تلقبه وسائل الاعلام الفرنسية ب"إينديانا جونز القبور"، لكن اللقب الذي يناسبه أكثر قد يكون شرلوك هولمز العلوم الجنائية. إنه الاختصاصي في علم الأمراض فيليب شارلييه الذي يلجأ إلى مجاهر وتكنولوجيات متطورة ليحل الألغاز التاريخية من خلال تحليل المواد الكيميائية والحمض النووي. وقد بين شارلييه أن بقايا العظام التي أكد الفاتيكان أنها تعود إلى جان دارك هي في الواقع لهر ومومياء مصرية. وأكد أن قلبا محنطا يعود إلى ولي العهد الصغير لويس السابع عشر. ودحض الأسطورة التي تقول إن البريطانيين سمموا لنابوليون بعد أن اعتقلوه. وكشف شارلييه أيضا أن ديان دو بواتييه عشيقة ملك فرنسا هنري الثاني شربت في سن السادسة والستين إكسيرا من الذهب في محاولة بائسة للحفاظ على شبابها. واليوم، يصوب العالم نظره نحو ريتشارد قلب الأسد على أمل أن يحلل ما تبقى من قلبه لمعرفة المزيد عن هذا الملك البريطاني الأسطوري الذي عاش في القرن الثاني عشر. وبينما كان شارلييه يجري مقابلة مع وكالة فرانس برس في معرض لأعماله، أشار إلى كل هؤلاء الأشخاص ب"المرضى" وكأنه هو طبيبهم. وقال "يميل المرء إلى التعلق بهم". استعمل شارلييه تقنية التصوير ثلاثي الأبعاد على جمجمة محفوظة ليعيد إلى الحياة وجه عشيقة الملك الفرنسي شارل السابع، أنييس سوريل، التي كانت المرأة الأولى في تاريخ فرنسا التي تنال لقب العشيقة الرسمية وتوفيت سنة 1450 عن 28 عاما. وقال شارلييه عن القناع الذي تضمن جبينا منتفخا وعظام خدين صغيرة وأنفا أفطس "عندما ننظر إليه نجد أنه قبيح في الواقع". واستنتج العالم من تحاليله أن سوريل توفيت جراء تسممها بالزئبق الذي كان يستخدم بكثرة في الأملاح الطبية في تلك الحقبة. تقع مختبرات شارلييه في مستشفى "ريمون بوينكير" الجامعي في غارش حنوب باريس. وقد أثبتت في العام 2010 أن رأسا مقطوعا اعتقد مطولا أنه لهنري الرابع الذي اغتاله متطرف كاثوليكي سنة 1610 يعود إليه بالفعل. لكن البعض دحض هذا الاكتشاف. يذكر أن الثوار نبشوا بقايا هنري وغيره من النبلاء الفرنسيين من مقابرهم في الكنيسة الملكية في سان دوني سنة 1793 ورموها في حفرة. ويحلل العالم اليوم نموذجا صغيرا من قلب ريتشارد الأول الذي حكم انكلترا من سنة 1189 حتى مماته سنة 1199 جراء تسمم في الدم بعد إصابته بسهم. وتتألف بقاياه المحفوظة في الكاتدرائية القوطية في روان شمال فرنسا، من غبار متحلل. وقد أخذ شارلييه "ملغراما أو ملغرامين" من تلك البقايا الثمينة كي يجري تحاليل كيميائية عليها. ومن المتوقع الكشف عن النتائج في الأشهر الثلاثة المقبلة، بحسب الصحافة الفرنسية. والهدف هو اكتشاف معلومات جديدة عن تقنية التحنيط في القرن الثاني عشر والتي كان يمارسها حلاقون وطهاة، وتحديد الجرثومة التي قتلت الملك المحارب. وقال شارلييه لصحيفة "لو باريزيين" اليومية "لا نعرف شيئا عن تقنيات (التحنيط) في تلك الحقبة. إنه تحد للعلوم الجنائية. نريد أن نجمع أكبر عدد من المعلومات من خلال أصغر عينة ممكنة". يذكر أن الكتب المدرسية تصف ريتشارد الأول بالقائد الورع والجندي الباسل والشاعر المندفع، لكن المؤرخين يعتبرون أن هذا الوصف يخفي جانبه العنيف وتعصبه الديني. قاد ريتشارد الحلمة الصليبية الثالثة في القرن الثاني غشر وتوفي في سن ال42 بعدا أصيب بسهم خلال حصار قصر شالو شابرول في منطقة ليموزان.