجان وأصبح من حقه أن يتباهى أمام كل مهرجانات الدنيا. وأنت تقرأ يا عزيزى هذه الكلمة أكون أنا قد وصلت بإذن الله إلى مدينة «كان» على شاطئ الريفييرا، متابعا السجادة الجديدة والعمال يُجرون عليها الرتوش الأخيرة قبل أن يفتتح المهرجان رسميا السابعة مساء الغد بفيلم «الرأس العالية» للمخرجة والممثلة إيمانويل بيركو وبطولة الأيقونة الفرنسية كاترين دينيف، لتشهد المظاهرات التى تتقاطر حول قاعة «لوميير» ويختفى لون السجادة الأحمر مع تعدد ألوان الفساتين التى تصعد وتهبط السلّم. ظلت السينما المصرية فى مهرجان «كان» بعيدة عن تلك السجادة على مدى 15 عاما، حيث كانت آخر مشاركة رسمية لنا فى «كان» مع فيلم الراحل يوسف شاهين «المصير» عام 1997، ولكن عام 2012 صعد نجوم فيلم «بعد الموقعة» على تلك السجادة وشاهدنا المخرج يسرى نصر الله، تلميذ يوسف شاهين، ومعه أبطال فيلمه منة شلبى وباسم سمرة وناهد السباعى وهم يستقبلون رسميا بالمهرجان. أتذكر أن الراقصة فيفى عبده منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضى وحتى نهايتها كانت تحرص على حضور المهرجان، ليس من أجل مشاهدة الأفلام بالطبع ولا حتى لإحياء حفل رقص على هامش الفعاليات ولا لشراء ملابس، ولكن من أجل -ومن أجل فقط- أن تلتقط لها صورة وهى تصعد وتهبط السلالم، وكانت تصحبها أحيانا مجموعة خاصة من مصورى الفيديو بالإضافة إلى مصورى الفوتوغرافيا حتى تقدم لها شريطا فى عدد من البرامج تثبت بالصوت والصورة أنها كانت هناك على السجادة الحمراء ورأسها برأس شارون ستون.. بل كانت إحدى شركات الإنتاج السينمائى تحرص على أن تؤجر السلم بالسجادة لمدة 45 دقيقة وتتكبد مبلغا معتبرا لصناعة دعاية لأفلامها مثل «يعقوبيان» و«إبراهيم الأبيض» و«ليلة البى بى دول» و«حليم» وغيرها، حيث إن هذه الأفلام كانت تشارك فقط على الهامش وفى سوق المهرجان، ولكن كان المطلوب هو صناعة شو إعلامى. وانتقلت عدوى السجادة الحمراء إلى المهرجانات السينمائية العربية، بل وبعض العروض الخاصة للأفلام.. وبات اللون الأحمر دلالة على الأهمية. الأحمر هو لون الدماء، تعودنا فى الأدبيات العربية أن نشعر برهبة من هذا اللون ونصف المعارك الملتهبة بأنها حمراء.. وإشارات المرور فى مختلف دول العالم تعتبر الأحمر هو الممنوع والأخضر يعنى السماح، ونحن نقول سنة خضراء تيمنا بالعام الجديد، وفى المطار هناك منطقة خضراء بلا جمارك وأخرى حمراء تتكبد فيها مبالغ تتجاوز الثمن الذى اشتريت به الهدايا.. هل سر احتفالنا بالأحمر فى المهرجانات يعنى لنا أننا استطعنا أن نقتحم الممنوع وهذا يشعرنا بالتفوق الممزوج بالبهجة لأن الإنسان بطبعه يبحث لا شعوريا عما وراء المتاح -الأخضر- ويذهب مدفوعا إلى الأحمر؟.. هل الفخامة مدلولها الأحمر؟.. أشك كثيرا فى أن الأحمر يمنحنا هذا الإحساس لأن اللون الذهبى هو الأجدر والأولى بأن نعتبره عنوانا للأبهة، كل القصور الفخمة مرتبطة بلون الذهب.. حتى إنهم كانوا يتباهون فى الماضى بمن يضع على أسنانه غطاء من ذهب أو يزرع سنة أو طقما كاملا من الذهب. فلماذا أصبحنا نفضل الأحمر؟ حاول المهرجان الأول للسينما المستقلة الذى أقيمت أولى دوراته بوسط مدينة القاهرة قبل نحو ثمانى سنوات أن يصحح الوضع، وتم إلغاء السجادة الحمراء ووضع بدلا منها -كليم- والغريب أنه كان أيضا لونه أحمر!! أتابع معكم فى الأيام القادمة أحداث الدورة رقم 68 الزاخرة بالأفلام سواء سبق عرضها سجادة حمراء أم كانت «أورديحى» بلا سجادة!!