اخترقت كلمات الرئيس السيسى عقلى ووجدانى..فتقبلها قلبى ورفضها عقلى.. ففى خطاب حماسى من القلب للشعب..قال الرئيس مُتحدثا عن مهازل المدارس:
ياترى شباب الحى راحوا المدارس دى قبل الصف الدراسى لما يبدأ وبصوا عليها..طب مابصوش ليه؟..هى دى مش بلدنا كلنا؟ مش المصلحة دى مصلحتنا كلنا؟ مش الولاد اللى فى المدارس دول ولادنا كلنا؟.. نفس الكلام للمستشفى.. شبابنا ممكن يبصوا ويطمنوا ويعملوا حاجة..
يمكن نكون إحنا مش قادرين..بس معقول الشعب المصرى مش قادر؟
فيما يقرب من 45 ألف مدرسة.. فى كل حى وكل محافظة، ولو قبل الدراسة بشهرين والا تلاتة بقى فى مرور من أهالى الحى على المدارس دى واتبص عليها..وشافوا المدرسة دى عايزة إيه؟ معقول نسيبها كده؟ يعنى نسمح لولادنا يدخلوا مدارس بالشكل ده؟ أمال إحنا قاعدين ليه؟ بنعمل إيه؟.. إحنا فى تحد.. فى معركة.
وأخطر حاجة هى الصحة والتعليم..
لكل المسئولين.. ياريت إن كل واحد يبقى مُدرك إن المعركة معركة مصير، وتبقى قادر على مواجهته.. يا تبقى كفء وقادر للمهمة.. يا مايصحش.. باقول للمسئولين.. لو أنت مش قادر..سيب المكان بتاعك..
لا فض فوك يا سيادة الرئيس.. استمعت إليك واستمتعت بخطابك كعادتى..ودعوت لك من كل قلبى أن يُعينك الله على الحمل الثقيل والمسئولية الجسيمة.. ولكن...
استغربت كلماتك..واستوقفنى تفاؤلك الزائد عن حده وحجم المسئولية التى تُلقيها على عاتق أشخاص بلا أكتاف ليحملونها..لم نسمع من قبل عن مسئول استقال، لكن سمعنا عن مسئول أقيل..أو انتهت صلاحيته بانتهاء مدته!..
سيدى الرئيس..اقترحت فكرة أعجبتنى ولكنها أدهشتنى..وكأننى فى مدينة لا أعرفها..
أن يكون للشباب دور فى تفقد المدارس والمرور على المستشفيات.. ولك ألف حق، فالشباب قادر لأن لديه العزيمة والقدرة.. ولكن هل لديهم الصلاحيات والمُساعدات؟
لقد تردى التعليم منذ أن تردى دور المُعلم الذى لم يعد أحد يقف له التبجيلا.. تردى التعليم منذ أن وضع القائمون عليه ضمائرهم فى ثلاجة حفظ الموتى وعاثوا فى الأرض فسادا..تردى التعليم منذ أن أعطى المعلمون قيمهم إجازة بدون راتب وجاءهم الشيطان بعقود عمل لدُنيا الكسب غير المشروع..تردى التعليم منذ سكن الجشع النفوس بعد أن أزاح الرضا من الطريق بكتف قانونى..
إذن فالمسألة ليست بتلك البساطة.. المسألة ليست شباب يجب أن يتحمل المسئولية ويذهب للمستشفيات والمدارس لرصد المخالفات..
المسألة نجار أهمل فى تثبيت الشبابيك.. ونقاش قرر أن يسرق فى الدهانات.. ومقاول قرر أن يمتص دماء من يعملون معه فاضطروا للسمسرة من مواد البناء من خلف ظهره..المسألة مسألة مدرس قرر أن يُهمل فى شرح الدروس ليجر الطلاب إلى الدروس الخصوصية.. وصاحب مدرسة بحث عن الحد الأقصى للربح وأعلى المال فوق مصالح الطُلاب.. المسألة وزارة لم تعد تحاول ولا تبتكر ولا حتى تعمل!.
وهكذا سقط الزجاج على طالب فقتله وسقط لوح خشب على تلميذة فأصابها بإعاقة وانقلب أتوبيس المدرسة على الطريق وتوفى الطُلاب نتيجة رعونة سائقه.. وأجيال تحصل على شهادات وهم لا يفقهون شيئا فيلتقطهم المتطرفون ويحتلون عقولهم.
تلك سيدى هى حكاية المدارس ومآسيها..لقد حكى لى سائق تاكسى وهو مُنهار قصة (أبلة سعاد) التى تأخذ من كل طالب فى مدرسة أبنائه فى الهرم شهرية 50 جنيها فى فصل متوسط عدد طلابه 120 طالبا، فقط لكى تتعطف عليهم بالجلوس فى الخمسة صفوف الأولى من الفصل المُتهالك، وإلا لأصبح الطالب كمثل الذى يجلس فى الصحراء منتظرا المطر ولا يأتى!..
هذه هى الحكاية باختصار سيدى..ولو كنت تريدنى أن أقص عليك قصة المستشفيات فصدقنى هى لن تكون أكثر اختلافا..
أعلم جيدا أنك تعى الحقيقة..وأنك تشعر بآلام المصريين..أعلم أنك رجل قوى وقت الشدة لين وقت اليسر..وكما قلت سيادتكم نحن فى وقت الشدة..
وسأفترض معك جدلا أن أهل الحى وشبابه نزلوا وتفقدوا المدارس والمستشفيات والمواصلات وكتبوا قائمة طويلة من المخالفات والإرشادات والملاحظات..
أولا: يبقى السؤال..وما دور الوزراء والمسئولين والمحافظين إذن؟..
ثانيا: وإلى من يذهبون؟ فى وجه من يصرخون؟ ومن سيستمع لهم؟ ومن سيأخذ منهم الملاحظات دون أن يلقيها فى أحد أدراج مكتبه ويغط فى نوم عميق؟!.. من سيدى؟..
يروحوا لمين ياريس؟ يقولوا لمين ياريس؟!..
لقد أطلق النائب العام منذ أيام قرارا بإصدار مكتب لمكافحة الفساد بقيادة المستشار الخلوق المحترم مصطفى خاطر..كان الله فى عونه وأنار له بصيرته..ولكن..
هل تعلم سيدى ماذا يحدث فى أى مؤسسة من مؤسسات الدولة للموظف الذى يُبلغ عن فساد؟ أو حتى يشهد به؟ أو ربما يحكى عنه؟!..فطريقه مسدود مسدود مسدود!..
الحيتان الكبيرة تحاربهم وتضربهم على أيديهم وتشد أذنيهم، بمليون طريقة وطريقة.. وأكم من أمثلة..
لقد جاءنى فى الأسبوع الماضى كم رسائل إلكترونية من أشخاص حاولوا الإبلاغ عن فساد مديريهم وعن مرءوسين حاولوا التصدى للفساد داخل أماكن عملهم فكان جزاؤهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم!.. فلم يعد أمامهم سوى الإعلام والصحافة.. ونحن على دورنا لباقون وسنمضى فى طريق الحق للنهاية..
فالفساد دائرة كبيرة وهنا أستعين بقول أستاذنا الكبير فاروق المقرحى حين تحدثت معه فى طريقة للخلاص من هذا الفساد فقال لى مبتسما: "تصورى سيدتى أن الفساد أخطبوط له ألف ذراع، فنحن حين نُحقق مع متهم بالفساد فى القاهرة يهب رفاقه فى بنى سويف للدفاع عنه!"..
سيدى الرئيس.. أتفق معك وأُشفق عليك وأعى جيدا أن الفساد هو آفة مصر.. ونحن مستعدون للمرور والتصدى والحرب.. ولكن أرجوك أن تجد لهؤلاء من يستمع إليهم..من يأخذ منهم المقترحات..من يعدهم بالتغيير ويضع يده وإمكانياته بين أيديهم..
سيدى الرئيس.. يجب أن تجد للفاسدين من يُحاسبهم ولا فرق فى ذلك بين من سرق جنيهين وبين من سرق مليارا.. فاللص لص مهما خف الحمل..