مصطفى الفقي: هندسة المشهد السياسي ليست أمرًا سلبيًا وهذا ما فعله مبارك    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء فرز أصوات الناخبين بالفيوم.. صور    البترول تحقق في واقعة سقوط برج أحد أجهزة الحفر بالصحراء الغربية    ضياء السيد: توروب صنع منظومة دفاعية ذكية، والسوبر جاء في وقته للأهلي    الزراعة: السيطرة على حريق محدود ب"مخلفات تقليم الأشجار" في المتحف الزراعي دون خسائر    من هو أحمد تيمور عريس مى عز الدين؟.. صور    أخطاء تقع فيها الأمهات تُضعف العلاقة مع الأبناء دون وعي    الأهلي يفوز على سبورتنج في ذهاب نهائي دوري المرتبط للسيدات    مراسل إكسترا نيوز بالبحيرة ل كلمة أخيرة: المرأة تصدرت المشهد الانتخابي    «هيبقى كل حياتك وفجأة هيختفي ويسيبك».. رجل هذا البرج الأكثر تلاعبًا في العلاقات    بالصور.. مي عزالدين تحتفل بزواجها من رجل الأعمال أحمد تيمور    كريم عبدالعزيز يوجّه رسالة مؤثرة لوالده: «اتعلمنا منه الفن»    أمين بدار الإفتاء يعلق على رسالة انفصال كريم محمود عبد العزيز: الكلام المكتوب ليس طلاقا صريحا    فتح: فرنسا تلعب دورا مهما فى دفع جهود حل شامل للقضية الفلسطينية    هل يشارك الجيش التركي ب«عمليات نوعية» في السودان؟    تقرير لجنة التحقيق في أحداث 7 أكتوبر يؤكد فشل المخابرات العسكرية الإسرائيلية    كريم عبدالعزيز يوجه رسالة لوالده عن جائزة الهرم الذهبي: «علمني الحياة وإن الفن مش هزار»    رئيس العربية للتصنيع: شهادة الآيرس تفتح أبواب التصدير أمام مصنع سيماف    تهديد ترامب بإقامة دعوى قضائية ضد بي بي سي يلقي بالظلال على مستقبلها    هند الضاوي: أبو عمار ترك خيارين للشعب الفلسطيني.. غصن الزيتون أو البندقية    ضبط أخصائي تربيه رياضية ينتحل صفة طبيب لعلاج المرضى ببنى سويف    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل رئيس نادي قضاه الأسكندرية    الوطنية للانتخابات": بدء غلق بعض اللجان الفرعية وانطلاق الفرز.. وإصابة موظف بالنيابة الإدارية بإعياء شديد    الجارديان: صلاح خطأ سلوت الأكبر في ليفربول هذا الموسم    استجابة من محافظ القليوبية لتمهيد شارع القسم استعدادًا لتطوير مستشفى النيل    ديشامب يوضح موقفه من الانتقال إلى الدوري السعودي    المخرج عمرو عابدين: الفنان محمد صبحي بخير.. والرئيس السيسي وجّه وزير الصحة لمتابعة حالته الصحية    الجامعات المصرية تشارك في البطولة العالمية العاشرة للجامعات ببرشلونة    هؤلاء يشاركون أحمد السقا فى فيلم هيروشيما والتصوير قريبا    الصين تحث الاتحاد الأوروبي على توفير بيئة أعمال نزيهة للشركات الصينية    الرئيس السيسي: مصر تؤكد رفضها القاطع للإضرار بمصالحها المائية    إبداعات مصرية تضىء روما    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    انقطاع التيار الكهربائى عن 24 قرية وتوابعها فى 7 مراكز بكفر الشيخ غدا    نقل جثمان نجل مرشح مجلس النواب بدائرة حلايب وشلاتين ونجل شقيقته لمحافظة قنا    الزمالك يشكو زيزو رسميًا للجنة الانضباط بسبب تصرفه في نهائي السوبر    مأساة على الطريق الزراعي.. سيارة تدهس عابر طريق وتودي بحياته في لحظات    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    الفريق ربيع عن استحداث بدائل لقناة السويس: «غير واقعية ومشروعات محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ»    حادث مأساوي في البحر الأحمر يودي بحياة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    غضب بعد إزالة 100 ألف شجرة من غابات الأمازون لتسهيل حركة ضيوف قمة المناخ    تأجيل محاكمة 8 متهمين بخلية مدينة نصر    الكاف يعلن مواعيد أول مباراتين لبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا    مراسل "إكسترا نيوز" ينقل كواليس عملية التصويت في محافظة قنا    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    بعد غياب سنوات طويلة.. توروب يُعيد القوة الفنية للجبهة اليُمنى في الأهلي    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    بث مباشر | مشاهدة مباراة السعودية ومالي الحاسمة للتأهل في كأس العالم للناشئين 2025    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    إيديتا للصناعات الغذائية تعلن نتائج الفترة المالية المنتهية فى 30 سبتمبر 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب : الصامد والهارب
نشر في الفجر يوم 26 - 11 - 2014


ما بين حكمة البابا تواضروس.. وانسحاب شيخ الأزهر

مرسى تجاوز الطيب فى معسكر الهايكستب ولم يسلم عليه والإخوان خططوا للإطاحة به وعزله بعد تسميم طلاب الأزهر.. والكنيسة تعرضت لأول هجوم فى تاريخها دون أن يتحرك الرئيس

■ البابا حسم أمره وانتصر لقضية الوطن الذى يمكن أن يعيش فيه دون كنائس.. والإمام غسل يديه مما جرى للإخوان فى رابعة وسعى لعقد مصالحة معهم ■ الإمام يتحدث عن الجماعة وكأن على رأسه بطحة.. والبابا يهاجم وينتقد دون خوف من اتهامه بالهجوم على الإخوان لأسباب دينية

قد يكون الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أكثر حكمة.. لكنه فى كل الحالات أقل وعيا وإدراكا من الأنبا تواضروس بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية.

وقد يكون الإمام الأكبر أكثر علما.. لكنه فى كل الحالات أقل شجاعة من صاحب العمامة السوداء.

وقد يكون الرجل الطيب أعمق تدينا وصوفية وزهدا فى الحياة.. لكنه فى كل الحالات ليس أكثر وطنية من بابا الأقباط الذى كان يعرف أنه سيدفع الثمن غاليا هو وشعبه بوقوفه خلف 30 يونيو.. لكنه أخذ الموقف الذى يرضى الله ويعزز الوطن.

هل هى مقارنة حادة وقاطعة وحاسمة بين أصحاب العمائم البيضاء والسوداء؟

هى كذلك بالطبع.. وليتحمل الجميع صراحتى التى حتما ستكون مزعجة.. ولن أكون منزعجا أبدا إذا اعتبرها وقحة.

المقارنة تحتاج إلى وقفات محددة.. نقاط ضوء نقف فى ظلالها لنعرف من يجاور الحق ومن يجانبه ويتجنبه.

هل سمعتم البابا تواضروس بعد أن أحرق الإخوان المسلمون كنائس الأقباط فى صرعة هجومهم على كل شىء بعد فض اعتصام رابعة.

لقد تحرك الإخوان المسلمون وهم مدفوعون بغل وحقد على كل ما هو قبطى، تأسيسا على أن الثورة التى قامت فى 30 يونيو كانت مسيحية، وأن الأقباط حركوها ودعموها حتى يهدموا الحكم الإسلامى فى مصر، ولذلك استحلوا كل ما يقع تحت أيديهم، قتلوا وحرقوا وخربوا.

قال البابا عبارة أصبحت مثلا ينافس ما قاله البابا شنودة يوما "مصر وطن يعيش فينا وليس وطنا نعيش فيه".. قال: يمكن أن نعيش فى وطن بلا كنائس.. ولا يمكن أن نعيش فى كنائس بلا وطن".

هل لخص الرجل الحكيم فكرة الوطن والوطنية فى عبارته تلك؟

لقد فعل هذا تماما.. بلاغة فى صياغة الكلمة.. تكثيف فى عبارة أصبحت شعارا يردده الجميع.. إشارة إلى أن الأوطان أبقى من الأديان.. وهو معنى عندما يخرج من رأس الكنيسة فلابد أن نقدره.

شيخ الأزهر كان مهتزا تماما.. صحيح أن المؤسسات الإسلامية لم تتعرض لهجوم مثلما تعرضت الكنائس، لكن الرجل أراد أن يقف فى منطقة الوسط.. يقف بقدم فى أرض السلطة، ويقف بالأخرى فى أرض الإخوان، أصدر بيانا محبطا، لم يكتف به مكتوبا تتناقله عنه الصحف، بل سجله بصوته وأذاعه التليفزيون المصرى، ورغم أنه لم يقل شيئا حاسما، إلا أن البيان فى مجمله كان محبطا جدا، فهو يعظم موت المسلم، فى يوم كان معظم من ماتوا من الإخوان المسلمين، وكأنه يعلن رفضه لما جرى، صحيح أنه لم يقل ذلك صراحة إلا أن الرفض المبطن كان ظاهرا للجميع.

لقد عانى الطيب وتواضروس من الإخوان المسلمين معاناة قاسية.

كانت معاناة شيخ الأزهر أكبر وأقسى.. كانوا يخططون لإزاحته.. بدأ المخطط بإهانته عندما تجاوزه محمد مرسى فى حفل تسليم السلطة فى معسكر الهايكستب، مد الطيب يده، لكن مرسى تعامل معه وكأنه لا يراه، وقبل ساعات كان سعد الكتاتنى قد جلس فى المقعد المخصص لشيخ الأزهر فى احتفال جامعة القاهرة، احتج الإمام وخرج غاضبا من قاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة.

يقولون إن مرسى اتصل به بعدها واعتذر له، لكن تجاوزه وعدم السلام عليه فى الهايكستب، نسخا أى اعتذار يمكن أن يكون الإمام تلقاه.. لقد أراد الرئيس الإخوانى من أول لحظة أن يقول للطيب: أنت لست إمامى ولن تستمر شيخا للأزهر فى عهدى.

لم ينس الإخوان للطيب موقفه من طلاب الجماعة الذين شهد ضدهم فى قضية ميليشيات الأزهر، كانوا يرونه من رجال مبارك، ليس لأنه كان عضوا بأمانة السياسات التى كان يرأسها جمال مبارك فقط، ولكن لأنه كان يدعم نظام مبارك حتى اللحظة الأخيرة.

عمل الإخوان المستحيل أيضا للإطاحة بالطيب، زرعوا الأشواك فى حديقته، خططوا لعمليات تسميم طلاب فى المدينة الجامعية للأزهر، ووقتها وقبل أن يعلن عن الخبر كان طلاب الإخوان فى الجامعة ينظمون مظاهرات حاشدة يطالبون خلالها بعزل الدكتور الطيب.. كان المخطط مرسوما بعناية فائقة، يصنعون له الأزمات، ثم يقررون محاسبته عليها، وكان هو صامتاً طول الوقت، فقد عرف ما يراد له وبه، فسلم أمره إلى الله.

تواضروس شهد إساءة الإخوان للأقباط، ففى عهد محمد مرسى تم أول اعتداء علنى وضخم على بيت الأقباط فى الكاتدرائية الكبرى بالعباسية، خرج محمد مرسى ليقول فى عنترية شفهية إن الاعتداء على الكنيسة اعتداء عليه شخصيا، لكنه لم يفعل شيئا إيجابيا واحدا كى يمنع هذا الاعتداء، أو على الأقل ليحاسب من قاموا به.

لا أفسر موقف الإمام والبابا من الإخوان بعد الثورة بدرجة عداء الإخوان لهما بالطبع، لكننى أتامل فقط ما جرى.. تعامل شيخ الأزهر وكأن على رأسه بطحة، يتحسسها كلما تعامل مع الإخوان، ولا أدرى ما الذنب الذى يحمله شيخ الأزهر على كتفيه، للدرجة التى يتقدم فيها بمحاولة للمصالحة بين الإخوان والدولة، وهى المحاولة التى رفضها الإخوان جملة وتفصيلا، بل وتجاوزا فى حق الرجل بما لا يليق ولا يصح.

موقف تواضروس من الإخوان واضح، لم يخش فى أى لحظة أن يقول أحدهم أنه يقف ضد الإخوان لأسباب دينية.. رغم أن هذه التهمة كانت جاهزة طول الوقت، ومسلطة عليه طول الوقت، لكن ولأنه يعرف أن موقفه وطنى.. يتحرك من أرضية وطنية بحتة، فلم يخش شيئا، رغم معرفته التامة أن الأقباط سيدفعون ثمنا غاليا بسبب ما سيفعله.

كنا نسجل حوارا مع البابا تواضروس فى مقر الكاتدرائية بالعباسية قبل ثورة يونيو بكثير، سمعته بنفسى لا يخفى موقفه من الإخوان، صحيح أنه تحدث بدبلوماسية شديدة عن محمد مرسى، لكنه كان واضحا أن حكم الإخوان لن يستمر، وأن هناك مشكلات كثيرة ستقف أمامهم، لأنهم لا يفهمون الشعب المصرى.. كان موقف الرجل واضحا والإخوان لا يزالون فى الحكم، أما الدكتور الطيب فلم يتحدث بشىء، لم يعترض طريق الإخوان، بل سمح للإخوان بالتواجد فى مشيخة الأزهر، ولم يقف أمام نفوذهم، ولولا ثورة يونيو لما استمر الطيب فى منصبه، فقد كان الإخوان يخططون لخلعه.. دون أن يضعوا فى اعتبارهم قامة ولا قيمة لعالم فاضل مثله.

بعد الثورة عاب الأقباط على البابا تواضروس كثرة سفره وترحاله.. كانت لدى الرجل مهمة وطنية.. فقد قرر أن يكون رسولا لوطنه لدى الغرب، يعرف هو تأثير منصب البابا جيدا فى الغرب، حمل تفاصيل وملامح القضية المصرية، تحدث عنها باستفاضة، أوفد رجاله ليتحدثوا مع مسئولى العالم، وفى الوقت الذى كان الإخوان يتحدثون فى كل مكان عن جرائم ما أطلقوا عليه الانقلاب، كان البابا ومعاونوه يتحدثون عن الثورة وعن الشعب الذى خرج بإرادة حرة ليحرر نفسه.

لم نضبط شيخ الأزهر مسافرا إلى أى مكان.. كثير من الدول الإسلامية التى أخذت موقفا من مصر بسبب ما جرى للإخوان تتعامل مع شيخ الأزهر على أنه رئيس دولة، يعلونه مكانا عليا فى نفوسهم، يحملون للأزهر تقديرا نادرا، كان يمكن أن يكون الطيب رسولا للثورة المصرية، لكنه لم يفعل، لم يبادر مجرد مبادرة.. ولا أدرى لماذا؟ هل الرجل غير مقتنع بما جرى، أم أنه لا يريد أن يلقى بنفسه فى قلب الأزمات والمشاكل.

لقد افتقدنا شيخ الأزهر فى المكان الذى كان يجب أن يتواجد فيه.. وهذه مشكلة الرجل العظمى.

ثم يأتى الغياب الأكبر.

أعرف تماما– كما يعرف غيرى– أن المعركة مع الإرهاب ليست أمنية ولا عسكرية بالمرة، كما أن الجيش والشرطة مهما كانت قوتهما فلن يستطيعوا أن يحاصروا الإرهابيين، لسبب بسيط أن الإرهاب فكرة قبل أن يكون حركة، معتقد صحيح أنه فاسد لكنه معتقد قبل أن يكون رصاصة أو قنبلة، الجيش يمكن أن يواجه الرصاصة ويعطل القنبلة، لكنه أبدا لن يستطيع بمفرده أن يحاصر الفكرة أو يعتقلها فلا تخرج لأجيال قادمة، ينتقل الإرهاب بينهما كما ينتقل الماء فى أوانيه المستطرقة.

لا يستخدم الإرهاب السلاح فقط، يستخدمون خطابا دينيا يستند إلى آيات وأحاديث وتفسيرات وفتاوى يعقبونها بأسماء رنانة لعلماء وأئمة ومشايخ.. وهى حيلة يستطيع أن يسيطر بها الإرهابيون من كل التنظيمات على عقول البسطاء، الذين يعتقدون أن هؤلاء يدافعون عن الإسلام، فها هم يتحدثون باسم الله وبآيات الله وأحاديث رسوله، فما الذى يجعلهم لا يقتنعون.

لقد حسمت النخبة السياسية والثقافية والفنية أمرها من حكم الإخوان، لكن أهلنا البسطاء فى كل مكان لا يزال الخطاب الدينى يؤثر فيهم.. ولأن الأزهر بكل ما يملك من إمكانيات ترك الساحة خالية تماما، فقد ملأها أبناء داعش.

يهتم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الآن بمحاربة الإلحاد، لا يمر مؤتمر عام أو خاص يحضره أو يشارك فيه إلا ويشير إلى الإلحاد، يعتبرها المصيبة الكبرى التى تواجه الإسلام، بل يستعد الأزهر تحت رئاسته لعقد مؤتمر كبير تكون مهمة المشاركين فيه فقط محاربة ظاهرة الإلحاد.

هل تريدون تفسيرا لمثل هذا السلوك؟

لأن يكون الخطر فى الفكر المتطرف الإرهابى الذى تبثه الجماعات الإرهابية الظلامية، فيتركه شيخ الأزهر ليحارب الإلحاد.

التفسير بلا لف ولا دوران أن شيخ الأزهر الإمام الأكبر اعتاد الهروب من وجه الأزمات الحقيقية.. يترك ما يحب أن يتصدى له على قارعة الطريق ويذهب إلى الغرف المغلقة ليتحدث بحديث لا قيمة له ولا أهمية.

ستقول إن ظاهرة الإلحاد أصبحت ملحة، وأن الكنيسة نفسها أقامت أكثر من مؤتمر لمحاربة الإلحاد، وكان البابا تواضروس نفسه راعيا لهذه المؤتمرات، سأقول لك الفارق كبير، صحيح أن الملحدين أصبحوا يطلون برؤوسهم على الجميع، يخربون فى المساجد والكنائس على السواء لتأكيد أنهم على صواب، لكن الخطر يأتينا من الخطاب الإسلامى الذى لن تتصدى له الكنيسة، بل يجب أن يتصدى له الأزهر وشيخه وأئمته، على الأقل لأن الناس لا تزال تسمع لمن يقول قال الله وقال الرسول، ولا تزال هناك بقية من ثقة فى رجال الأزهر.

لقد وقف شيوخ الأزهر كحجر عثرة أمام المتطرفين.. دفع الشيخ الذهبى حياته عندما ألف كتيبا صغيرا فضح فيه أفكار وآراء تنظيم شكرى مصطفى التكفير والهجرة، كان يعرف أنهم لن يتركوه، سيقفون له بالمرصاد، لكنه أدى ما عليه لله والوطن، وعندما قتلوه برصاصة غادرة فى رأسه أعتقد أنه لم يندم على ما فعله، لأنه أدى رسالته على أكمل وجه.

وعندما اجتمع الشيوخ الثلاثة الكبار الإمام محمد متولى الشعراوى والشيخ محمد الغزالى والشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر فى ساحة الجامع الأزهر الشريف فى بداية التسعينيات، ليعلنوا أمام العالم براءة الإسلام مما يفعله الإرهابيون لم يخافوا ولم يمسكوا العصا من المنتصف.

لقد توقف الزمن عند ما قاله الشيخ الشعراوى فى كلمته خلال هذه الوقفة، وما زالت الفضائيات وتليفزيون الدولة يذيعون مقاطع منها وتحديدا تلك التى تشير إلى مصر وما يراد بها ومنها وفيها، وأن مصر ستظل مصر.

لم يفكر الشيخ الشعراوى وهو يلقى كلمته فى الخطر الذى يمكن أن يحاصره، ولكن فكر فقط فى أن البلد فى طريقه إلى الضياع بفعل واسم جماعات تنسب نفسها زورا وبهتانا إلى الإسلام، فخرج وهو رمز للإسلام لدى عامة المسلمين ليقول كلمته التى اعتقد أنها مؤثرة.

أخرج الأزهر كتابه المهم، هذا بيان للناس، بين فيه موقف الإسلام من الجماعات الضالة والمضللة التى تتحدث باسمه وهى أبعد ما تكون عنه، لم يشتر الأزهر وقتها خاطر أحد، ولم يعمل حسابا لأحد، فعندما يكون الوطن فى خطر تسقط كل الحسابات والمخاوف أيضا.

السؤال الآن: ما الذى يفعله شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب فى مكتبه؟

ما الذى يقوم به كل يوم.. هل يكتفى باستقبال زواره ومتابعة شئون الجامعة والمعاهد الأزهرية وكفى الله المؤمنين شر القتال أو خيره؟ لماذا لا ينزل شيخ الأزهر بنفسه إلى كل مكان فى مصر ليتحدث مع الناس عن موقف الإسلام مما تفعله جماعة الإخوان المسلمين، لماذا لا يرد بنفسه على الفتاوى التى تكفر كل من شارك أو ناصر ثورة 30 يونيو.. لما يترك الساحة فارغة تماما أمام فتاوى متطرفة وظلامية ويكتفى ببعض بيانات لا تسمن ولا تغنى من جوع؟

هل أجد إجابة عن هذه الأسئلة؟ أم أن الإمام الأكبر سيعتصم بالصمت وببعض الكلام الباهت الذى تتضمنه بيانات رسمية لا قيمة لها على الإطلاق.

لا أدرى هل شاهد الدكتور الطيب الفيديو الذى بثته جماعة أنصار بيت المقدس، واستعانت خلاله بفتاوى نسبتها لمن يقولون أنهم أئمة كبار، هل لم يستفزه ما قاله الخوارج الجدد عن المصريين وعن جيش مصر؟ هل اعتبر أن ما حدث أمر عادى جدا، لا يستحق منه أن يخرج ببيان على الناس، كالذى صاغه وأذاعه بعد فض رابعة، أم أنه يعتبر أن هذا الأمر ليس من اختصاصه ولا من صميم عمله فى الأساس؟

لا أريد أن أثقل على شيخ الأزهر، ذهبت قبل ذلك إلى أنه إمام غائب.. التمست له العذر لصمته، أدركت أنه لا يريد أن يورط نفسه فى صراع سياسى، هو يعتقد أن الأزهر يجب أن يبتعد عن أى صراع سياسى، لكن هل الصراع الآن سياسى يا شيخ الأزهر؟ الصراع فى حقيقته- ويجب أن تدرك ذلك- صراع وجود، صراع على وجود، يكون أو لا يكون، ويجب أن تتخلى عن سلبيتك وأنت تتابع الأمر.. لا يجب أن تظل هاربا هكذا كثيرا، لأن جموع المسلمين الذين ينتظرون منك كلمة صادقة وحاسمة لن ينتظروك كثيرا، بل سيخلعون أيديهم منك تماما.

كثيرا ما أسأل نفسى: لماذا لا يتقدم شيخ الأزهر باستقالته؟ لماذا لا يترك منصبه لمن يكون قادرا على المواجهة.. على النزول إلى أرض المعركة، ليقف كحجر عثرة فى وجه من يريدون بنا وبالإسلام شرا؟ وهو سؤال لا أجد عنه إجابة، بل أدخل فى متاهة من الحيرة والارتباك، أعلم أن الدكتور الطيب لا يطمع فى مناصب ولا تهمه الدنيا، فلماذا يبقى فى منصب لا يقوم بما يفرضه عليه هذا المنصب، أعتقد أن الإجابة عنده وحده، وأعتقد فقط أنه لن يتحدث، فقد اختار الصمت والهروب، غير مهتم ولا مشغول بما ينتظر الوطن من أخطار.

لم أقارن بين الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف والبابا تواضروس لأرفع أحدهما على الآخر، ولا لأنصر البابا على الإمام، فهذا لا يشغلنى على الإطلاق، أردت فقط أن أشير إلى أن هناك من يفعل كل ما عليه، وهناك من يتراجع ويتراخى ولا يقف الموقف الذى ننتظره منه، ولأقول أيضا أن لدينا من صمد فى مواجهة الجماعة ولم يهرب من المعركة، وهناك من لم يتحمل فلم يقل كلمة الحق التى كان لابد أن يقولها فى وقتها.. ويا مولانا شيخ الأزهر استقل يرحمك الله.. ويرحمنا أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.