لليوم الثاني.. استمرار استقبال طلبات الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ بكفر الشيخ (صور)    موعد فتح باب التقدم بمدارس التمريض للعام الدراسي 2025- 2026 بقنا والمحافظات (الشروط والأوراق المطلوبة)    قبل اجتماع البنك المركزي لتحديد سعر الفائدة تعرف علي سعر الذهب    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الأحد 6 يوليو 2025 في البنوك بعد الانخفاض    محافظ الدقهلية يجري جولة مفاجئة على جمعية الإصلاح الزراعي بدميرة ويحيل مدير الجمعية للتحقيق    الأمين العام لحزب الله: نحن رجال الميدان.. ومصرون على أن نتابع المقاومة    فيضانات تكساس.. ارتفاع حصيلة الوفيات إلى 51 شخصا    هجوم مبالغ فيه.. كورتوا يدافع عن دوناروما في إصابة جمال موسيالا    تعليم الدقهلية: لا شكاوى من امتحانات الثانوية العامة اليوم    مصرع مسن صدمه لودر في الواحات.. والأمن يضبط السائق    ضبط 180 طن دقيق مدعم وأسمدة وأعلاف فاسدة في حملات تموينية بالفيوم خلال شهر    «الداخلية»: ضبط سائق نقل ذكي تحرش بسيدة خلال توصيلها بمصر الجديدة    محافظ الدقهلية يحيل مديرة مستشفى دميرة للصحة النفسية للتحقيق لعدم تواجدها خلال مواعيد العمل الرسمية    ذكرى رحيل أحمد رفعت الأولى فى كاريكاتير اليوم السابع    بي اس جي ضد الريال.. إنريكي يتسلح بالتاريخ لعبور الملكي في المونديال    مليونية حب فى الزعيم عادل إمام بعد ظهوره..والجمهور يعبر عن اشتياقه    البنك المركزى المصرى يستضيف برنامجا تدريبيا حول اختبارات الضغوط الجزئية والكلية للبنوك المركزية بدول الكوميسا    كواليس موافقة مجلس النواب على قانون الإيجار القديم    محافظ أسيوط يعلن عن استمرار رصف طريق ديروط – دشلوط    "رغم الهاتريك".. رقم سلبي لوسام أبو علي تكرر 9 مرات بكأس العالم للأندية    رسالة إلى الحوار الوطنى نريد «ميثاق 30 يونيو»    العمالة المؤقتة فى الزراعة    الأمن المائى.. صياغة الأولويات الاستراتيجية للملف برؤية شاملة    الخارجية الروسية: لم يتم تحديد موعد لجولة جديدة من المحادثات الروسية الأمريكية    نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول برقم الجلوس.. الموعد ورابط موقع التنسيق    ضربه حتى الموت.. أب يُنهي حياة طفله في الفيوم بعد 3 أيام من التعذيب    موسكو: "بريكس" توحّد 3 من الاقتصادات العالمية الرائدة وتسهّل إبرام العديد من الاتفاقيات    تعرف على إيرادات أمس لفيلم "أحمد وأحمد"    «كان بيتحكيلي بلاوي».. .. مصطفي يونس: الأهلي أطاح بنجلي بسبب رسالة ل إكرامي    أحمد مجدي يفسد زفاف أسماء أبو اليزيد.. تفاصيل الحلقة 16 من «فات الميعاد»    الطريقة «الهولوجرامية» تزوير فى أصوات غنائية    عاجل.. مصر تُعرب عن خالص تعازيها للولايات المتحدة الأمريكية في ضحايا الفيضانات بولاية تكساس    "الصحة" تنظم برنامجًا متقدمًا في أساسيات الجراحة لتعزيز كفاءة شباب الأطباء    الرعاية الصحية: إدخال خدمات العلاج الطبيعي والتأهيل الحركي في التأمين الشامل    صعوبة التنفس والجفاف.. ماهي خطورة ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو وكيف نحمي أجسامنا منها؟    اختبارات القدرات 2025 .. اعرف مكان اختبارات كليات الفنون الجميلة حسب محافظتك    رسميًا.. كهرباء الإسماعيلية يعلن التعاقد مع محمد أوناجم    حملات مرورية على الطرق السريعة لرصد المخالفات بالقاهرة والجيزة    ماسك يقرر تأسيس حزب أمريكا الجديد لمنافسة ترامب والديمقراطيين    5 صور لإمام عاشور من حفلة عمرو دياب    وداع مهيب.. المئات يشيعون جثمان سائق «الإقليمي» عبده عبد الجليل    مدارس النيل تُعلن انطلاق مهرجان مدرسي العام المقبل.. صور    عمرو الدجوي ينعى شقيقه الراحل بكلمات مؤثرة    دعاء الفجر | اللهم ارزقني سعادة لا شقاء بعدها    بالدش البارد ورمي الأدوية.. السقا يكشف تفاصيل تعديل سلوك أحمد فهمي لإنقاذ فيلمهما الجديد    "هاتوا استشاري يشوف الطريق".. عمرو أديب يرد على مقترح وزير النقل    كيف حمت مصر المواطن من ضرر سد النهضة ؟ خبير يكشف    حدث منتصف الليل| 300 ألف جنيه لأسرة كل متوفى بحادث الإقليمي.. وإرجاء إضراب المحامين    آل البيت أهل الشرف والمكانة    في عطلة الصاغة.. سعر الذهب وعيار 21 اليوم الأحد 6 يوليو 2025    ياسر ريان: نجلى من أفضل المهاجمين.. مصطفى شلبي يشبه بن شرقي    إبراهيم صلاح: شيكابالا خرج من الباب الكبير    مواجهات بين فلسطينيين وقوات الاحتلال فى بيت لحم جنوبى الضفة الغربية    ابتعد عنها في الطقس الحار.. 5 مشروبات باردة ترفع الكوليسترول وتضر القلب    "أنا بغلط... وبأندم... وبرجع أكرر! أعمل إيه؟"    يُكفر ذنوب سنة كاملة.. ياسمين الحصري تكشف فضل صيام يوم عاشوراء (فيديو)    فينجادا: سأتذكر تألق شيكابالا دائما.. والرحلة لم تنته بعد    4 أبراج «قوتهم في هدوئهم»: شخصياتهم قيادية يفهمون طبائع البشر وكلامهم قليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنواع الخوف
نشر في الفجر يوم 22 - 12 - 2014

ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه سيّدٌ من سادات بني سعد، أرسله قومُه رسولاً إلى نبي الهدى، فما لبث أن عاد مسلماً، وعندما اجتمع مع قومه كان أوّل ما نطق به: "بئست اللات والعزى!" فأصابهم الجزع، وتملّكهم الجزع، وقالوا: "يا ضمام! اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون!" فأجابهم:" ويلكم! إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولاً، وأنزل عليه كتابا أستنقذكم به مما كنتم فيه".

إن هذا الموقف الذي درات فصوله يوم أشرقت شمس الإسلام، ليُلقي بظلاله على عبادةٍ قلبيةٍ مهمة لها ارتباطاتها بالعبوديّة، ومسائل توحيد الألوهيّة، فمن المعلوم أن التوحيد يقتضي صرف جميع أنواع العبادة لله جلّ وعلا مهما كان نوعها: مالية أو بدنيّة، أو قوليّة أو فعليّة، في الوقت الذي يكون فيه صرف أي عبادةٍ لغير الله شركٌ لا يغفره الله تعالى ولا يقبل لصاحبه صرفاً ولا عدلاً: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا} (النساء: 116).

وإذا كان الخوف في حقيقته: توقّع حلول مكروه أو فوات محبوب كما يقول الجرجاني، فإن الكلام عن توحيد الله في هذا النوع من الشعور الإنساني مما قد يخفى معناه على بعض الناس، فلا يتصوّر كيفيّة تحوّل هذه الطبيعة البشريّة إلى عبادةٍ تًصرف لله تعالى، أو يلتبس عليه الأمر فيظنّ أنه إذا خاف شيئاً دون الله عز وجل فإنه يقع في الشرك الذي لا يحمل عنده سوى معنى واحد: خروج صاحبه عن حياض الدين، واصطفافه مع عبّاد القبور ومنكري الأديان في المقام والحال والجزاء، وهذا كلّه ناشيء عن قصورٍ في إدراك متعلّقات الخوف المختلفة، وبالتالي حكم كلّ واحدٍ منها.

فلذلك: كانت هذه الوقفة بياناً واستجلاءً لأنواع الخوف وأقسامه، وأنها مراتب لكل واحدٍ منها حكمه الخاص.

أنواع الخوف

في الحقيقة يمكن فرز الخوف إلى عدّة أنواع ستُذكر هنا تِبَاعاً، مراعين في ذلك الترقّي في درجاتها مبتدئين بما هو واجبٌ، وانتهاءً بما هو سببٌ في إخراج صاحبه من الملّة.

الخوف من الله تعالى

ليس هناك ما هو أعظمُ من الخوف المتعلّق بالله تقدّست أسماؤه وعزّ سلطانُه؛ لأنّه خوفٌ على وجه التعبّد والتذلّل، قائمٌ على أساس استحضار جلال الله عز وجل وعظمته وهيبته، والأصل فيه قول الله تعالى: { فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران: 175)، وقوله تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون} (المائدة: 44).

والواجب من هذه العبادةِ ما كان مانعاً من مقارفة المعاصي والكبائر بأنواعها، والتي على رأسها الشرك به سبحانه.

وأما المستحب منه، فهو الخوف الباعث للنّفوس على التّشمير في نوافل الطّاعات والابتعاد عن دقائق المكروهات، والتورّع عن الأمور المشتبهات، والتقليل من فضول المباحات، فهذا الخوف من أعلى المراتب، حيث يورث الفرد مراقبة الله دوماً في السرّ والعلن، ويدعوه لتحقيق لمرتبة الإحسان التي قال فيها النبي –صلى الله عليه وسلم-: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) رواه مسلم.

والخوف إنما يكون عبادةً إذا كان خوفاً من مقام الله سبحانه وتعالى، وخوفاً من الوعيد الذي توعّد به من خالفوا أوامره واقترفوا نواهيه، وهذان هما متعلّقا الخوف، وقد جمع الله بينهما في قوله تعالى: {ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد} (إبراهيم:14)، فكان الجزاء لأصحابه: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرحمن: 46)، قال مجاهد وغيره من المفسرين: "هو الرجل يَهِمُّ بالمعصية، فيذكر مقامه بين يدي الله، فيتركها خوفاً من الله".

وهذا النوع من الخوف له تعلّقٌ مباشر بالإيمان زيادةً ونقصاناً لأنّه من لوازم الإيمان، فكلما زاد الإيمان زاد خوف صاحبه من ربّه، ولذلك كانت خشية وخوفهم من ربّهم ليست كخشية من دونهم من العامة، وخشية الأنبياء أعظم من خشية من عداهم، وخشية الملائكة هي من أرقى المقامات، ودليل الأولى قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر: 28)، ودليل الثانية قوله تعالى: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله} (الأحزاب: 39)، ووصف النبي –صلى الله عليه وسلم- نفسه قائلاً: (والله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية) متفق عليه، وفي لفظ آخر: (والله، إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتّقي) رواه مسلم، وجاء في وصف الملائكة الكرام قول الحق تبارك وتعالى: {يخافون ربهم من فوقهم} (النحل: 50)، ولا مراء أن هذه الأصناف معرفتها بالله وإيمانها به وتعظيمها يفوق بقيّة الناس، فكانت خشيتهم لله أشدّ وأعظم.

وخشية الله إنما تكون على مقدار العلم به، فمن نوّر الله قلبه وكشف الغطاء عن بصيرته، وعلم ما حباه الله من النعم، وما يجب عليه من الطاعة والشكر، عظمت خشيته لخالقه ومولاه .

يقول الحافظ ابن حجر: "كلما كان العبد أقرب إلى ربه كان أشد له خشية ممن دونه، وإنما كان خوف المقربين أشد؛ لأنهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة، فالعبد إن كان مستقيما فخوفه من سوء العاقبة أو نقصان الدرجة، وإن كان مائلا فخوفه من سوء فعله، فهو مشفقٌ من ذنبه طالبٌ من ربه أن يدخله فيمن يُغفر له".

ولهذا النوع من الخوف منسوبٌ لا ينبغي للعبد أن يتعدّاه، لأن الخوف المحمود هو الذي يسوق العباد إلى المواظبة على العلم والعمل؛ لينال بهما القرب من الله تعالى، فإذا آلَ الخوف إلى القنوط والإحباط واليأس من روح الله فقد شابه أهل الكفر والضلال: { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} (الحجر:56)، {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (يوسف: 87)، وقد قرن النبي –صلى الله عليه وسلم بين الشرك والغلو في الخوف، وجعله من جملة الكبائر، فقد سئل: ما الكبائر؟ فقال: (الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله) رواه الطبراني.

فالخوف من الله مطلوب وممدوح، لكن أن يطغى لينقلب على صفات الرحمة والرأفة والحلم فيذهل عنها وينسى أثرها فهو المذموم،وقد استقى شيخ الإسلام ابن تيمية هذا المعنى فقال: " الخوف ما حجزك عن معاصي الله، فما زاد على ذلك، فهو غير محتاجٍ إليه".

الخوف المباح

النوع الثاني من أنواع الخوف، الخوف الطبيعي الذي خلقه الله سبحانه وتعالى غريزةً مركوزةً في النفوس، وهي قوة طبيعية لازمة للمحافظة على بقاء النوع الإنساني، ويعبّرون عنها بالغريزة الوجوديّة، أي التي وُجدت من لحظة الخلق الأولى، كما أنها لا تقتصر على الإنسان وحده، بل تشمل جميع الكائنات الحيّة.

والخوف الطبيعي يُستثار بسبب وجود خطرٍ خارجي يدركه الفرد، فيولّد عنده الشعور بالخطر، أو لأجل التعلّق بالمجهول، عندها يكون الإنسان عُرضةً للخيال والشك، ولا شك أن هذا النوع من الخوف طبيعي وضروري لحماية الفرد ودفعه نحو العمل والسلوك النافع، كما يقول خبراء الاجتماع، فمن خاف البرد لبس الثياب الثقيلة، ومن خاف من الجوع بادر إلى الطعام، ومن خاف العدو حصّن نفسه واستعد للقائه، وهكذا دواليك.

وما أدق الوصف القرآني للشخصيّة الإنسانيّة الخائفة، قال الله تعالى في ذلك: { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا* هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا} (الأحزاب: 11)، وقال تعالى: { فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت} (الأحزاب: 19)، وقال سبحانه: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون* يجادلونك بالحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} (الأنفال: 5-6).

ومن أمثلة هذا النوع: الخوف من الكوارث والزلازل والأعاصير، والخوف من الأصوات العالية كصوت الرعد، والخوف من الليل والظلام، والخوف من الأمور المفاجئة التي تظهر للإنسان خصوصاً إذا كانت البيئة المحيطة تزيد من هذه المشاعر وتوقظ مكامن الخوف.

ومما سبق ندرك أن الخوف ليس عاطفة معيبة أو سلوكاً غير طبيعي بحيث يذمّ عليه صاحبه، ويوصف بالجبن وضعف النفس، لأنه سلوكٌ فطري موروث فلا يُلام عليه العبد، ولا يوصف بقلّة الإيمان وضعف اليقين، كيف ونحن نقرأ في القرآن الكريم ذكر مخاوف الأنبياء عليهم السلام، فهذا موسى عليه الصلاة والسلام خاف من بطش فرعون وأذاه فخرج خائفاً فزعاً: {فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين} (القصص:21)، {وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين} (القصص: 31)، ومحاورته لربّه واعتذاره بعد ذلك: {قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون} (القصص:33)، وهذا يعقوب عليه السلام يخاف على ولده فيقول: {إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون} (يوسف: 13)، بل هذا نبينا –صلى الله عليه وسلم- يوم خسفت الشمس في زمنه قام فزعاً يخشى أن تكون الساعة قد قامت، حتى أتى المسجد فصلّى فيه صلاة الخسوف، وقال عن نفسه صراحةً: (لقد أُخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد) رواه الترمذي وابن ماجه.

على أن ثمّة مخاوف لا يُلام عليها العبدُ لكنها خارجةٌ عن حدود المعقول، بل توصف بأنها حالاتٌ مرضيّة تستوجب علاجاً نفسيّاً وسلوكيّاً عند أطباء النفس، كالخوف من الأماكن المغلقة، والخوف من المرتفعات، والخوف من ركوب الطائرة، فلا ينبغي الربط بين هذه المخاوف وبين قوّة الإيمان.

الخوف المحرّم

وهو الخوف الذي يقود العبد إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا التركُ مذموم إذْ لا باعث له إلا الخوف من الناس، وفي مثل هذا النوع من الخوف ورد العتاب بصاحبه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله ليسأل العبد يوم القيامة، حتى يقول: ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره، فإذا لقن الله عبداً حجّته، قال: يا رب، رجوتك، وفَرَقْت الناس –أي: خفتهم-) رواه ابن ماجه.

الخوف الشركي

وهذا هو أخطر أنواع الخوف، وهو القادح في التوحيد، وضابطه: أن يخاف العبدُ من مخلوق خوفاً مقترناً بالتعظيم والخضوع والمحبة. وله تسمياتٌ متعدّدة، منها: خوف السرّ، والخوف الاعتقادي، وكلاهما يشير إلى أنه خوفٌ يتعلّق بالقلب، فمن خاف أحداً غير الله عز وجل على سبيل العبادة، فقد أشرك مع الله غيرَه، واتخذَ معه ندّاً، فلا حظّ له مع الإسلام؛ لأن الله أمر بإخلاص العبادة، والخوف هو إحدى تلك العبادات، ثم إنه من لوازم الإلهيّة، أي: توحيد الله بالعبادة، فلا يجوز تعلقه بغير الله أصلا.

وفي إفراد الله تعالى بعبادة الخوف جاء في القرآن: {وإياي فارهبون} (البقرة:40)، وهي آيةٌ تدل على أن المرء يجب أن لا يخاف أحداً إلا الله تعالى، والأمر بالرهبة يتضمن معنى التهديد، ومثله قوله تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشون} (المائدة:44)، وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين أن يخافوا غيره، وأمر لهم أن يقصروا خوفهم على الله، فلا يخافون إلا إياه، وفي قول الله تعالى: {ولم يخش إلا الله} (التوبة:18) أُريد به خشية التعظيم والعبادة والطاعة، فإن الخوف: عبودية القلب، فلا يصلح إلا لله، فكان تفسير الآية كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "أي: لم يعبد إلا الله".

ومن الآيات المهمة في هذا المقام قوله تعالى {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} (آل عمران:175)، أي: يخوفكم أولياءه ويوهمكم أنهم ذو بأس وشدة. وتمام الآية: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}، يقول ابن القيم: "فأمر تعالى بإخلاص هذا الخوف له، وأخبر أن ذلك شرط في الإيمان".

وهذا النوع من الشرك هو ما يقع من القبوريين، فضلاً عن عبّاد الأصنام والأوثان، وهو خوفٌ من المخلوق بمالا يقدر عليه إلا الله عز وجل، ثم إن هذا الخوف يتضمّن اعتقاد النفع والضرّ لغير الله عز وجل، بل بلغ الحال بهم إذا استُحلف بالله أن يُعطي أيماناً كاذبة، وإذا استُحلف بميّتٍ وصاحب قبرٍ رفض ذلك بشكلٍ حاسم، لخوفه من ذلك المقبور أكثر من خوفه من الله.

والوثنيّون قديماً وحديثاً تُذكر لهم أحوالٌ عجيبة من الخوف الشركي، فيعتقدون أن أصنامهم وآلتهم قادرةٌ على إحداث الضرر في أهل الإيمان والتوحيد، فهذا الخليل إبراهيم عليه السلام قالها في وجه قومه: {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} (الأنعام: 80-81)، وذكر الله تعالى عن قوم هود قولهم: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} (هود: 54) وقال تعالى: {ويخوفونك بالذين من دونه} (الزمر: 36).

ومن أسرار الحكمة أن الله تعالى تعبّدنا بعبادة الخوف فيأمرنا بإخلاص الخشية له سبحانه وتعالى، ثم بيّن لنا ما يدعونا إلى ذلك بذكر عظمة الله وكبرائه وجبروته، ووصف دار العذاب وألوان النكال جزاءً لمن عصى وأبى، ليكون هذا الشعور الفطري سبيلاً يسلكه المكلّف فيستعين به في عبادة ربّه وطاعة مولاه، والتوكّل عليه، والإنابة إليه، فيُحسنون التعامل مع الخوف حتى: (يصومون، ويصلون، ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات) رواه الترمذي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.