■ الليبى عرض على المشترى المصرى 10 عينات وقال إن واحدة منها يمكنها القضاء على مدينة كاملة قبل سنوات، كان الحديث عن محاولة تهريب «دبابة» إلى مصر، كافيا لأن يثير ضحك وسخرية كل من يسمعه، ليصبح المتحدث أقرب إلى المجنون، وكأنما يتحدث عن «وضع الفيل فى المنديل»، لكن الآن لم يعد شىء مستبعدا الآن، فالثورة الليبية التى اندلعت فى 17 فبراير 2011، وانتهت بمقتل القذافى، كانت كفيلة بتحقيق أقصى أحلام تجار السلاح فى مصر، حتى لو كان تهريب «دبابة». كان سوق الأسلحة المهربة إلى مصر لسنوات طويلة، يقتصر على بيع المسدسات والبنادق الآلية، والرشاشات روسية الصنع، ومعظمها كان يأتى من الجنوب، عبر خطوط إمداد طويلة، ثم توسعت السوق إلى الشرق، بدخول إسرائيل فى اللعبة، لتصبح مصر أحد أبرز أسواق أسلحتها الخفيفة، وأخيرا تغيرت خريطة وطبيعة سوق السلاح فى مصر، بفضل الثورة الليبية، لتدخل السوق أنواع جديدة من الأسلحة، التى تمثل نقلة نوعية فى قدرتها التدميرية، مثل القنابل اليدوية وقاذفات الصواريخ المضادة للطائرات، التى تستخدم تقنية التتبع الحرارى. الآن أصبحت حدود مصر الغربية «سداح مداح»، حسب تعبير «محمود»، وهو شاب على مشارف الأربعين، كان فى السابق أحد مهربى السلاح، لكنه توقف عن أعمال التهريب، عندما مات عدد من أصدقائه أمام عينيه، نتيجة انفجار لغم أرضى. لم يكمل «محمود» تعليمه الإعدادى، لاحتياجه إلى إعالة أسرته بعد وفاة الأب، وفى البداية عمل «عتالا» داخل جمرك السلوم، وتدريجيا بدأ فى تهريب الملابس والمنسوجات، وعندما اندلعت الثورة الليبية انخرط فى تهريب الأسلحة، لكنه مازال يحتفظ بدروب وأسرار العالم السفلى لتهريب السلاح، لذلك قبل أن يكون بوابتنا إلى اختراق هذا العالم، عندما وافق على ترتيب لقاء لنا مع أحد تجار الأسلحة الكبار فى السلوم، داخل أحد مخازن السلاح، اشترط «محمود» علينا أن ننتظر مكالمة تليفونية مع اقتراب منتصف الليل. وفى مساء يوم 15 أبريل الجارى، جلسنا فى المقهى الرئيسى فى مدينة السلوم، بالقرب من محطة الأتوبيس، فى انتظار مكالمة «الوسيط»، والذى جاء فى سيارة ملاكى سوداء، ليصطحبنا فى طرق ملتوية، وشوارع مظلمة، وأخيرا وصلنا إلى أحد المنازل التى لا يمكن تمييزها عن معظم منازل المدينة، فالمبنى مكون من طابق واحد، ومحاط بسور من الحجر الجيرى. فى مدخل المنزل، كان فى استقبالنا أحد الشباب، والذى قادنا مباشرة إلى غرفة استقبال واسعة بها «قعدة عربى» على الأرض، وداخلها كان هناك 17 شخصا، بينهم 4 ليبيين، جاءوا للتفاوض على شحنة أسلحة جديدة، وكانت بحوزتهم عينات منها أمامهم، وقبل أن نجلس، اقترب مضيفنا من «محمود»، وسأله عن هويتنا، ليبلغه بأننا نريد شراء أسلحة آلية، فسألنا عن النوع، ثم أشار إلى غرفة ملحقة بالقاعة، وطلب منا أن ندخلها معه، لنختار السلاح المناسب، وهناك كانت الغرفة مليئة بأسلحة وذخائر من كل الأنواع، بنادق آلية حديثة، وذخائر لرشاش «جرانوف»، وقاذفات صواريخ مضادة للطائرات، من نوع «سام 7»، وقذائف مدفعية ودبابات، وبعد أن تفقدناها مع الوسيط، عدنا إلى قاعة الاستقبال الرئيسية، لنستمع إلى تفاصيل الجلسة، التى كانت أقرب إلى مزاد سرى على الأسلحة. كان المهربون الليبيون يتحدثون حول أنواع حديثة من الأسلحة التى أحضروها معهم، ووضع أحدهم أمامه عددا من الأسلحة، بينها بندقية قنص «أف أن» بلجيكية الصنع، وفتحوا المزاد عليها، ليصل سعرها إلى 20 ألف جنيه، ثم بدأ التفاوض على بندقية قنص أقصر، قال أحد المهربين إنها تركية الصنع، عيار 6.5 مللى، ووصل ثمنها إلى 8 آلاف جنيه، ثم أشار المهرب إلى أن لديه الرشاش الروسى الشهير طراز 14.5 مللى، وتم تحديد ثمنه ب35 ألف جنيه، فيما وصل سعر قنبلة يدوية إلى 1500 جنيه، ثم أمسك المهرب الليبى بندقية إسرائيلية الصنع تشبه السلاح الآلى، إلا أنه قال إن مداها أبعد، وتم تثمينها ب17 ألف جنيه، وجاء الدور بعدها على أجهزة رؤية ليلية روسية ويابانية وتايلاندية الصنع، فسأله التاجر المصرى وقتها عن الأجهزة سويسرية الصنع، باعتبارها الأفضل، ووصل سعر الجهاز الواحد إلى 25 ألف جنيه. وأثناء المزاد، لفت نظرنا وجود اسطوانة حمراء تشبه أسطوانة الأكسجين، بجوار المهرب الليبى، وكانت مغلفة بغطاء بلاستيكى أحمر، مكتوب عليها ببنط عريض حرف «أس»، وعلى الأسطوانة 7 «زراير» مربعة فى الجهة الجانبية، وبدأ التفاوض حولها، وقال المهرب إنه أحضر 10عينات منها، وأشار إلى الاسطوانة، بوصفها معدات «كيماوية». وفى البداية، لم يستوعب الحاضرون الأمر، فسأله أحدهم عما قد تفعل، فأكد لهم المهرب أنها قد تقضى على مدينة كاملة، وهو ما أصابنا بالفزع، فيما أعرب التاجر المصرى عن استيائه منها، وقال له إنها ليست مفيدة له، لأنه لا يعرف إن كان سيتمكن من بيعها أم لا، فقال له المهرب إنه يطلب فيها 40 ألف جنيه فقط، لكن التاجر المصرى رفض العرض مجددا، فاضطر المهرب إلى تخفيض سعرها ل20 ألفا، مقابل أن يشترى العينات العشر، لكنه فوجئ مجددا برفض التاجر المصرى، لتنتهى المفاوضات بعد ساعتين إلى شراء الأسلحة الآلية، وإغلاق ملف «الكيماوية». وبعدها غادرنا المنزل، ليؤكد لنا «محمود» أن المشترين لا يفضلون استخدام القذائف المضادة للطائرات، لأن خاصية التتبع الحرارى الخاصة بها، تمكنها من تتبع «شكمان» أى سيارة وتفجيرها، وعندما سألناه عن سبب وجود قذائف مدفعية ضمن الشحنات المهربة، قال إنها يتم تفريغها من المادة التفجيرية، لاستخدامها فى صناعة ديناميت لتفجير المناجم، بالإضافة إلى بيع النحاس المغلف للمادة المتفجرة. وحكى لنا «محمود» الكثير من خبراته عن طرق تهريب السلاح إلى السلوم، قال «توجد أسر فى مناطق معينة فى مطروح ورأس برانى وسيدى عبد الرحمن، تقوم بالتهريب عبر الحدود، إلا أن مهمة النقل تكون فى العادة على عاتق المشترى، والذى يتولى نقلها إلى محافظات الفيوم والمنيا والقليوبية، وهناك توجد مراكز لبيع الأسلحة الآلية، التى يصل بعضها إلى سيناء، بعد أن يتم وضعها أسفل روث البهائم، المستخدم فى استصلاح الأراضى المحيطة بترعة السلام». ومن «محمود» ايضا، عرفت «الفجر» قصة المهرب الأشهر فى السلوم حاليا، ويدعى «عزوز»، وهو بدأ العمل فى مجال تهريب الأسلحة، بعد اندلاع الثورة الليبية، وذلك عبر المنفذ الجمركى الرسمى، مستغلا علاقته بمسئولين نافذين فى منفذ السلوم، حيث كان يقوم بتهريب السلاح مخبأ داخل حديد الكبارى الخردة، والذى يستلزم تفتيشه استخدام «لودر أو كلارك»، وهو غير متوافر فى المنفذ الجمركى، بالإضافة إلى تعطل سيارة الكشف الإشعاعى، التى من المفترض أن تقوم بالكشف على السيارات العابرة، وهو ما منح عزوز فرصة التهريب بسهولة، وفى شهر مايو الماضى، تمكن من إدخال سيارات نقل محملة بأجهزة لاسلكى بعيد المدى، باعتبارها خردة، وتمكن أيضا من تهريب 3 سيارات مدرعة محترقة، بعد تحميلها على سيارات نقل مرسيدس بمقطورة، باعتبارها خردة أيضا. ورغم أن عزوز ليس الوحيد الذى يقوم بتهريب السلاح فى المدينة الحدودية، إلا أنه الوحيد الذى يستطيع أن يجعله يمر عبر منفذ السلوم الرسمى، بعيدا عن طرق التهريب الأخرى، الأكثر صعوبة، والتى تمر فى الوديان القريبة من الحدود، والبالغ عددها 12 واديا، أشهرها ماسورة ورملة والجبل، والتى توجد خلف منفذ السلوم، ويمر المهربون عبر حقول ألغام قديمة، منذ الحرب العالمية الثانية، وأخرى جديدة تم زرعها خلال فترة “الثورة الليبية”، أو عبر طرق جبلية شديدة الوعورة، ويتحرك المهربون فى مجموعات لا يقل عدد أفرادها عن 18 شخصا، وتستغرق عملية عبور الحدود من يومين إلى ثلاثة أيام، حيث توضع الأسلحة داخل أكياس بلاستيكية، ثم تغلف ب«فلين»، ثم أكياس بلاستيكية أخرى، لتصبح على شكل مكعب، ويتم تعليقها بحبلين عريضين، وتسمى «شيلة»، حيث يقوم المهربون بحملها على ظهورهم فى الوديان، ويحمل المهرب الواحد من 6 إلى 10 بنادق، بالإضافة إلى كميات من الذخيرة المتنوعة، كما يستخدم بعض المهربين الجمال لتحميلها بالاسلحة داخل «الشيل»، ثم يتركونها تعبر الحدود بمفردها، خاصة أنها تحفظ الطرق جيدا، وذلك ليتجنب المهربون أن يتم القبض عليهم. وهناك طريق آخر للتهريب، هو البحر، والذى يعتبر الطريق المفضل بالنسبة للمهربين، الذين يقومون بمراقبة سفن قوات حرس السواحل، الراسية فى ميناء مكشوف بمدينة السلوم، ويتم الإبلاغ عن أى تحركات للسفن. وتبدأ عمليات التهريب عبر البحر بوصول قوارب التهريب الليبية مع أول ضوء للشمس، ثم ترسو فى منطقة الوديان خلف الهضبة، لتفرغ حمولتها، وبعدها يحملها المهربون سيرا على الأقدام، لتجاوز حقول الألغام ثم يصعدون بها لأعلى الهضبة لمراقبة أماكن وجود دوريات الحراسة، وتفاديها بالمرور من أسفل الهضبة. وتوجد طريقة أخرى أكثر جرأة للتهريب عبر البحر، وهى تحدث بالقرب من مدينة مرسى مطروح، حيث تتوقف سيارات التهريب قرب الشاطئ بعد منتصف الليل، وتعطى إشارات ضوئية للمراكب المحملة بالسلاح، والتى تقترب من الشاطئ، فتلقى لفافات «الشيل» المهربة فى البحر، ويتولى غواص سحبها إلى الشاطئ، وهناك تتولى مجموعة يتراوح عددها بين 20 و40 شخصا نقلها، وهذه الطريقة تستخدم أيضا لنقل الذهب الليبى أو المخدرات، «فكل مهمة المركب هى توصيل الشحنة إلى الشاطئ، ويحصل فى المقابل على مبلغ يتراوح بين 500 وألف جنيه، عن كل «شيله»، وتستغرق العملية مدة لا تزيد عن نصف ساعة.