البحيرة أجبرت الأرض أن تخرج اثقالها .. والحكومة في ثباتها العميق في مصر الكل يعاني الأحياء منهم والأموات فلم تعد الراحة مقصورة علي من فارق الحياة بعد أن نزعتها مياه البحيرات التي تسللت إلي المقابر فانتهكت حرمة الموت دون تدخل حكومي . مياه البحيرات أجبرت الأرض أن تخرج أثقالها, وصارت المدافن غارقة و الجثث – أو بالأحري ما تبقي منها – طافية للعنان . ومنذ نحو عام قام الدكتور جلال مصطفي السعيد محافظ القاهرة بإفتتاح مشروع تطوير عين الحياة وطريق الفسطاط, وقاموا بعرض فيلم تسجيلي للشوارع قبل تطويرها والتي كانت غارقة بسبب ارتفاع منسوب المياه بالعين, ورصفوا الشوارع والطرق الرئيسية واصلحوها حتي تصلح لحياه كريمة لأهالي المنطقة, وأعادوا هيكلة الحالة المرورية التي كانت مستمرة بالتكدس المروري . عملوا للأحياء, ونسوا الموتي علي طريقة "الحي ابقي" فأصبح الشكل العام يصلح لحياة ادمية, و لكن الحقيقة أن الأمر تسبب في غرق المدافن المجاورة وتحول إلى "كارثة كبري" جعلت جثث الموتي الطافية تستغيث في مدافن عين الصيرة وهي "عين الحياة" المشهورة بمدافن "البساتين والتونسي والشافعي" والتي تقع علي مساحة 20 فدانًا بالمنطقة, وبعد ارتفاع منسوب مياهها أدي ذلك الأمر لاختلاطها بمياه الصرف الصحي ما تسبب في كارثة للأهالي بإصابتهم بالأمراض . بحيرة "عين الصيرة" كان يأتي إليها المرضي من أجل العلاج, ليشفوا من الأوبئة والأمراض, لأنها تشتهر بالمياه الجوفية الصافية الصالحة, وتنبع المياه من باطن الأرض, وكان يأتي إليها المواطنون للعلاج مقابل مبلغ مالي "تعريفة" وهو ثمن تذكرة الدخول لتلك البحيرة, وكانت مشهورة بذلك علي حد قول "حارس مدافن عين الصيرة" وتحولت من "بحيرة" الي نقمة بعد أن كانت نعمة لأهالي المنطقة والمواطنين المتواجدين بها, وذلك بعد ارتفاع منسوب المياه الذي أدي إلي تدهور المنطقة بالكامل . من جانبه قال حارس المدافن المشهور "أبو أحمد" الذي يبلغ من العمر 60 عامًأ, بأن تلك المنطقة تحولت منذ عشرين عامًا إلي منطقة يرثي لها من العشوائيات والتدهور, وذلك بعد ارتفاع منسوب المياه, ولن يتوقف الأمر علي ذلك بل أصبحت الكارثة الكبري وهي غرق المدافن بالكامل من المداخل والمخارج حيث سقطت الجدران بعد تأكلها, وبهذا الأمر أصبحت غير صالحة للدفن مرة أخري, بعد امتلائها بالمياه, أصبح الأمر مغضبًا لدي البعض بسبب الجثث التي تطفوا أعلي المياه داخل المدافن, وأصبحت نتائج الكارثة تتوالي كلما ملأت المياه المدافن والمنازل المحيطة بالقرب من البحيرة, وتسببت في ظهور حشائش ونباتات داخل المدافن وعوقت طرق الدفن ومنذ ما يقرب من ثلاثة أعوام تسببت المياه في سقوط منزلين . أدي هذا الأمر إلي انزعاج أهالي منطقة عين الصيرة, بسبب تخوفهم من الأمراض, بعد اختلاط المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي, انحدرت المياه علي الطرق الرئيسية للسيارات إلى بعضها بسبب المياه التي تسببت في توقف كامل للطرق, تم بعد ذلك تصليح الطرق الخارجية بعد إلحاح الأهالي, لكن أصبحت العشوائيات والتدهور وإلقاء القمامة والمخلفات وسقوط الجدران داخل المدافن هي الحالة العامة داخل الشوارع الضيقة . و قال "علي السيد " أحد حراس المدافن بالمنطقة, إنه أثناء مرورهم داخل المدافن, يشعرون بحالة من الخوف والرعب, ليس تخوفا من تواجد الموتي كما يظن البعض، إنما تخوفا من سقوط جدران المدافن أثناء المرور عليها, بسبب المياه التي انحدرت داخلها وأدت إلي سقوط المئات من المدافن علي الموتي . لجأ البعض من المواطنين إلي العديد من الحلول لحل تلك الأزمة بعد انهيار مدافنهم بسبب ارتفاع منسوب المياه, البعض الأول يلجأ إلي شفط المياه, ووضع الرمال ومن أعلاها الجثث, و يقومون بالدفن علي أمل بأن المياه لا تعود إلي الأرض مرة أخري, لكن ذلك الأمر فشل, بسبب أن المياه تعود إلي الأرض ويؤدي إلي ظهور الحشائش والغاب التي تنمو داخل المدافن وتعوق المدافن . قام البعض الأخر بوضع مادة للنباتات لتمنع نمو تلك الحشائش بالمدافن, لكنها تؤدي إلي زيادتها, وكانت الكارثة أن بعض المواطنين أثناء ذهابهم لدفن ذويهم يجد المدفن مليئًا بالمياه, فيلجأ إلي مدافن "الصدقة". ولجأ البعض منهم إلي حل آخر وهو هدم المدفن وإعادة بنائه مرة أخري بعد سد الثغرات والثقوب التي تؤدي إلي انحدار المياه داخل المدافن, ويقومون بترميمه بالكامل وبناء "لحد" لا يسع سوي فرد واحد, ولحد عبارة عن قطعة أرض تصلح لدفن فرد واحد وبعد ذلك يقومون بسد ذلك الحد بالأسمنت حتي يتم وضع أكثر من سبع جثث علي أرض متساوية و يقومون ببناء دور أخر بعد وضع الأسمنت , و هكذا حتي يتم بناء أدوار متتالية . و بعد ترميم الطريق الرئيسي لمداخل المدافن أصبحت المياه تنحدر إلي الداخل من خلال شبكات الإتصال و في الآونة الأخيرة أصبح الأمر مرعبا لدي بعض الأهالي المقيمين بالمنطقة بسبب وصول مياه البحيرة إلي منازلهم و تسللها بشكل مرعب يؤدي إلي سقوط بعض المنازل . ووجدنا عددا من أسر الأثرياء يلجئون لترك مدافنهم و يقومون بدفن موتاهم داخل مدافن "الصدقة" وذلك بعد فشلهم بإيجاد حلول لحل تلك الكارثة .