بين العمارات شاهقة الإرتفاع يجلس على الرصيف مفترش بطانية وملتحف بالأخرى، يرتدى جاكيت بدلة قديم ملتف بعمامة تغطى رأسه من برد الشتاء والنسمات المتطايرة، يغلّب عليه الصمت تارة وتارة أخرى النسيان لما "عاشّه" من مواقف تصعب عليه كلما تذكرها. "الله جاب الله خد الله عليه العود" كلمات قالها "عبدالله رمضان" حين تذكر زوجته وأولاده عندما انهار عليهم المنزل الذين يقطنون به واخراجهم جثث من تحت الأنقاض، "كنت عايش انا ومراتى وعيالى وكنا كلنا بنحب بعض جداً، انا ومراتى كنا بنشتغل مدرسين فى نفس المدرسة وكان عندنا ولد فى سنة خامسة ابتدائى وبنت فى سنة تالتة ابتدائى وكانوا معانا فى المدرسة اللى احنا شغالين فيها، مراتى كانت مدرسة العاب وانا كنت مدرس علوم". يصمت "رمضان" للحظات ويعود ليحكى عن يومه هو وزوجته وأطفالهم بعيون تحجرت فيها الدموع، "انا كنت بدى دروس خصوصية علشان اقدر اصرف على عيالى وبيتى كويس ومخلهمش محتاجين حاجة ومراتى كانت مهتمة بمذاكرة الولاد جدا وكانوا شاطرين ودايماً يطلعوا من الأوائل".
وبتنهيدة طويلة قال "فى يوم من الأيام كنت بدى دروس خصوصية برة البيت كالعادة، وجالى تليفون الحق مراتك وعيالك يا عبدالله، ولما وصلت عند البيت لاقيت عربيات الاسعاف واقفة وعرفت ان البيت وقع ولقيت الاسعاف مطلعين مراتى وعيالى الاتنين من تحت الانقاض وبعدها مدرتش بالدنيا، ومن يومها وانا قاعد قعدتى دى فى الشارع، كرهت البيوت كلها وبخاف اقعد فى مكان ليه سقف وحيطان علشان صورة مراتى وعيالى مش بتروح من قدام عنيا". وينهى "رمضان" كلامه : "مراتى وعيالى وحشونى اوى نفسى ربنا ياخدنى عنده علشان اشوفهم، لما حد من الناس بيتكلم معايا بقوله ادعيلى اموت، بقعد افكر فيهم طول اليوم علشان لما انام بليل احلم بيهم" .