عام كامل مرَّ علي وفاة عملاق لبنان الفنان والملحن الكبير وديع الصافي، الملقب بصوت الجبل، حيث تحل اليوم ذكرى وفاته الأولى، وسط غياب تام لنجوم لبنان الذين لم يتذكروه ولو بكلمة قصيرة، ويعتبر الصافي من عمالقة الطرب في لبنان والعالم العربي، حيث كان له الدور الرائد بترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنه، وفي نشر الأغنية اللبنانية في أكثر من بلد، وأصبح مدرسة في الغناء والتلحين، ليس في لبنان فقط، بل في العالم العربي أيضًا. إقترن اسمه بلبنان، وبجباله التي لم يقارعها سوى صوته الذي صوّر شموخها وعنفوانها، صوت الجبل اللبناني وديع الصافي المولود في 5 نوفمبر 1921 والمتوفي في 11 أكتوبر 2013 مطرب وملحن لبناني، وكانت انطلاقته الفنية عام 1938، حين فاز بالمرتبة الأولى لحنًا وغناء وعزفًا، من بين أربعين متباريًا، في مباراة للإذاعة اللبنانية، ايام الانتداب الفرنسي، في أغنية يا مرسل النغم الحنون للشاعر المجهول آنذاك (الأب نعمة اللّه حبيقة)، وكانت اللجنة الفاحصة مؤلّفة من ميشال خياط، سليم الحلو، ألبير ديب ومحيي الدين سلام، الذين اتفقوا على اختيار اسم وديع الصافي كاسم فني له، نظرًا لصفاء صوته. وكانت إذاعة الشرق الأدنى، بمثابة معهد موسيقي تتلّمذ وديع فيه على يد ميشال خياط وسليم الحلو، الذين كان لهما الأثر الكبير في تكوين شخصيّته الفنية. بدأت مسيرته الفنية بشق طريق للأغنية اللبنانية، التي كانت ترتسم ملامحها مع بعض المحاولات الخجولة قبل الصافي، عن طريق إبراز هويتها وتركيزها على مواضيع لبنانية وحياتية ومعيشية. ولعب الشاعر أسعد السبعلي دورًا مهمًّا في تبلّور الأغنية الصافيّة. فكانت البداية مع طل الصباح وتكتك العصفور سنة 1940. شارك وديع الصافي في المهرجانات الغنائية التالية: العرس في القرية (بعلبك 1959) موسم إلعز ، و مهرجان جبيل (1960)، مهرجانات فرقة الأنوار (1960-1963)، مهرجان الأرز (1963)، أرضنا إلى الأبد (بعلبك 1964)، مهرجان نهر الوفا (الذي فشل ماديًا) 1965، مهرجان مزيارة (1969)، مهرجان بيت الدين (1970-1972)، مهرجان بعلبك (1973-1974)، كما شارك وديع في أكثر من فيلم سينمائي، من بينها: الخمسة جنيه و غزل البنات و موّال و نار الشوق مع صباح في عام 1973. غنّى للعديد من الشعراء، خاصّة أسعد السبعلي ومارون كرم، وللعديد من الملحنين أشهرهم الأخوان رحباني، زكي ناصيف، فيلمون وهبي، عفيف رضوان، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، رياض البندك، ولكنّه كان يفضّل أن يلحّن أغانيه بنفسه لأنّه كان الأدرى بصوته، ولأنّه كان يُدخل المواويل في أغانيه، حتّى أصبح مدرسة يُحتذى بها. غنّى الآلاف من الأغاني والقصائد، ولحّن منها العدد الكبير. كرّمه أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية وحمل أكثر من وسام استحقاق منها خمسة أوسمة لبنانية نالها أيام كميل شيمعون، فؤاد شهاب وسليمان فرنجية والياس الهراوي. أما الرئيس اللبناني اميل لحود فقد منحه وسام الأرز برتبة فارس. ومنحته جامعة الروح القدس في الكسليك دكتوراه فخرية في الموسيقى في 1991. كما منحه سلطان عمان وسام رفيع المستوى يدعى وسام التكريم من الدرجة الأولى وذلك في عام 2007م وقد أحيا العديد من الحفلات في شتّى البلدان العربية والأجنبية. خسرت الأوساط اللبنانية والعربية عملاق الغناء الجبلي، المطرب والملحن وديع الصافي عن عمر يناهز 92 عاماً قضى أكثر من نصفها في الغناء، فتوفي في أحد مستشفيات لبنان بعد صراع طويل مع المرض، وكان الصافي قد تعرض لوعكة صحية خلال وجوده في منزل ابنه، حيث شعر بهبوط حاد في الدورة الدموية، نقل على إثره للمستشفى، ولم تفلح جهود الأطباء في إنقاذه، بسبب عدم تحمل قلبه للإجراءات العلاجية. وقد شيع في كاتدرائية مارجرجس في وسط بيروت، ودفن في بلدته نيحا الشوفية، وأقيم له مأتم رسمي وشعبي حضره حشد من الشخصيات الفنية والسياسية والاجتماعية في بيروت، وانطلق موكب التشييع منذ الصباح من منطقة الحازمية في بيروت حيث منزل نجله قبل أن يتجمع الحشد الشعبي والفني والسياسي في الكاتدرائية وسط بيروت وفي خلفية الحضور غير المنظورة طيور وحصادون وبحارة ومزارعون اغترفوا من تراثه الفني.