ما هو السر وراء موضة الجيبونة التى جعلت السيدات- منذ الأربعين عاماً أو يزيد- يبدين نصفهن التحتانى كأنبوبة البوتاجاز؟ منظر الجيبونة كان يوحى بالغموض، بينما هى تغطى -كالبالونة- المساحة من الخصر حتى الركبتين، أيامها كان الأولاد يتعمدون إسقاط الأشياء تحت الكراسى أو الترابيزات ليكتشفوا -أثناء التظاهر بالبحث عنها - ما الذى يخبئنه بكل هذا الحرص، الأجيال الجديدة تستطيع أن تلاحظ هذه الموضة فى بعض أفلام الأبيض والاسود. البعض يفضلونها عارية، وأنا من هذا البعض، ولا أنكر أننى لا أستطيع أن أحبها مادامت هى هكذا منفوشة على الفاضى كالكرنبة، هلاهيل فوق هلاهيل، تجرح بألوانها المتطفلة العين، أو طبقات من القماش المسقى بالنشا، لا يوجد بين طياته ما يستحق التلصص، طبقات سميكة، مجزعة، تقشعر من مجرد ملمسها أطراف الأصابع، كل هذا لتخفى شيئاً أغلب الظن أنه -لو شوهد ذات يوم على قارعة الطريق- لاكتأب المارة من فداحة الشعور بخيبة الأمل، الكرنبة ليس فى مقدورها أن تخدع سوى الميالين بطبيعتهم إلى الاعتقاد دائماً بأن تحت القبة شيخ، لحسن الحظ أن البعض مازالوا يفضلونها عارية، وأنا - لحسن الحظ أيضاً- من هذا البعض، ولا أظن أن النفى سينفع كثيراً فى إبعاد التهمة عنى أو إنقاذى من العقاب. ولم تعد تجتذب انتباهى هذه النفخة الكدابة فى الجيبونة بعد ثلاث أو أربع تجارب من تعمد إيقاع الأشياء تحت الكراسى أو الترابيزات، أدركت على الفور أن ما شاهدته لا يختلف بالمرة عن المنظر التقليدى لفتحية أو لواحظ، أو غيرهن من الشغالات اللائى عليهن أن يغطين الشعر بمنديل «بأوية» مزركش، بينما لا حذاء أو شبشب يحمى أقدامهن من المسامير أو شظايا الزجاج المكسر أو حر بؤونة أو برد طوبة أثناء المشى حافيات فى الشوارع، ليتأكد المارة جميعاً من أنهن خادمات، ولا يختلط الأمر على أحد، تماماً كما كان يحدث مع الجوارى فى هذه المنطقة من العالم حتى أواخر القرن التاسع عشر، أتمنى ألا يكون الطريق الوحيد المتاح نحو المساواة فى هذا الوجود هو العرى، الباقى مجرد أحلام أنا أول من يعيش على أمل أن تتحقق يوماً ما. حقاً البعض يفضلونها عارية، وأنا من هذا البعض، وبما أن هناك بالتأكيد من سيذهبون - كالعادة- بسوء نية إلى بعيد، أسارع بالقول أن المقصود هنا - أساساً- هو الحقيقة العارية، أرجو ألا أكون قد خيبت بهذه الملحوظة ظن أحد. وعلى رأس فقاعات الأكاذيب المنفوخة على الفاضى كالجيبونة، تأتى حكاية الأحزاب المدنية ذات المرجعية الدينية تلك، هل رأى أحد من قبل طائر بطريق مرجعيته بطيخة؟ طائر البطريق مرجعيته بالضرورة طائر بطريق، والبطيخة مرجعيتها -بالحتم- بطيخة، إنها أحزاب دينية بكل معنى الكلمة، أحزاب دينية من النوع الذى يحظره القانون فى مصر، ولا يوجد سوى احتمالين لا ثالث لهما: إما أن يكون كل من يسعى إلى الترويج لهذه الأكذوبة الصريحة عامداً متعمداً يقصد من ورائها الغش السياسى مع سبق الإصرار والترصد، أو أن السبب هو جهله التام بعلم المنطق أو بنظرية المعرفة أو قواعد التدقيق فى المصطلحات أو المفاهيم، ما لا يريد أن يستوعبه حاخامات تلك الجماعات أن هذا السلوك الأرعن، جاء بمثابة التطعيم المبكر لشعب مصر ضد أمراض التطرف الارهابى، وعلى الجميع أن يتعلموا أن الأحزاب تقاس بمرجعياتها، لا بالفتارين حيث تتكدس البضاعة التى تموج بالألوان الفاقعة لجذب انتباه ضحايا البؤس والأمية والهوان، الحزب الدينى هو الذى يستند إلى مرجعية دينية، والحزب المدنى مرجعيته لابد أن تكون مدنية، الباقى كله مجرد تلاعب سمج بالألفاظ. الحقائق لا تخفيها الهلاهيل حتى لو حملت توقيع كريستيان ديور أو إيف سان لوران، لا أحد بمقدوره أن يخفيها، مادام هناك من يفضلونها عارية.