الإعلامي محمد فودة يشيد بقرارات وزير التعليم ويؤكد: شجاعة في المواجهة وحرص على كرامة المعلم وحماية الطالب    رئيس الوزراء يصدر قرارًا مهمًا بشأن البحر الأحمر    جوتيريش: الأمم المتحدة تتعاون بنشاط مع الحكومة السورية    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. غزة تواجه أعلى معدلات الإعاقة في العالم بسبب حرب الإبادة الجماعية.. 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة.. و60% من السكان صاروا معاقين    مدرب كريستال بالاس: إسماعيلا سار قد يغيب عن أمم إفريقيا    حجز المتهم بابتزاز أميرة الذهب، وقرارات عاجلة في الواقعة    تركيب وتشغيل بوابات إلكترونية لدخول متاحف الغردقة والإسكندرية وشرم الشيخ    كأس العرب 2025.. التعادل السلبي يحسم مواجهة الجزائر والسودان    الداخلية تضبط سائقا يتجول بمحيط لجان انتخابية بمكبر صوت بالبحيرة    كأس العرب - مؤتمر مدرب تونس: طوينا صفحة الخسارة أمام سوريا.. وقادرون على الذهاب بعيدا    إبراهيم قاسم: قرارات الهيئة وتوجيهات رئيس الجمهورية رفعت ثقة الناخبين وقللت المخالفات    يروي قصة أرض الإمارات وشعبها.. افتتاح متحف زايد الوطني بأبوظبي.. صور    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    "من أجل قلوب أطفالنا".. توقيع الكشف الطبي على 283 حالة بمدرسة كفر الكردي ببنها    رئيس قطاع الثروة الحيوانية والداجنة بالزراعة: لا توجد دواجن مريضة في الأسواق.. واتهامات السردة إشاعات    سكرتير عام المنوفية يشهد افتتاح معرض «ابتكار مستدام»    رومانو: برشلونة سيجدد تعاقد جارسيا لمدة 5 مواسم    المفوضية الأوروبية تتقدم باقتراح بشأن قرض لتمويل تعويضات لكييف    الاحتلال يكثف اعتداءاته في نوفمبر.. أكثر من 2100 انتهاك و19 محاولة لإقامة بؤر استيطانية جديدة    عاجل- الحكومة: 6.3 مليون مواطن استفادوا من خدمات هيئة الرعاية الصحية خلال 6 أشهر    الداخلية تضبط طالبًا طمس لوحات سيارته فى البحيرة    زينة: "ماشوفتش رجالة في حياتي وبقرف منهم"    محافظ الجيزة يتفقد أعمال تطوير حديقتي الحيوان والأورمان (صور)    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    "القاهرة الإخبارية": إسرائيل ترسل وفدا سياسيا إلى لبنان لأول مرة وسط ضغوط أمريكية    6 قرارات جديدة للحكومة.. تعرف عليها    فحص أكثر من 6.1 مليون طالب للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس الابتدائية    الصليب والهلال الأحمر الدولي: فيضانات جنوب شرق آسيا كارثة إنسانية تتطلب دعما عاجلا    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    محافظة الجيزة ترفع 500 حالة إشغال خلال حملة بشارع عثمان محرم.. صور    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    7 ديسمبر.. الإدارية العليا تنظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    ضبط سيدتين بحوزتهما كروت دعاية انتخابية بمحيط لجنة في دمنهور قبل توزيعها على الناخبين    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    وزيرا التخطيط والمالية يناقشان محاور السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    على رأسها رونالدو.. صراع مشتعل على جائزة مميزة ب جلوب سوكر    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    تفاصيل جريمة غسل أموال بقيمة 30 مليون جنيه    محافظ القاهرة يوجه بوضع خطة عاجلة لتطوير الحديقة اليابانية بحلوان    محافظ الإسكندرية يتفقد لجان الاقتراع بدائرة الرمل    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    احتفاءً بأديب نوبل، القاهرة للكتاب والوطني للقراءة يطلقان مسابقة لإعادة تصميم أغلفة روايات محفوظ    هالاند: فخور جدًا بدخول نادي المئة في الدوري الإنجليزي    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    الخميس.. قرعة بطولة إفريقيا لسيدات السلة في مقر الأهلي    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إقالة العثرات سُنّة نبوية
نشر في الفجر يوم 14 - 04 - 2015

الإنسان بفطرته وضعفه يصيب ويخطئ، ويعلم ويجهل، ويذكر وينسى، ولم يعصم الله عز وجل أحداً من الوقوع في الزلة والعثرة غير الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبع العورات، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفضِ الإيمانُ الى قلبه! لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه وهو في جوف رحله) رواه الترمذي. وأمرنا صلى الله عليه وسلم بالستر عامة، وإقالة عثرات أهل الفضل والمروءة خاصة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) رواه مسلم. قال النووي: "وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفاً بالأذى والفساد"، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) رواه أبو داود وصححه الألباني.
ومن المواقف النبوية التربوية الدالة على إقالة العثرات، موقفه صلى الله عليه وسلم مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه؛ فقد روي عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (مكان قرب المدينة في طريق مكة ) فإن بها ظعينة (امرأة على بعير) معها كتاب، فخذوه منها، قال: فانطلقنا تعادى (تجري) بنا خَيْلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجته من عِقاصها (شعرها المضفور)، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا حاطب! ما هذا؟) قال: يا رسول الله! لا تعجل عليَّ، إني كنت امرءاً ملصقا في قريش (أي: حليفاً لهم)، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين، من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنه قد صدقكم)، فقال عمر: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} (الممتحنة:1) رواه البخاري. قال ابن كثير: "كان سبب نزول صدر هذه السورة (الممتحنة) الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة".
ومن المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم خير الناس وخير القرون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) رواه البخاري، قال ابن تيمية: "ثبت بأدلة الكتاب والسنة أن أفضل الأمة أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، والعشرة مفضلون على غيرهم، والخلفاء الأربعة أفضل الأمة".
وحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه من أهل بدر، ويكفيه هذا شرفاَ وفضلاً، ومع ذلك زلت به قدمه في لحظة من اللحظات، وهذه سمة من سمات الضعف البشري، فالبشر ما داموا ليسوا رسلاً ولا ملائكة فهم غير معصومين من الخطأ، وهذا الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) رواه أحمد، ومن ثم وجه النبي صلى الله عليه وسلم نظر أصحابه إلى أن يذكروا حاطباً رضي الله عنه بأفضل ما فيه بقوله: (إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم)، وبهذه النظرة التربوية السمحة علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم ألا ننسى الحسنات والفضائل لمن أخطؤوا قليلاً بعد أن أصابوا كثيراً، وأن ننظر إلى أصحاب العثرات من أهل الفضل نظرة متكاملة، ونأخذ بالاعتبار ما قدموه من خيرات وأعمال صالحة في حياتهم، قال ابن القيم: "من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يُحْتمل منه ما لا يُحتمل لغيره، ويُعْفى عنه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل، فإنه لا يحتمل أدنى خبث".
لا تعارض بين إقالة العثرات والمساواة:
من دروس السيرة النبوية المشرفة المستفادة من قصة الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه: إقالة عثرات وزلات أهل المروءة والفضل، وأصحاب الجاه والشرف، الذين دامت طاعتهم، واشتهرت استقامتهم، ولكن زلت في بعض الأحيان أقدامهم، فوقعوا في ذنب أو خطأ، ومن الأحاديث النبوية المرشدة لذلك ما رواه أبو داود وصححه الألباني عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)، وظاهر الحديث قد يفهم منه البعض أنه مُعارِضٌ لمبدأ العدل والمساواة الذي أقره الإسلام بين الناس، وليس الأمر كذلك؛ وذلك أن من كثرت عثراته، وتكررت زلاته لا يستوي ومَن قلَّت عثراته، وندرت زلاته، وغاية ما يرمي إليه الحديث هو رفع المؤاخذة بالخطأ والذنب إذا صدر عمَّن لم يكن من عادته ذلك، وعُرِفَ بالاستقامة والصلاح، إلا ما كان حداً من حدود الله تعالى وبلغ الحاكم فيجب إقامته.
على أن الحديث يومئ من جانب آخر إلى أن الناس وإن كانوا متساوين من حيث أصل الخلق والتكليف، بيد أنهم متفاوتون من جهة العلم والفضل والمكانة، وهذا الملمح ذكره ابن القيم في أثناء بيان المراد من هذا الحديث، حيث قال: "والظاهر أنهم ذوو الأقدار بين الناس من الجاه والشرف والسؤدد، فإن الله تعالى خصّهم بنوع تكريم وتفضيل على بني جنسهم، فمن كان منهم مستوراً مشهوراً بالخير حتى كبا به جواده، وأديل عليه شيطانه فلا نسارع إلى تأنبيه وعقوبته، بل تقال عثرته ما لم يكن حداً من حدود الله، فإنه يتعيّن استيفاؤه من الشريف كما يتعيّن أخذه من الوضيع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) متفق على صحته، وهذا باب عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة، وسياستها للعالم، وانتظامها لمصالح العباد في المعاش والمعاد". وقد قال الذهبي في هذا الصدد: "إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعُلِم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يُغفر له زلته، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك".
ولا يفوتنا ونحن مع موقف النبي صلى الله عليه وسلم التربوي مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه أن نشير إلى معجزة من معجزاته صلوات الله وسلامه عليه في هذا الموقف، وما كان يؤيَّد به من الوحي من قِبَل ربه، فقد أعلمه الله عز وجل بما فعله حاطب رضي الله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (اذهبوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها)، وقد نفذ علي والزبير والمقداد رضي الله عنهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا موقنين بصحة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم لهم بوجود كتاب حاطب رضي الله عنه مع المرأة، وقد أمسكوا بها في الموضع الذي حدده لهم النبي عليه الصلاة والسلام، ووجدوا مع المرأة الكتاب الذي أشار إليه، وهذه إحدى معجزاته صلوات الله وسلامه عليه، قال ابن حجر: "من أعلام النبوة اطْلاع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على قصة حاطب مع المرأة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.