قدم عبد الباري عطوان، رئيس تحرير جريدة رأي اليوم اللندنية، تفسيرًا للمشهد اليمني، بعد الأحداث المتسارعة التي حلت خلال الأيام القليلة الماضية، مشيرًا إلى أن هناك ثلاثة تطورات رئيسية يمكن رصدها باهتمام كبير أطلت برأسها بقوة في المشهد اليمني مع دخول التدخل العسكري الجوي للتحالف السعودي الخليجي العربي يومه الثامن أمس الخميس. والتطور الأول: سقوط مدينة عدن في أيدي التحالف "الحوثي الصالحي" ودخول قوات حوثية قصر "المعاشيق" الرئاسي الذي لجأ اليه الرئيس اليمني "الشرعي" عبد ربه منصور هادي وجعله مقره الرئيسي المؤقت بعد فراره من صنعاء. التطور الثاني: حدوث اشتباكات برية عنيفة على الحدود اليمنية السعودية، ومقتل اول جندي سعودي (العريف سلمان المالكي)، وإصابة عشرة آخرين، مما يؤشر إلى أن الحرب البرية بدأت فعلا، ولكن في المكان غير المنتظر الذي لا تتمناه السعودية. التطور الثالث: اقتحام مسلحين تابعين لتنظيم "القاعدة" في اليمن الذي يرأسه ناصر الوحيشي للسجن المركزي في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت والإفراج عن 300 معتقل معظمهم من أعضاء التنظيم، علاوة على شنهم هجوما على القصر الرئاسي، والميناء، وفرع البنك المركزي، ومقر المخابرات العامة، والإدارة المحلية، في اكبر استغلال لحالة الفوضى التي بدأت تسود اليمن.
وتابع أن التطور الأول هو سقوط مدينة عدن في يد الحوثيين وحليفهم صالح، حيث يشكل انتكاسة كبيرة للمملكة العربية السعودية التي بدأت غاراتها الجوية في الأساس لمنع سقوط المدينة، أما اقتحام "القاعدة" لمدينة المكلا وسجنها المركزي وباقي مقار مؤسسات الدولة فهو انتكاسة اكبر للإدارة الأمريكية التي تدعم هذا التدخل، والحرب التي تشنها على "الإرهاب"، وتعتبر عملياتها في اليمن باستخدام طائرات بدون طيار (درونز) نموذجا يحتذي، مثلما قال الرئيس باراك اوباما في تصريح له عام 2012. السيد رياض ياسين وزير الخارجية اليمني المقيم مع رئيسه هادي في الرياض، وهو طبيب مسالك بولية، ولكنه قد لا يكون على تلك الدرجة من الكفاءة لمعرفة مسالك السياسة الخارجية اليمنية والدولية ودهاليزها، طالب بتدخل عسكري بري عاجل لان الضربات الجوية لا يمكن ان تحقق الحسم المطلوب لهذه الحرب. الدكتور ياسين محق في كلامه هذا لان القصف الجوي لم يلحق الخسائر المأمولة منه في صفوف الحوثيين، ولم يُعد الرئيس هادي الى الحكم، وانما الحق الضرر في مؤسسات الدولة المدنية من مطارات وموانئ ومقرات حكومية. القيادة السعودية لبت طلب الدكتور ياسين الأول بالتدخل جويا، واعتبرت مطالبته هذه غطاء شرعي لهذا التدخل، ولكن ما زال من غير المعروف ما اذا كانت ستفعل الشيء نفسه تجاه طلبه الثاني بالتدخل البري الذي يجمع الكثير من المراقبين، ونحن منهم، على انه محفوف بالمخاطر، ولا نبالغ اذا قلنا ان التحالف "الحوثي الصالحي" يتمناه ويتطلع اليه لأنه قليل الحيلة في مواجهة الغارات الجوية لضعف إمكانياته، فالحوثيون يملكون طائرات، ولا يملكون طيارين، والطائرات علي اي حال فاقدة الصلاحية منذ عشرات السنين. التطور الثاني: السعودية وحلفاؤها يُجرون (بضم الياء) إلى حرب برية، وهذه ربما تكون مصيدة لهم، جرى نصبها بإحكام، فالحوثيون خبراء في حرب العصابات، وخاضوا ست حروب منها ضد حليفهم الحالي علي عبد الله صالح، وإذا كانوا لم يربحوها كليا فأنهم لم يخسروها أيضا. الضغوط العسكرية على الحوثيين تتزايد رغم نجاحهم في الاستيلاء على مدينة عدن وقصرها الرئاسي، ولكن الضغوط على التحالف السعودي تتزايد أيضا خاصة من قبل المؤسسات الإنسانية الدولية التي بدأت ترتفع نبرة صوتها ويتزايد حديثها عن الخسائر المتزايدة في صفوف المدنيين اليمنيين من جراء القصف الجوي. التدخل البري رغم انه بات الخيار الوحيد بعد فشل القصف الجوي في تحقيق أهدافه حتى الآن في دفع الحوثيين وحليفهم صالح الى الاستسلام، والذهاب الى مائدة الحوار في الرياض تحت مظلة الرئيس هادي الرئاسية، هذا التدخل سيكون بمثابة "انتحار" ولا نعرف ما اذا كان السعوديون مستعدون لتحمل تبعاته من خسائر بشرية، وكذلك حال حلفاؤهم من المصريين والأردنيين والخليجيين؟ وإذا صحت رواية السيد رياض ياسين وزير الخارجية اليمني من أن دولا مثل جيبوتي وسلطنة عمان رفضت استقبال الرئيس السابق علي صالح بضغوط من رئيسه هادي وربما السعودية ودول خليجية أخرى، فان هذا ينطوي على سوء تقدير كبير من وجهتي النظر السياسية والعسكرية معا. نشرح هذه النقطة ونقول أن خروج الرئيس صالح ربما يشكل حدوث شرخ كبير في التحالف الحوثي، ويضعف معنويات قواته التي تتحمل العبء الأكبر من القتال، وبقاؤه في داخل القفص اليمني يعني تحوله إلى "انتحاري" والقتال مع أنصاره حتى النصر أو الموت، فإذا انتصر سيعود وابنه الجنرال احمد إلى حكم اليمن، وإذا لم ينتصر فسيواجه مصير الرئيس العراقي صدام حسين وأولاده، او مصير العقيد معمر القذافي، صديقه القديم، وأولاده أيضا، ومن يعرف الرئيس صالح يدرك جيدا انه مثل معظم اليمنيين يفضل الموت على الاستسلام، والا لما عاد إلى اليمن بعد تفجيره في محاولة لاغتياله، وتحالف مع أعدائه، ونجح في الانتقام من معظم خصومه أن لم يكن كلهم.
وأردف: لا نعرف حتى الآن رده فعل الطرف الإيراني الغائب الحاضر في الحرب اليمنية، وربما يعود ذلك الى انشغاله في الدقائق الأخيرة للمفاوضات النووية، ولكن الأمر المؤكد انه يراقب الموقف عن كثب، وغير متعجل لكشف أوراقه، وما يمكن قوله انهم راهنوا دائما على عدم إقدام السعودية والدول الخليجية الأخرى على التدخل عسكريا، وفوجئوا مثل آخرين، بخطأ رهانهم هذا، عندما جاء التدخل العسكري السعودي ليفرض قواعد جديدة للعبة لم يتوقعوها مطلقا. التطور الثالث: كلما طال أمد الحرب، وتأخرت "عاصفة الحزم" في الحسم، كلما ازدادت تعقيدات الموقف على الأرض بالنسبة إلى التحالف السعودي خاصة، فانتقال الحرب إلى الحدود السعودية تطور خطير ومقلق، واستمرار القصف الجوي، ومعه استمرار انقطاع الكهرباء، وتصاعد الخسائر البشرية في صفوف المدنيين قد يزيد من اتساع دائرة اليمنيين المعارضين للحرب، ودائرة الجمعيات الإنسانية وربما الدول أيضا. من الصعب الجزم بتحديد الإطراف الرابحة والخاسرة في هذه الحرب لأنها ما زالت في بداياتها، ولكن ما نستطيع قوله أن تنظيم "القاعدة" هو الكاسب الأكبر لأنه يعيش ويزدهر ويتمدد في ظل حالة الفوضى التي تعيشها البلاد، ووجود ما يقرب من ثمانين مليون قطعة سلاح فيها، وربما يكون حزب الإصلاح اليمني الذي حاربته السعودية ومصر والإمارات هو الفائز الثاني بعده، وسنوافيكم ببقية القائمة في الأسابيع أو الأشهر أو السنوات المقبلة، إذا كتب الله لنا ولكم طول العمر.