أثارت الدعوة التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرًا في كلمته للشعب المصري في (فبراير 2015)، بتكوين قوة عربية مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية التي تواجهها المنطقة، تساؤلات عديدة حول إمكانية تطبيق تلك المبادرة، في ظل بيئة إقليمية منقسمة المحاور، وصراعات داخلية متأججة في دول كاليمن والعراقوسوريا وليبيا. ورغم ما لاقته الفكرةُ من قبول عند بعض الدول العربية كالأردن والإمارات، فإن دولًا عربية أخرى لم تعلن بعدُ عن موقفها من تلك المبادرة، بل وبدت لدى بعضها حالة من التحفظ على المقترح تجلت في تغطية وسائل الإعلام، خاصة المغاربية والخليجية وخصوصًا السعودية، لا سيما مع غياب التفاصيل حول الفكرة التي نشأت بالأساس ضمن نقاشات الجامعة العربية في عام 2014. المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية قال إنه يتمحور التساؤل الأساسي والصعب حول كيفية تشكيل القوة العربية المشتركة، وهل ستتكون من دول محددة دون باقي الدول العربية الأعضاء بالجامعة العربية على أساس تصريح الرئيسي السيسي بتشكيلها، أم ستكون تحت نطاق عربي أوسع تفعيلا لمعاهدة الدفاع العربي المشترك التي تم توقيعها في عام 1950؟. يبدو الخيار الثاني الأكثر جدوى للطرح المصري، خاصةً أن الفكرة نشأت بالأساس في نقاشات الجامعة العربية، برغم ما يعتري هذا الخيار من صعوبات في التنفيذ بسبب صعوبة الإجماع العربي، والصراعات البينية العربية العربية، فعلى سبيل المثال تحفظت قطر على تفهم الجامعة العربية للضربة الجوية المصرية لتنظيمات الإرهاب في شرقي ليبيا ردًّا على مقتل 21 مصريًّا على يد تنظيم "داعش". وهناك عوائق لتكوين "قوة عربية مشتركة"، ومن أبرز تلك العوائق ما يلي: 1) الخلافات السياسية العربية، واختلاف المواقف من القضايا الكبرى والصراعات في المنطقة، كرفض التدخل العسكري، لما فيه من إشعال بؤر صراعات على حدود دول الجوار (كالجزائر مثلا، وعدم تحبيذ وجود حرب في دولة مجاورة لها)، أو الخلافات حول حدود أدوار الدول العربية إقليميًّا. ويُمكن التغلب على ذلك بإعطاء حرية عمل أكبر "لمجلس الدفاع العربي المشترك" أو الجهاز المنوط به إدارة القوة العربية المشتركة، لتكون له الاستقلالية في اتخاذ قراراته فيما يتعلق بما تقتضيه حماية الأمن العربي، دون تدخل الدول الأعضاء فيه. 2) المصالح الغربية (خاصة مصالح الولاياتالمتحدة وإسرائيل): إذ لا تحبذ الدول الغربية، من خلال معظم تجارب التعاون السابقة، التعامل مع الدول العربية على أساس جماعي، سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، وستزيد تلك الخُطوة من تخوفاتها تجاه أي تحركٍ عربي موحد، وتكوين قوة دفاعية عربية مشتركة على حدودها، لما فيه من تهديد لأمنها ومصالحها في المنطقة، مما سيفتح بابًا للمعارضة الخارجية، وإن كان خطاب الرئيس السيسي واضحًا في هذا الشأن بالتشديد على كون الهدف من تلك القوة ليس الاعتداء، بل الدفاع عن النفس. 3) ردود أفعال التنظيمات التكفيرية المسلحة: يتخوف من رد الحركات والتنظيمات المسلحة في المنطقة على تلك الخطوة، كأن تقوم بتوسيع ارتباطاتها بجماعات أخرى، وزيادة عملياتها عددًا وتطورًا داخل الدول الأعضاء في القوة العربية المشتركة، أو ضد أهداف لها في الخارج، (كسفارات، ومواطنين.. إلخ)، وإيقاع مزيدًا من الضحايا. والتخوف الأكبر يكمن من توابع تلك المواجهات، ودخول المنطقة في حرب إقليمية ممتدة ترفع اسم الدين، وتفجر الأوضاع الإقليمية وما ينتج من ضحايا ولاجئين، وتدمير "مثل العراق وليبيا وسوريا"، وتبلور فكرة مفادها أنها حرب النظم الكافرة ضد الإسلام وضد فكرة الدولة الإسلامية. 4) فشل التجارب السابقة: إن تجربة "التحالف الدولي" للتدخل ضد داعش في سورياوالعراق والشكوك المتنامية حول فعاليتها، قد تضعف من فكرة بناء قوة عربية مشتركة لمواجهة التهديدات ومنها الإرهاب، كما أن السوابق التاريخية للتدخلات العسكرية تبدو مفعمة بالنتائج السلبية كما العراق وليبيا. وختم التقرير، أن "المنطقة العربية تشهد تصاعدًا للتهديدات الأمنية بما يفوق حجم إمكانات الدول منفردة، وبالتالي فوجود قوة عربية مشتركة يمثل رادعًا لتلك التهديدات ومخفضًا لحدتها، خاصة في ظل الحديث عن تراجع أهمية المنطقة للولايات المتحدة، وتزايد الحركات المسلحة، والاضطرابات التي تشهدها المنطقة، وسعي بعض دول الجوار غير العربية للتدخل فيها، وهو ما يشكل فراغًا سياسيًّا وأمنيًّا من شأنه أن يُعيد تشكيل خريطة المنطقة ما لم تتنبه دولها لأهمية المضي في بناء قوة مشتركة تتجاوز الهدف الأمني إلى الهدف الاقتصادي والفكري لبناء بيئة محصنة ضد التهديدات في المنطقة".