الهيئة الإنجيلية توقع بروتوكول رباعي جديد لمبادرة "ازرع" لتحقيق الأمن الغذائي المصري    أسعار السلع التموينية اليوم الاربعاء 11-6-2025 في محافظة الدقهلية    11 يونيو 2025.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    محافظ الغربية يؤكد: لا تهاون في استرداد حق الدولة    محافظ الدقهلية في جولة صباحية مفاجئة بالمركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة | تفاصيل    بين احتلال البلدان وقمع السكان الأصليين.. تاريخ الحرس الوطني الأمريكي المستخدم لقمع مظاهرات لوس أنجلوس    أبو الغيط يرحب بقرار 5 دول فرضت عقوبات على بن جفير وسموتريتش    روسيا تهدد أوكرانيا بالسيطرة على مزيد من الأراضي إذا لم توافق على شروطها    السعودية تعلن إطلاق موسم العمرة وبدء إصدار تأشيرات معتمري الخارج    منافس الأهلي.. بورتو يصل إلى أمريكا استعدادا لكأس العالم للأندية    قبل مواجهة الأهلي.. سبب استبدال ميسي في مباراة الأرجنتين وكولومبيا    منتخب كوستاريكا يفوز على ترينداد وتوباجو في تصفيات أمريكا الشمالية المؤهلة للمونديال    مانشستر سيتي يعلن صفقته الرابعة هذا الصيف    محافظ بني سويف يتفقد جاهزية اللجان واستراحات المراقبين استعدادا لامتحانات الثانوية العامة    السيطرة على حريق بشارع البصل شرقي الإسكندرية    الأرصاد تحذر من استمرار ارتفاع درجات الحرارة حتى الإثنين المقبل    مصرع تاجرين مخدرات وضبط آخرين بحوزتهم مواد ب64 مليون جنيه خلال مداهمة بؤر إجرامية بأسيوط والمنيا    الداخلية تضبط عاملًا خرب قطارًا اعتراضًا على غرامة.. والسكة الحديد تحذر    حبس بلطجي مزَّق جسد موظف بسلاح أبيض في حلوان    القصة الكاملة لزواج قاصر من مصاب بمتلازمة داون في الشرقية    يحيى الفخراني يكشف عن درس تعلمه من عبدالحليم حافظ في كواليس المسرح القومي    فيلم سيكو سيكو الأكثر مشاهدة على إحدى المنصات والثالث في شباك التذاكر    تعرف على آخر تطورات مبادرة عودة الكتاتيب تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي    متحدث الحكومة: معدلات الإصابة بالجذام في مصر الأدنى عالميًا    سؤال برلماني لوزير التعليم بشأن انتداب معلمات من أسوان لمراقبة امتحانات في دمياط    مجددًا.. إسرائيل تفتح النار على منتظري المساعدات وسط غزة    تنسيق الجامعات 2025، كل ما تريد معرفته عن كلية علوم التغذية بحلوان    وزير المالية: حجم الدين الخارجي لأجهزة الموازنة انخفض بقيمة 2 مليار دولار خلال 10 أشهر    بالزيادة الجديدة.. موعد صرف معاشات شهر يوليو 2025    «فتح» تدعو الإتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات حاسمة ضد المخططات الإسرائيلية    كأس العالم للأندية| تشيلسي يتصدر القيمة التسويقية للمجموعة الرابعة    ماجد الكدواني ضيف معتز التوني في "فضفضت أوي" الليلة    زاهي حواس يروج للسياحة على «FOX TV» ويدعو الشعب الأمريكي لزيارة مصر    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في الشرقية وأسوان    الأوراق المطلوبة للحصول على مساعدات مالية من بيت الزكاة والصدقات    25 شهيدا برصاص قوات الاحتلال قرب مركز توزيع المساعدات وسط قطاع غزة    أبو مسلم: أنا قلق من المدرسة الأمريكية الجنوبية.. وإنتر ميامي فريق عادي    القوات الروسية تتقدم في سومي وتهاجم خاركيف بالمسيرات    بعد إجرائه عملية جراحية وتدهور حالته الصحية.. محمد ثروت يطالب بالدعاء لابن تامر حسني    يتحدث نيابة عن نفسه.. الخارجية الأمريكية ترفض تصريحات سفيرها لدى إسرائيل بشأن الدولة الفلسطينية    "الأول في التاريخ".. منتخب السنغال يحقق فوزا كبيرا على حساب إنجلترا    إصابة 3 بطلقات نارية في مشاجرة بسبب النزاع على قطعة أرض بسوهاج    غرق طالب أثناء استحمامه فى ترعة بسوهاج    الدولار ب49.52 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 11-6-2025    هل شريكك من بينهم؟ 3 أبراج الأكثر خيانة    دعاء الفجر.. أدعية تفتح أبواب الأمل والرزق فى وقت البركة    رئيس جامعة دمنهور: «صيدلة البحيرة» أول كلية تحصل على اعتماد مؤسسي وبرامجي في مصر    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: لن نسمح بالتلاعب بمصير الشعب الفلسطينى    عن "اللحظة الدستورية" المقيدة بمطالب الشعب الثائر    تقارير: فيرتز على أعتاب ليفربول مقابل 150 مليون يورو    بعض الأشخاص سيحاولون استفزازك.. حظ برج القوس اليوم 11 يونيو    المذاكرة وحدها لا تكفي.. أهم الفيتامينات لطلاب الثانوية العامة قبل الامتحانات ومصادرها    بطريقة آمنة وطبيعية.. خطوات فعالة للتخلص من الناموس    مُخترق درع «الإيدز»: نجحت في كشف حيلة الفيروس الخبيثة    "الأوقاف" تعلن أسماء الفائزين في مسابقة الصوت الندي 2025    أستاذ اقتصاديات الصحة: نسبة تحور "كورونا" ارتفعت عالميًا إلى 10%    زواج عريس متلازمة داون بفتاة يُثير غضب رواد التواصل الاجتماعي.. و"الإفتاء": عقد القران صحيح (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باسم يوسف يكتب: هيستريا ليلة كريسماس
نشر في الفجر يوم 31 - 12 - 2013


« يا خونة، كلكم خونة »
« خونة مين يا عبيد »
« عبيد؟ انتو اللى عبيد، امتى البلد تنضف بقى »
« لما تموتوا انتو وأمثالكم يا ولاد ال ....».
لم يكمل كلمته فقد تم إغلاق فمه بقذيقة مكونة من طبق طائر عليه بقايا قطعة لذيذة من كيكة البلاك فورست .
تلى ذلك ثانيتان بالضبط من الصمت الرهيب، ثم.... صراخ وعويل وأيادٍ تمتد لتفتك بأهدافها .
ستوب .
يتوقف المشهد تماما مثلما يحدث فى السينما. كأن أحدهم ضغط زر التوقف. تدور الكاميرا لنرى معها الوجوه الغاضبة والعيون الجاحظة ووجه أحد الأشخاص ملطخا بكيكة البلاك فورست. تستمر الكاميرا فى الدوران مثل فيلم «ماتريكس» ونجد كل شىء، كل شخص متوقفا حتى تصل الكاميرا إلى وجه أستاذ سامى وزوجته منال .
الزوجان يشاهدان ما يحدث فى ذهول. هما ليسا جزءا من هذه المشاجرة الهيستيرية ولكنهما يقفان فى منتصف الصالة بالظبط وفى هذه اللحظة يسأل سامى نفسه «كيف وجدت نفسى وسط هذا العك؟ »
ستوب .
يضغط أحدهم على زر الرجوع. تتراجع المشاهد بسرعة فائقة فى الاتجاه العكسى. يعود شريط الفيلم من أوله .
مش من أوله قوى .
يعود الشريط لنشاهد ما جرى منذ ثلاث ساعات بالضبط .
مشهد ليل خارجى .
ليلة الكريسماس .
الساعة التاسعة مساء
سامى يتحرك بسيارته من أمام منزله مع منال متجهين إلى مكان الحفلة
« أنا قلتلك ما بحبش الحفلات دي» قالها سامى وهو يركن سيارته أمام الفيللا الفخمة .
سامى مالوش فى الجو ده. كان يتمنى لو قضى الليلة مثل كل سنة أمام التليفزيون وخاصة أن الليلة كان سيعرض فيلم أحمد حلمى الجديد .
أصرت منال هذه السنة أن يحتفلا بالكريسماس مثل «مخاليق ربنا». ولاحظت أن هذه السنة بالذات بالغ الناس بالاحتفال بكل مناسبة ممكنة. فى أى فرصة لأجازة رسمية أو دينية أو حتى الهالوين، كانت دائرتها تصر على الاحتفال بها بشكل أكثر من المعتاد. يبدو أنها وسيلة لتفريغ حالة الغضب والاحباط السياسى الموجودة فى البلد. لا يهم إن كنت مسلما أو مسيحيا لتحتفل بأى من المناسبات الدينية. المهم أن نخرج من «الهم» ده .
دخل الزوجان إلى الفيللا. مشاهد احتفال معتادة من زينة وأضواء وشجرة وهدايا ذات أغلفة براقة .
لاحظ سامى تو دخوله أن الجو مشحون قليلا. بنظرة واحدة حوله أدرك السبب. ثم همس سامى فى أذن زوجته: «هو جوز صاحبتك ده غبى ولا حاجة؟ »
زوج صديقة منال، صاحب الحفلة، يبدو أنه حين قام بدعوة ضيوفه لم يدرك أنه يحول حفلته لقنبلة موقوتة .
لم يتوقف صاحب الحفلة كثيرا عند الاسماء التى كان يقوم بدعوتها هو وزوجته. فالمهم هو أن «يتمنظروا» على أصحابهم على الفيس بوك حين ينشروا صور الضيوف النخبة من رجال الاعلام والصحفيين والفنانين والكتاب .
لاحقا ستنفجر هذه القنبلة فى وجه الجميع .
« البرادعى وعلى من شاكلته طابور خامس مافيش كلام ».
« البرادعى هو انضف واحد فى البلد دى، قدامكم كتير عشان تفهموه »
كانت هذه بداية حوار سمعه سامى وهو يمشى بهدوء متجها إلى مكان المشروبات. لم يحتج لأن يقف ويسمع الباقى، يعرف جيدا كيف تنتهى هذه النقاشات .
« بركة إنهم أخيرا اتصنفوا جماعة إرهابية »
« يعنى حتلم مليون واحد فى السجن؟ »
« يعنى نسكت وهما بيقتلوا فينا؟ »
« بس مش ده الحل »
« ايه هو الحل طيب »
« ماكنش المفروض نفض اعتصام رابعة »
« ماتكلمنيش فى اللى فات، كلمنى فى دلوقتى. جماعة مش قابلين بأى حاجة الا رجوع مرسى ومش هاممهم ضحايا »
« انت اللى دفعتهم لكده ما ينفعش تفضل قاعد فى فقاعتك وتفتكر ان كل حاجة تمام »
« ناس بينادوا بانشقاق الجيش وعايزينها سوريا ولا ليبيا ولو فيه مكان حيعملوا فينا اوسخ من كده. يا عم انا مبسوط فى فقاعتى، خليك انت فى رومانسيتك اللى حتودينا فى داهية، احنا عايزين حلول مش كلام مثالى »
يعرف سامى أين تتجه هذه المناقشة أيضا. يضغط بقوة على يد زوجته ويهمس لها بحسم .
« انا آخر مرة اسمع كلامك. دى شكلها حفلة نكد ».
تحرك سامى وزوجته لمكان آخر فى الصالة عله يكون أكثر هدوءا ليستطيع الاستمتاع بطعامه. على الاقل الاكل لطيف. كيكة البلاك فورست التى يعشقها متوصى عليها صح .
فى كل بقعة هناك مناقشة أكثر سخونة من قبلها ولكنها لا تتعدى محيط دائرة من يشاركون فى الحديث .
لكن يبدو ان هذا الهدوء المزيف لن يستمر طويلا. فهناك رجال أعمال مرتبطون بنظام مبارك. وهناك فنانون وصحفيون يجاهرون بعداوتهم «للنشتاء» و«الحكوكيين» كما يسمونهم. وهناك مجموعة من «عاصرى الليمون» وهناك صحفيون ممن يتم اتهامهم علنا بأنهم طابور خامس من قبل اعلاميين وصحفيين يقفون على بعد أمتار قليلة فى نفس الصالة .
كلها مسألة وقت .
تعلو الاصوات من بعض دوائر النقاش .
« يا عم شكلى إخوان ايه بس؟ أنت حتستعبط يا خالد؟ إشحال احنا سكرانين مع بعض السنة اللى فاتت فى نفس حفلة الكريسماس »
« مانتو أصلكم الواحد مش عارفلكم دخلة. انا أعرف واحد فى الشغل معايا بقاله عشر سنين وماعرفتش الا السنة دى انه إخوان ».
« كل ده عشان مش عايز السيسى يترشح؟ »
« مش وقته الكلام ده، البلد فى حالة حرب والناس بتموت. الجيش خط أحمر، مش وقته »
« يا عم انا جيت جنب الجيش؟ والا قلتلك ان اللى بيحصل فى سينا صح؟ انا بانتقد موقف سياسى »
« نقضى على الخونة الاول والبلد تستقر وبعدين انتقد زى مانت عايز ».
« وده حيحصل امتى ان شاء الله؟
يأتى صوت نسائى من آخر القاعة :
« مين الحيوان اللى جاب سيرة السيسي »
« آه أجيب سيرته، فيها ايه يعنى، هو ربنا؟ »
فى هذه اللحظة التحمت الحلقات وتعالت الاصوات، وخرجت الكلمات من فم أصحابها مثل القذائف من كل مكان فى الصالة .
« والله ماكنش ينفع معاكم الا العادلى ».
« ما البلد ما رحتش فى داهية الا من أمثالكم يا بتوع مبارك ».
« يا عم ما يصحش ده احنا عشرة عمر ».
« بلا عشرة بلا قرف، انا بكرة حاكلم رقم مكافحة الارهاب وابلغ عنك، اصل لو انت مش اخوان فانت أكيد موالس معاهم ».
« ياللا يا خاين »
« ماهو العبيد اللى زيكم ما ينفعش يعيشوا فى حرية ».
وهنا طارت كيكة البلاك فورست .
فى أثناء طيرانها وقبل وصولها إلى الهدف تحول كل شىء إلى التصوير البطىء، مما أتاح لسامى أن يدور ببصره فى جميع أركان الفيللا متفحصا الوجوه الغاضبة .
لم يعد طرفا النزاع هم النخب والاعلاميون والفنانون والصحفيون. كان الاعداء أقارب وأصدقاء عرفهم منذ سنوات بعيدة. كان هناك صراع متبادل بين زوج عصر على نفسه لمونة وزوجته من حزب الكنبة، بين أب يقدس الجيش وابن يجاهر بعدائه لدولة العواجيز .
الغريب أن الصحفيين والاعلاميين والكتاب والفنانين على اختلاف أهوائهم و برغم مشاركتهم فى الحديث والجدال من أوله، لم يكونوا فى وسط الشجار. لاحظ سامى أن كل هؤلاء قد اختفوا فجأة من الحفلة. كأنهم لم يكونوا هنا من الاصل. وجد سامى أن الاهل والاصدقاء هم من ظلوا فى وسط «العركة »
علاقات أسرية وصداقات تنهار أمامه فى ثوان بسبب نقاشات سياسية ولا تودى ولا تجيب .
كم من حالة طلاق سمع عنها، كم مرة سمع أن فلانا لا يكلم أباه،أو أم مقاطعة ابنها. كم من بيت انهار بسبب نقاشات مثل هذه .
زر الاسراع للامام يُضغط لنشاهد الخناقة بالتصوير السريع .
ستوب .
مشهد ليل خارجى. فى سيارة سامى أمام الفيللا .
« ايه سرحان فى ايه؟ ياللا، سوق، حنتأخر على الحفلة «قالتها زوجته وهى تحاول اخراجه من حالة التوهان التى غرق فيها .
يفيق سامى من سرحانه. يكتشف انه لم يتحرك من أمام بيته كل هذا الوقت. ينظر إلى ساعته يجدها التاسعة وخمس دقائق .
« الحفلة ابتدت بقالها ساعتين، مايصحش، سوزى عمالة تكلمنى وتقولى احنا فين »
ينظر سامى إلى منال. عقله مازال تائها فى مكان آخر .
« ياللا، ده فيه ناس مهمة ومشهورة هناك، عايزة الحق اتصور معاهم ».
هل جرى كل ذلك فى عقله؟
نظر لزوجته وقال لها جملة واحدة :
« انا مش رايح ».
« ايه؟ انت بتقول ايه؟ »
« انا حافضل فى البيت اتفرج على فيلم أحمد حلمى ».
« ايه الكلام الفارغ ده، انت ازاى ....».
« كلمة كمان وحتكونى طالق ».
ترجل سامى من سيارته بكل هدوء متجها إلى بوابة منزله تاركا وراءه منال فى السيارة. كانت منال مصدومة لا تعرف ماذا حل بزوجها، ولكنها أيضا لم تعرف معنى الجملة التى كان يرددها سامى وهو يتركها فى السيارة .
« الناس اتجننت. بلا سياسة بلا قرف. الناس اتجننت »
ميرى كريسماس أن أ هابى نيو يير يا جماعة .
( مستوحاة من أحداث حقيقية حدثت فى ليلة الكريسماس، آه والنعمة ).
نقلاً عن الشروق .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.