حيثيات «الإدارية العليا» لإلغاء الانتخابات بدائرة الدقي    وزيرتا التنمية المحلية والتضامن ومحافظ الغربية يتفقدون محطة طنطا لإنتاج البيض    تعرف على مشروع تطوير منظومة الصرف الصحي بمدينة دهب بتكلفة 400 مليون جنيه    نائب محافظ الجيزة وسكرتير عام المحافظة يتابعان تنفيذ الخطة الاستثمارية وملف تقنين أراضي الدولة    إما الاستسلام أو الاعتقال.. حماس تكشف سبب رفضها لمقترحات الاحتلال حول التعامل مع عناصر المقاومة في أنفاق رفح    الجامعة العربية تحتفى باليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى    شبكة بي بي سي: هل بدأ ليفربول حياة جديدة بدون محمد صلاح؟    إبراهيم حسن يكشف برنامج إعداد منتخب مصر لأمم أفريقيا 2025    وادى دجلة يواجه الطلائع ومودرن سبورت وديا خلال التوقف الدولى    الأهلي أمام اختبار صعب.. تفاصيل مصير أليو ديانج قبل الانتقالات الشتوية    أحمد موسى: حماية الطفل المصري يحمي مستقبل مصر    حكم قضائي يلزم محافظة الجيزة بالموافقة على استكمال مشروع سكني بالدقي    خطوات تسجيل البيانات في استمارة الصف الثالث الإعدادي والأوراق المطلوبة    الثقافة تُكرم خالد جلال في احتفالية بالمسرح القومي بحضور نجوم الفن.. الأربعاء    مبادرة تستحق الاهتمام    مدير وحدة الدراسات بالمتحدة: إلغاء انتخابات النواب في 30 دائرة سابقة تاريخية    انطلاق فعاليات «المواجهة والتجوال» في الشرقية وكفر الشيخ والغربية غدًا    جامعة دمنهور تطلق مبادرة "جيل بلا تبغ" لتعزيز الوعي الصحي ومكافحة التدخين    أسباب زيادة دهون البطن أسرع من باقى الجسم    مصطفى محمد بديلا في تشكيل نانت لمواجهة ليون في الدوري الفرنسي    رئيس الوزراء يبحث مع "أنجلوجولد أشانتي" خطط زيادة إنتاج منجم السكري ودعم قطاع الذهب    هل تجوز الصدقة على الأقارب غير المقتدرين؟.. أمين الفتوى يجيب    "وزير الصحة" يرفض بشكل قاطع فرض رسوم كشف على مرضى نفقة الدولة والتأمين بمستشفى جوستاف روسي مصر    محافظ جنوب سيناء يشيد بنجاح بطولة أفريقيا المفتوحة للبليارد الصيني    أمينة الفتوى: الوظيفة التي تشترط خلع الحجاب ليست باب رزق    وزير العدل يعتمد حركة ترقيات كُبرى    «بيت جن» المقاومة عنوان الوطنية    بعد تجارب التشغيل التجريبي.. موعد تشغيل مونوريل العاصمة الإدارية    عبد المعز: الإيمان الحقّ حين يتحوّل من أُمنيات إلى أفعال    استعدادًا لمواجهة أخرى مع إسرائيل.. إيران تتجه لشراء مقاتلات وصواريخ متطورة    دور الجامعات في القضاء على العنف الرقمي.. ندوة بكلية علوم الرياضة بالمنصورة    الإحصاء: 3.1% زيادة في عدد حالات الطلاق عام 2024    الصحة العالمية: تطعيم الأنفلونزا يمنع شدة المرض ودخول المستشفى    الرئيس السيسي يوجه بالعمل على زيادة الاستثمارات الخاصة لدفع النمو والتنمية    وزير التعليم يفاجئ مدارس دمياط ويشيد بانضباطها    من أول يناير 2026.. رفع الحدين الأدنى والأقصى لأجر الاشتراك التأميني | إنفوجراف    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره الباكستاني    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لتطوير المناطق المحيطة بهضبة الأهرامات    إعلان الكشوف الأولية لمرشحي نقابة المحامين بشمال القليوبية    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا.. 80 يومًا تفصلنا عن أول أيامه    وزير الثقافة يهنئ الكاتبة سلوى بكر لحصولها على جائزة البريكس الأدبية    رئيس جامعة القاهرة يستقبل وفد جودة التعليم لاعتماد المعهد القومي للأورام    الإسماعيلية تستضيف بطولة الرماية للجامعات    وزير الإسكان يتابع تجهيزات واستعدادات فصل الشتاء والتعامل مع الأمطار بالمدن الجديدة    دانيلو: عمتي توفت ليلة نهائي كوبا ليبرتادوريس.. وكنت ألعب بمساعدة من الله    ضبط 846 مخالفة مرورية بأسوان خلال حملات أسبوع    تيسير للمواطنين كبار السن والمرضى.. الجوازات والهجرة تسرع إنهاء الإجراءات    مصطفى غريب: كنت بسرق القصب وابن الأبلة شهرتى فى المدرسة    شرارة الحرب فى الكاريبى.. أمريكا اللاتينية بين مطرقة واشنطن وسندان فنزويلا    صندوق التنمية الحضرية : جراج متعدد الطوابق لخدمة زوار القاهرة التاريخية    وزير الخارجية يلتقي أعضاء الجالية المصرية بإسلام آباد    صراع الصدارة يشتعل.. روما يختبر قوته أمام نابولي بالدوري الإيطالي    إطلاق قافلة زاد العزة ال83 إلى غزة بنحو 10 آلاف و500 طن مساعدات إنسانية    اتحاد الأطباء العرب يكشف تفاصيل دعم الأطفال ذوي الإعاقة    تعليم القاهرة تعلن خطة شاملة لحماية الطلاب من فيروسات الشتاء.. وتشدد على إجراءات وقائية صارمة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 30نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا.... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك « ميدوزا - 14»    مركز المناخ يعلن بدء الشتاء.. الليلة الماضية تسجل أدنى حرارة منذ الموسم الماضى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكم قراءة القرآن ووهب ثوابه للمتوفى
نشر في الفجر يوم 07 - 04 - 2015

ما حكم الشرع فيما نفعله في المسجد من قراءة الفاتحة وهِبَة ثوابها للمتوفى؟
يجيب الدكتور شوقي إبراهيم علام - مفتى الديار المصرية-:
قراءة الفاتحة في استِفتَاحِ الدعاء أو اختِتَامِهِ أو في قضاء الحوائج أو في بداية مجالس الصُّلْحِ أو لِطَلَبِ الرحمة للموتى مع الدعاء لَهُم وهِبَةِ مِثل ثوابها لَهُم وغير ذلك مِن مُهِمَّات الناس هو أمرٌ مشروعٌ بعُمُومِ الأدلةِ الدَّالَّةِ على استِحبَابِ قراءة القرآن مِن جهةٍ، وبالأدلة الشرعية المُتَكَاثِرَةِ التي تَدُلُّ على خصوصية الفاتحة في إنجاح المقاصد وقضاء الحوائج وتيسير الأمور مِن جهةٍ أخرى، وبما ثَبَتَ مِن نَفْعِ القراءة والدعاء للموتى مِن جهةٍ ثالثة.
فأمَّا الأدلةُ العامَّةُ: فَكَقَوْلِهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}.. [فاطر : 29]، وكَقَوْلِهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ».. رواه مسلمٌ مِن حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. إلى غير ذلك مِن النصوص المُطْلَقَةِ.
ومِن المُقَرَّرِ في عِلمِ الأصول أنَّ الأمرَ المُطْلَقَ يَقتَضِي العُمُومَ البَدَلِيَّ في الأشخاص والأحوال والأزمِنَةِ والأمكِنَةِ، وإذا شَرَعَ اللهُ تعالى أمرًا على جهة العُمُومِ أو الإطلاق فإنه يُؤخَذُ على عُمُومِهِ وسَعَتِهِ ولا يَصِحُّ تَخصِيصُهُ ولا تَقيِيدُهُ بوجهٍ دُونَ وجهٍ إلَّا بدليلٍ، وإلَّا كان ذلك بابًا مِن أبواب الِابتِدَاعِ في الدِّين بِتَضْيِيقِ ما وَسَّعَهُ اللهُ ورسولُهُ صلى الله عليه وآله وسلم، هذا مِن جهةِ عُمُومِ كَوْنِ الفاتحةِ قُرآنًا وذِكرًا مشروعًا تِلَاوَتُهُ على كُلِّ حالٍ ما لَم يَرِدْ نَهْيٌ عن ذلك بخصوصه؛ كالنهي عن تلاوة القرآن حال الجنابة مثلًا.
وأمَّا مِن جهةِ خُصُوصِهَا في إنجاح المَقَاصِدِ وقضاء الحوائج وتيسير الأمور وإجابة الدعاء: فقد دَلَّت الأدلةُ الشرعيةُ على أنَّ فيها مِن الخصوصية ما ليس في غيرها: فالله تعالى يقول: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}.. [الحجر : 87].
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «{الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين} هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوْتِيتُه» رواه البخاري مِن حديث أبي سعيد بن المُعَلَّى رضي الله عنه.
ويقول لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «يَا جَابِرُ، أُخْبُرِكَ بِخَيْرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ؟» قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَاتِحَةُ الْكِتَابِ»، قال راوي الحديث: وأحسبه قال: «فِيَها شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» رواه البيهقي في شعب الإيمان.
ويقول عليه الصلاة والسلام: «أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا عِوَضٌ» رواه الدارقطني والحاكم مِن حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
وقد جاء الشرع الشريف بمشروعية قراءة الفاتحة في كُلِّ ركعةٍ مِن الصلاة المفروضة والمَسْنُونَةِ، وهي رُكْنٌ للصلاة عند جماهير أهل العلم، كما جاء الشرع بمشروعية قراءتها في الصلاة على الجنازة دُونَ غيرها مِن سائر القرآن. وهذه الخصوصية للفاتحة هي التي حَمَلَتْ سيدَنا أبا سعيدٍ الخدريَّ رضي الله عنه على الرُّقْيَةِ بها دُونَ أنْ يَبْتَدِئَهُ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بالإذن أو يَعْهَدَ إليه بشيءٍ في خُصُوصِ الرقية بها وقراءتها على المرضى، فلما أخبر النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بما فَعَلَ لَم يُنكِر عليه ولَم يَجعل ما فعله مِن قَبِيل البدعة، بل اسْتَحْسَنَهُ وصَوَّبَهُ وقال له: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» متفقٌ عليه، وفي البخاري أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم: «قَدْ أَصَبْتُمُ».
وقد جاء عن الصحابة الحَثُّ على قراءة الفاتحة في بعض المواضع مع عدم وُرُودِ نَصٍّ بخصوصه في ذلك؛ فروى ابن أبي شيبة في "المُصَنَّف" (7/98، ط. دار الفكر) عن أسماء بنت أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهما قالت: "مَن قرأ بعد الجمعة فاتحةَ الكتاب و{قل هو الله أحد} و{قل أعوذ برب الفلق}ْ و{قل أعوذ برب الناس} حفظ ما بينه وبين الجمعة".
كما أنَّ في خصوص الاستفتاح بها تَأَسِّيًا بالكتاب العزيز؛ فإنها ما سُمِّيَت فاتحةً إلَّا لِأنَّ القرآنَ فُتِحَ بها، وفاتحة الشيء أَوَّلُهُ، وقراءتها في استفتاح الأمور طَلَبٌ للهداية والمعونة مِن الله تعالى فيها.
ويُستَدَلُّ لقراءة الفاتحة في قضاء الحوائج -التي منها غُفران ذُنُوبِ الموتى وإنزال الرحمة بهم- بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلمٌ وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ؛ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي -وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي-، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ».
فإعطاءُ الله تعالى للعبد سُؤلَهُ عامٌّ في هذا المَوضِعِ، كما أنَّ مُتَعَلَّقَ الِاستِعَانَةِ مَحذُوفٌ، وهذا يَقتضي الإطلاق، فيَدُلُّ على مشروعية نِيَّةِ الِاستِعَانَةِ بالله في كُلِّ شيءٍ بقراءة الفاتحة.
قال الشيخ ابن عبد الهادي الحنبلي في رسالته التي سَمَّاها "الاستعانة بالفاتحة على نجاح الأمور" -في "جمهرة الأجزاء الحديثية" (ص: 372، ط. مكتبة العبيكان)-: [احْتَجَّ بَعضُهُم مِن هذا الحديث على أنه ما قرأ أحدٌ الفاتحةَ لقضاء حاجةٍ وسَألَ حَاجَتَهُ إلَّا قُضِيَتْ] اه.
ورَوَى مسلم والنسائي وغيرهما عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم سَمِعَ نَقِيضًا –أي: صوتًا- مِن فوقه، فرَفَعَ رأسه فقال: «هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ»، فنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فقال: «هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ»، فَسَلَّمَ - يعني: المَلَكُ - وقال: «أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ؛ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ».
قال العلَّامة محمد بن علان الصديقي الشافعي في كتابه "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين" (6/200، ط.
دار الكتاب العربي): [يجوز كَونُها للاستعانة؛ أي: (لن تقرأ) مستعينًا (بحرف) أي جملة (منهما) على قضاء غرض لك (إلَّا أعطيتَه) كيف لا والفاتحة هي الكافية؟ وتلك الخواتيم لِمَن قرأها في ليلةٍ كافيةٌ، والمراد ثوابه الأعظم مِن ثواب نظيره في غير هذين.
أو المراد بالحرف: معناه اللغوي وهو الطرف، وكَنَّى به عن كُلِّ جُملةٍ مستقلةٍ بنفسها؛ أي: أُعطِيتَ ما تَضَمَّنَتْهُ إنْ كانت دعائية ك﴿اهْدِنَا﴾ و﴿غُفْرَانَكَ﴾ الآيتين، وثوابَهما إنْ لَم يتضمن ذلك كالمشتملة على الثناء والتمجيد] اه.
وعلى ذلك جَرَى فِعلُ السَّلَفِ الصالح مِن غير نَكِيرٍ: فأخرج أبو الشيخ في "الثواب" عن عطاء رحمه الله تعالى أنه قال: "إذا أردتَ حاجةً فاقرأ بفاتحة الكتاب حتى تَختِمَهَا تُقْضَى إنْ شاء الله".
قال العلَّامة مُلَّا علي القاري الحنفي في "الأسرار المرفوعة" (ص: 253، ط. مؤسسة الرسالة): [وهذا أصلٌ لِمَا تعارف الناس عليه مِن قراءة الفاتحة لقضاء الحاجات وحصول المُهِمَّات] اه.
والذي تَحَرَّر مِن هذه النُّقُول: تَرجيحُ جانبِ الجواز؛ لِكَثْرَةِ قائله, وأنَّ البدعة الممنوعة: ما لا يكون لها إذنُ إشارةٍ ودلالة، وسورةُ الفاتحة سورةُ تعليمِ طريقِ الدعاءِ، وسورةُ المسألة، وسورةٌ نَزَلَت لبيانِ طريقِ الأفضلِ مِن الدعاءِ، فأفضَلُ الأدعية إنما يَلِيقُ ويَجري في أفضل الأوقات، ومِن أفضل الأوقات أدبارُ الصلوات، فلا كلامَ في أَصْلِ قراءتها] اه.
وذَكَرَ العلَّامة ابنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ الشافعي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (4/29، ط. المكتبة الإسلامية) أنه يستحب قراءة الفاتحة عند وقوع الطاعون؛ لأنها شفاءٌ مِن كُلِّ داء.
وكذلك عند الحنابلة: فقد كان الإمام أحمد بن حنبل يَستعمل كتابةَ الفاتحة في التمائم الشرعية؛ قال العلَّامة ابن مفلح الحنبلي في "الآداب الشرعية" (2/455، ط. عالم الكتب): [قال المرُّوذي: شَكَت امرأةٌ إلى أبي عبد الله أنها مُسْتَوْحِشَةٌ في بيتٍ وَحْدَها، فكَتَبَ لها رُقْعَةً بِخَطِّهِ: بسم الله, وفاتحة الكتاب، والمعوذتين، وآية الكرسي] اه.
وسَبَقَ عن الشيخ ابن تيمية الحنبلي رحمه الله أنه كان يَجعَلُها وِرْدَه في الصباح. وهذا تلميذه العلَّامة ابن القيم الحنبلي يَسْتَحْسِنُ قراءةَ الفاتحة للمفتي عند الإفتاء، ويَنقل ذلك عن بعض السلف، مع عَدَمِ وُرُودِ شيءٍ مِن ذلك بخصوصه في السنة، فيقول في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/198، ط. دار الكتب العلمية): [حَقِيقٌ بالمفتي أنْ يُكْثِرَ الدعاءَ بالحديث الصحيح «اللهم رَبَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطِرَ السمواتِ والأرضِ، عالِمَ الغيبِ والشهادة، أنت تَحكُمُ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون, اهدِني لِمَا اختُلِفَ فيه مِن الحق بإذنك, إنك تَهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم».. وكان بعض السلف يقول عند الإفتاء: سبحانك لا عِلْمَ لَنَا إلَّا ما عَلَّمْتَنَا؛ إنك أنت العليم الحكيم.. وكان بعضهم يقرأ الفاتحة, وجَرَّبْنَا نَحْنُ ذلك فرأيناه أقوى أسبابِ الإصابة] اه.
وأمَّا مِن جهةِ أنها مِن أرجى ما يَصِلُ ثوابُهُ إلى الميت فهي أُمُّ القرآن، وهي السَّبْعُ المَثَانِي، وثوابُ قراءتها لِلنَّفْسِ والغيرِ عظيمٌ.
كما أنَّ الشرعَ الشريفَ جاء بقراءتها على الجنازة؛ وذلك لأنَّ فيها مِن الخصوصية في نَفْعِ الميت وطَلَبِ الرحمةِ والمغفرةِ له ما ليس في غيرها، كما في حديث عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمُّ القرآنِ عِوَضٌ عن غيرها، وليس غيرُها عِوَضًا عنها» رواه الدارقطني وصححه الحاكم، وبَوَّبَ لذلك الإمامُ البخاريُّ في صحيحه بقوله (باب قِراءةِ فاتِحةِ الكِتابِ على الجَنازةِ).
وهذا أَعَمُّ مِن أنْ يَكُونَ في صلاة الجنازة أو خارجها: فمِن الأحاديث ما يَدُلُّ على أنها تُقرأ في صلاة الجنازة، ومنها ما يَدُلُّ على أنها تُقرأ عند الدفن أو بَعدَهُ؛ كحديث ابن عمر السابق عند الطبراني وغيره، ومنها ما يَدُلُّ بإطلاقه على كِلَا الأمرين؛ كحديث أم عفيفٍ النهدية رضي الله عنها قالت: «بَايَعْنَا رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بايع النساء؛ فأَخَذَ عليهن أن لا تُحَدِّثنَ الرَّجُل إلَّا مَحرَمًا، وأَمَرَنا أنْ نَقرأ على مَيِّتِنا بفاتحةِ الكتاب» رواه الطبراني في المعجم الكبير، وحديث أم شريكٍ رضي الله عنها قالت: «أَمَرَنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَن نَقرَأَ على الجِنازةِ بفاتِحةِ الكِتابِ» رواه ابن ماجه.
كما أَخَذَ العلماءُ وُصُولَ ثواب القراءة إلى الميت مِن جواز الحج عنه ووُصُولِ ثوابه إليه؛ لأنَّ الحج يَشتَمِلُ على الصلاةِ، والصلاةُ تُقرَأ فيها الفاتحةُ وغيرها، وما وَصَلَ كُلُّهُ وَصَلَ بَعضُهُ، وهذا المعنى الأخير وإنْ نَازَعَ فيه بَعضُهُم إلَّا أنَّ أحدًا مِن العلماء لَم يَختَلِف في أنَّ القارئ إذا دعا اللهَ تعالى أنْ يَهَبَ للميت مِثلَ ثواب قراءته فإنَّ ذلك يَصِلُ إليه بإذن الله؛ لأنَّ الكريمَ إذا سُئِلَ أعطى، وإذا دُعِيَ أجاب.
وعلى ذلك جَرَى عَمَلُ المسلمين جِيلًا بعد جِيلٍ وخَلَفًا عن سَلَفٍ مِن غير نَكِيرٍ، وهذا هو المُعتَمَدُ عند أصحاب المذاهب المَتْبُوعَةِ، حتى نَقَلَ الحافظُ شمسُ الدِّين بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي الإجماعَ على ذلك –كما سَبَق-، ونَقَلَهُ أيضًا الشيخُ العثمانيُّ في كتابه "رحمة الأمة في اختلاف الأئمة"، ونَصُّ عبارته في ذلك: [وأَجمَعُوا على أنَّ الِاستِغفارَ والدعاءَ والصدقةَ والحجَّ والعِتْقَ تَنْفَعُ الميتَ ويَصِلُ إليه ثَوَابُهُ، وقراءةُ القرآنِ عند القبر مُستَحَبَّةٌ] اه.
وأما الآراءُ المُخالِفَةُ لِمَا عليه عَمَلُ الأُمَّةِ سَلَفًا وخَلَفًا والتي تَظهَرُ بين الناس بين الفَيْنَةِ والفَيْنَةِ لِتُضَيِّقَ عليهم المَجَالَ في ذِكْرِ الله تعالى في بُيُوتِهِم ومَجَالِسِهِم ومُنْتَدَيَاتِهِم وتَجَمُّعَاتِهِم فمَا هي في الحقيقةِ إلَّا مَشارِبُ بِدْعَةٍ، ومَسالِكُ ضَلَالَةٍ -بِغَضِّ النَّظَرِ عن نَوَايَا مُنْتَحِلِيهَا-؛ لأنَّ الدعوةَ إلى القضاء على أعراف المسلمين التي بَنَتْهَا الحضارةُ الإسلاميةُ على مَرِّ الزمان وشَكَّلَتْهَا في سُلُوكِيَّاتِهِم وعاداتِهِم وتقاليدهم -انطِلَاقًا مِن كَوْنِ الشرع الشريف هو مِحْوَرُ حياتهم- هو أمرٌ خطيرٌ، غَفَلَ الدَّاعُون إليه أو تَغَافَلُوا عن أنه سيؤدي بهم في النهاية إلى فَقْدِ المظاهر الدِّينية مِن المَحَافِلِ العامة، واستِبعادِ ذِكْرِ الله تعالى مِن الحياة الِاجتماعية ومَنظُومةِ الحضارة، وهو عَيْنُ ما يَدعو إليه المَلَاحِدَةُ والمَادِّيُّون مِن البشر.
فَلْيَتَّقِ اللهَ أولئك الذين يَهْرِفُون بِمَا لا يَعرِفُون، ولْيَتْرُكُوا الفتوى لأهلها الذين يُدْرِكُونَ مَرَارَةَ الواقع، ويَعْقِلُونَ مَآلَاتِ الأحكام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.