نحن نتأرجح الآن بين قوة الغباء البيئى فى الساحة السياسية المتنافرة المتكالبة على الحكم وبين قوة الذكاء النوعى الوراثى للشعب المصرى الذى ظهرت بشائره ولم يلفت نظر الكثيرين. أما عن فوضى الساحة فهى بالضبط ما كانت تقصده الست «كوندا» عندما بشرتنا منذ سنوات بسرعة قدوم الفوضى الخلاقة، وها هى قد شرفتنا بالحضور بقوة وعنف.. ووصفة هذه الفوضى سهلة جداً.. الخطوة الأولى هي: اضرب أى شعب من شعوب الأرض بانقلاب عسكرى يقضى على تجربته الليبرالية والديمقراطية الواعدة.. وأدخله فى نفق حكم فردى شمولى لمدة ستين عاماً.. ستجد أمامك شعباً غير «مسيس» لا يمارس الرأى والرأى الآخر لأنه لم يسمع سوى عن رأى واحد منذ نعومة أظافره.. لا يعرف «الاختلاف» لأنه يتقن «الخلاف».. الديمقراطية بالنسبة له هى أن يطيعه الباقون وإلا التهديد واستعراض القوة وإشعال الحرائق والميادين.. الانتخابات بالنسبة له هو أن «يفوز» ومن يخسر يقذف الشعب بالقذر والنجس والمتخلف ويقذف القانون ويلطخ اللجنة العليا ويرفض النتائج ويتظاهر مطالباً بالعودة إلى المربع صفر صارخا.. «مش لاعب». والخطوة الثانية: عندما يكون الشعب جاهزًا لكل هذا فقط اسقط له النظام المحكم الذى اعتاده منذ ستين عامًا وبعد سقوط النظام لا تعطى بدائل قوية لنظام جديد وليس لديك بالطبع كوادر مسيسة لتحمل الأعباء وأطلق كل القوى لتنهش فى لحم الفريسة الساقطة وكلما سالت الدماء أسعدت رائحتها الوحوش المقبلة بقوة وهذا هو حال الساحة اليوم. وللأسف الشديد لا يتقن الكثيرون على هذه الساحة معنى ومفهوم المصلحة العامة لأن الشهوة طاغية بعد أن فتحت الأبواب على مصراعيها وفتحت الأبواب والنوافذ، ولأن الأمريكان لديهم خطة عامة جديدة وشاملة للوطن العربى والشرق الأوسط الجديد وهم ينفقون على مشروعهم الأموال الطائلة، كما قالت الست «هيلارى» ويستعملون ايضا صغار المنطقة الجهلاء والسذج والذين يسعون لزعامة الأمة المتهاوية بكل الأموال الممكنة.. وبما أن الوعد «سعد» فهم يمدون سوريا وليبيا بالمقاتلين المرتزقة والسلاح والأموال ويأتون إلى مصر بالحقائق المنفوخة بالدولارات ويشيدون لإسرائيل الشقيقة المستوطنات هدية محبة رمزية من الشعب القطرى الشقيق، بعد أن جربوا الشواطئ الإسرائيلية الساحرة وبلبطوا فى مياه السواحل التى كانت زمان تسمى سواحل فلسطين.. والعجيب أنهم جاءوا بصحبة زعيم حماس الذى كان هو الآخر زمان فلسطينى الجنسية. والذكاء النوعى المتوارث عبر آلاف السنين لهذا الشعب الخطير أحرز انجازاً لا يخطر على بال أحد.. لقد أثبت الشعب المصرى أن الاغبياء فقط هم من يستهينون بذكائه.. المصريون اسقطوا الإخوان فى الجولة الأولى من الانتخابات حتى وأن كان مرسى يتصدر ويعلوا بمائتى ألف صوت.. والنتيجة بهذا الشكل حدث خطير جداً وإنجاز تاريخى لمن له عينان وعقل ولمن يعرف أين هى مصلحة الوطن. قوة الشعب المصرى فى هذا الإنجاز رغم كم الرشاوى الانتخابية بالملايين والتى تراوحت ما بين السلع الغذائية والسلع المعمرة ولا نستبعد أن تكون الرشوة القادمة هى توزيع جوارى وسبايا وتأشيرات أمريكانى.. ورغم الحرب الضروس التى شنها الإخوان على كل مرشحى الدولة المدنية ثم ركزوها على الفريق شفيق بالحرائق وتهشيم العربات التى تحمل صور وترهيب الأقباط ومنعهم من النزول إلى الانتخابات المقبلة منعاً باتاً فى بعض قرى الصعيد وغيره وغيره قبل وبعد الانتخابات، ورغم أن مرسى قد قرر بينه وبين نفسه أنه «عمرو بن العاص» «بشرطة» وأنه القادم فوق فرسه على حدود العريش وأنه سوف ينزل ويحل أهلاً وسهلاً فى «المساعيد» ليفتح مصر مرة أخرى لأنه يحمل مشروع «نهضة» ظل يعمل فيه آلاف من علماء العالم لمدة عشرين عاما وكأنه اختراع القنبلة النووية. ورغم أن «مرسى» لم يصرح لماذا الفتح الثانى وما هى عيوب الفتح الأول الذى حدث منذ ألف وربعمائة وثلاثين عاماً والشعب المصرى أكثر شعب يغطى رأسه ويصلى ويبنى جوامع ويعرف أن الله هو الواحد الخالق الذى لم يلد ولم يولد منذ آلاف السنين.. لكن يبدو أنه سر خطير سيعلنه عندما يترأس فوق رءوسنا. ورغم أن مرسى يهدى وعداً إلى الشعب المصرى ويتعهد بأن يدوس بالأقدام على كل من كأن له علاقة بالنظام السابق ناسياً أنه كان من مساجين العهد السابق أيضا وأن ذلك لا يعطيه الحق فى أن يترأس دولة بحجم مصر وهو لا يصلح لإدارة مجمع «سومانيل» للسلع المدعمة. ورغم كل التهديد والوعيد بالميليشيات والسلاح وتوليع مصر واغتيال فلان وعلان فأنا أراهن على قدرة ووعى الشعب المصرى العظيم.. إلى كل المتنافسين على الوطن المهدد الجريح.. المسألة ليست شفيق ولا حمدين ولا عمرو موسى ولا خالد على.. المسألة هى إسقاط الإخوان والقاعدة والجهاد وحماس وحرس إيران الثورى وكتائب القسام وقطر وصغار قطر السذج والعملاء والأمريكان وخطة الشيطان المسماه بالفوضى الخلاقة. إذا لم نجتمع على معنى المصلحة العامة ونجمع القوى والعقل والمنطق ونستعيد مصر ونضرب المخطط الأمريكى الصهيونى فى قلبه ونتقوى بحضارة الشعب المصرى العبقرى الصبور الذكى فنحن إذن فى انتظار أحذية مرسى فوق رءوسنا حتى وأن كانت أحذية أمريكية «نايك» بأموال «آل حمد» فهى أولاً وأخيراً أحذية ترتديها الأقدام.