■ الأبنودى: كانت ميولى أنا وفؤاد معوض متطابقة فى فترات المراهقة وكنت أراسله على عنوانه فى شبرا وأرسل له بأزجالى الأولى فى مجلته «آخر ضحكة» بداية لابد من إعادة نشر المقال الذى كتبه عن شخصى المتواضع فى جريدة الأهرام بتاريخ 17 ديسمبر عام 2004 وبالتحديد فى ملحق أيامنا الحلوة ومن بعده لابد من الدخول فى التفاصيل وإضافة الجديد. شاعرنا الراحل كتب يقول فى مقاله «الكاتب الساخر فؤاد معوض الشهير ب«فرفور» والذى يعرفه القاصى والدانى هاجمنى برده الغامض حين التقينا بعد الصلاة يوم الجمعة فى مجلسنا لدى الصديق وحيد حامد فى أحد أوتيلات القاهرة المطلة على النيل.. قال غاضبا وأدفع جنيهًا كاملاً لمن يفرق بين غضب «فرفور» وسروره.. لماذا لم يأت ذكر لى فى موقعة خناقة المجارحة بمنقباد أسيوط؟! «تفاصيل الموقعة كان الأبنودى قد نشرها فى عدد سابق» ألم أحضر هذه المعركة يا عبد الرحمن؟! ألم نكن معًا فى ذلك الفناء المتسع بمنطقة الفرز بمنقباد؟! نظرت متعجبًا من وجهه الأبيض والشعر الذى ليس فى خشونة شعرنا ومنظره العصرى الذى يشى بقاهريته وسألته: ومالك إنت ومنطقة منقباد؟! إن منقباد منطقة فرز الصعايدة فقط!.. تغير وجهه وقال: أمال أنا منين يا جدع؟! أنا من مواليد سوهاج!.. تعجبت وفكرت فى أنه حين ولد أغلقوا عليه ثلاجة من التى تنقل باليد ووضعوا حوله الثلج المكسر حتى إذا وصلوا به إلى محطة القاهرة أفلتوه فأنقذ واحتفظ ببياضه وليس كمثلنا الذين من قبل أن نخرج من بطون أمهاتنا ألقوا بنا إلى الحقول تحت الشمس التى تشوى الحجر وخرجنا بتدرجات الألوان هذه كل حسب درجة البيت صعودًا وهبوطًا! شحذت الذاكرة على المسن الذى أشحذ عليه ذاكرتى ووجدت فؤاد معوض قابعًا فى الذاكرة.. وعلى الرغم من إنه كان أكثر من تحدثت إليهم فقد كان قد قرأ مجلة «البعكوكة» فى صغره مثلى وكان يعرف جميع الزجالين الذين يكتبونها بالاسم «أبو فراج» و«محمود الكمشوشى» و«سيد عقل» و«النجار» ومحمد عبد الهادى فكرى وهذه مهنته، وليس لقبه وغيرهم من الزجالين الذين ذهب إلى الإسكندرية بعد احترافه لمهنة الصحافة وبحث عنهم وصادق أحياءهم وفتش فى أوراق موتاهم! كان «فرفور» ومازال قصير القامة وما كان يصلح أن يقبلوه فى الجندية لكنهم قبلوه لأن الزمن كان زمن ثورة.. زمن صراع من العدو الإسرائيلى وأحمد الله أنه ذهب إلى سلاح آخر غير سلاحى وإلا كنا نسجن يوميًا لأنه من النوع الذى يلقى بالنكتة ولا يضحك وكنت أنا فى ذلك الوقت أضحك ولو من غير نكتة.. تراه دائمًا يتمتم وهو لا يتمتم بكلام غير مفهوم وإنما هو مريض بوصف الناس بطريقة كاريكاتيرية فلا تملك حتى ولو كنت حجرًا إلا أن تنفجر بالضحكات، وبنفس صوته غير المسموع يسأل نفسه بيضحك على إيه ابن العبيطة ده؟! ثم يواصل ما كان يفعل! كانت ميولنا متطابقة تطابقًا مذهلاً فى فترات المراهقة والمراسلات وكنت أراسله على عنوانه فى شبرا وأرسل له بأزجالى الأولى فى مجلته التى كان يصدرها «آخر ضحكة» وهو مازال تلميذا فى مدرسة روض الفرج الثانوية لقد أرسلت أزجالاً منهازجل بعنوان «اضحك فقد كنت أكتب الأزجال الضاحكة والقى بها شمالاً ويمينا قبل أن أعرف طريق الشعر الحقيقى!.. ومازال «فرفور» على الرغم مما صنعته بنا الأيام يحمل هذا الوجه الطفولى الذى يخبئ خلفه ألف عفريت وعفريت مازال ينصب الفخاخ للبشر ويسقيهم المقلب بعد المقلب! لقد حضر واقعة «جورج» القناوى و«أحمد» السوهاجى وبقية أفراد المجارحة -ونحن فى منطقة تجنيد منقباد- وحرض كلاً منهم على الآخر على الضرب والعراك بينما اختبأ هو بعيدًا يضحك معلقًا «يا ولاد العبيطة»! أيااام حلوة.. حلوة.. بالفعل ■ ■ ■ انتهى مقال صديق العمر عبد الرحمن الأبنودى والذى أعيد نشره فى هذا المكان غصبًا وأنا فى منتهى الحرج لكونه مقال شخصى جدًا ولكن عذرى فى ذلك أن لموضوع تعارفنا بقية لابد من ذكرها عندما قررت إصدار مجلة اسمها «آخر ضحكة» لصاحبها ورئيس تحريها فؤاد معوض صدر العدد الأول منها فى أغسطس عام 1958، الإدارة والتحرير عبارة عن غرفة اقتطعتها من شقتنا المتواضعة محتوياتها سرير ومخدة وبطانية ساعة أن يجئ موعد النوم وبجوار السرير مكتب بثلاث أرجل أجلس عليه للمذاكرة وتحرير أعدادها! أيامها كنت رئيسًا لجماعة الصحافة بمدرسة روض الفرج الثانوية والعمر لم يتجاوز الثالثة عشرة وأحلم لمستقبلى بأن أكون صحفيًا عظيمًا وفخيما يشار له ب«المانشيتات» كما محمد التابعى وفكرى «باشا» أباظة ومصطفى «بك» أمين لا أقل!.. الفارق البسيط - وقتها- بينى وبينهم أن جيوب التابعى عامرة بالفلوس وجيوب العبد لله عامرة بالخروم «جمع خرم» فمن أين لنا بتكاليف المجلة التى كان فى نيتنا إصدارها؟! حتى هدانا الله إلى اقتراض نصف التكاليف من ابن «مزين» فى شبرا مشترطًا نظير ذلك أن نقوم بوضع اسمه فى الترويسة مديرًا للتحرير إضافة إلى ذلك ما كنا نقتصده من مصروفنا اليومى! رحت أضع القرش فوق القرش حتى صار معى مبلغًا وقدره عشرة جنيهات ناولتها لصحاب مطبعة فى شبرا اسمه مسعد صادق ليطبع لى ألف نسخة من عددها الأول!.. قبل ذلك كنت قد أرسلت لمجموعة من الأدباء الناشئين هواة كتابة الزجل والشعر وتأليف النكت وكتابة القصة هؤلاء الذين كانت أسماؤهم تنشر وقتها فى أبواب «الصداقة والتعارف بالمراسلة» التى اعتادت المجلات القديمة مثل «على بابا» و«سندباد» و«الصباح» و«العالم العربى» نشرها أدعوهم فيها للمساهمة فى تحرير «آخر ضحكة» بما يجود به - على رأى مدرسى الإنشا - القريحة! ومن بعدها جاءتنى رسائلهم من كل مكان وبعضهم أصبح من كبار الكتاب والرسامين فيما بعد وخذ عندك محيى الدين اللباد من «المطرية» وعبد العال الحمامصى من «أخميم» ومحمد الخضرى عبد الحميد «ملوي» وغالى شكرى «المنوفية ومحجوب محمد موسى الإسكندرية، عوض عبد الحميد المؤذن «البحيرة» رسام الكاريكاتير تاج من «بسيون» ونخبة من زجالى الإسكندرية إلى جانب عبد الرحمن الأبنودى الطالب وقتها بمدرسة قنا الثانوية والذى لم يسبق له النشر حتى ولو قصيدة واحدة من قبل إلا فى «آخر ضحكة» التى اختصها بزجل عنوانه «امتى أضحك» وإذا كنت قد قررت نشر الزجل بالكامل فأنا لا أنشره هنا كصاحب مجلة لها الفضل وإنما لأنه حديث ينبغى أن نعلنه للذكرى والتاريخ كبداية أولى من بعدها أصبح الأبنودى - كما على رأى مدرسى الإنشا - اسمًا يتلألأ ساطعًا يلمع فى سماء العامية المصرية. ياللى بتسامر هموم دنياك بهمي قبل ما تسلى الهموم بدى أصارحك ياما عشت اكتب واضحك الناس بدمعي وأنا فى شجونى لا بابتسم ولا أضحك إمتى أضحك وأنا طول عمرى فى همومى والألم من كل ناحية حط بيا إن سكت أنا تقول عنى هدومي اللى شاربه الكاس معاية ومستوية بنطلونى الكاكى مربوط بالدوبارة الحزام مسكين مالهش مكان معايا شكله فاق شكل ابن عمه فى السراية عندى يا سادة كرافتة لئيمة كل يوم أبعتها مالطة يربطوها ما بيربطهاش غير ضرب القديمة مخها أوسع من اللى بيلبسوها عندى مشط «عجوز» «هرم» وسنانه واقعة غير كمان منديل محلاوى كبير حتى منديلى فى بطانته ألف رقعة صوف على تروكلين على الخيش والحرير أكسى جميع الناس وأنا الباكى على حالي وأنا طول عمرى ما فكرت أضحك كلمة واحدة ياما قلتها وحاعيدها تاني أنا مخلوق فى الحياة دى لأجل أضحك ■ ■ ■ أخذت زجل الأبنودى وبعض الأزجال الأخرى إلى عمنا بيرم التونسى وقد اتفقت معه مسبقًا وبواسطة أحد أصدقاء والدى كان من المقربين لبيرم، وذلك ليقول رأيه فيها وأيضًا لإجراء حوار معه!.. بالصدفة وبعد نزولى من الترام مارًا بشارع السد بالسيدة زينب فى طريقى للمقهى الذى اعتاد الجلوس عليه حتى فوجئت به منكفئا على وجهه أمام بائعة خضار تفترش الأرض وهو يختار وينتقى الطازج منه!.. بعد أن ابتاع منها ما يريد وقفت وسلمت عليه مقدما نفسى «فؤاد معوض صاحب ورئيس تحرير مجلة «آخر ضحكة»!.. ابتسم الرجل فى استهزاء من منظرى وصغر سنى 13 عامًا وقتها مناولا إياى قفص جريد مكدس بالخيار والطماطم وقرون البامية والملوخية الخضرا والبطاطس وأرغفة خبز بلدى طازج اشتراها من فرن الرمالى وذلك لكى أحمله بدلاً منه وهو يشخط فى وجهى قائلاً رئيس تحرير حتة واحدة يا سيدى طظ فيك وفى الرئاسة.. خذ شيل على دماغك بقي.. حتى وصلنا للمقهى الذى اعتاد الجلوس عليه وإجراء الحوار الذى نشرته على صفحات العدد الثالث منها.. فى الوقت الذى أشاد بزجل عبد الرحمن وتنبأ له فى قادم الأيام يحمل لقب «الأمير» أمير الزجالين بالطبع ولم أتركه قبل أن يقوم بإهدائى زجلاً من تأليفه لنشره مع الحوار معبرًا عن فلسفته فى النساء ومن أى صنف تلك التى تعجبه وتشد انتباهه وقد أجاب قائلاً.. خدوا الملاح الصبايا واتركوا لى العور والعرجة والعمشة واللى جلدها مبشور أنا خاطرى مكسور وأحب الخاطر المكسور والصنف قول صنف واحد لما نطفى النور رحم الله بيرم التونسى.. وعبد الرحمن الأبنودى.. صديق الأيام الحلوة التى ولت.