إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم. إن ما صدر عن رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلمقول أو فعل أو تقرير ليست قصصاً تروى، يعجب بها الناس ويطربون، وإنما هو تشريع يستوجب على كل مسلم ومسلمة أن يلتزم به، ويعض عليه بالنواجذ قال تعالى: إنْ هُوَ إلا وَحْيُ يُوحى[2] وقد أمر رب العالمين باتباع هذا الهدى، فقال جلَ شأَنه: وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نهَاكُمْ عَنْهُ فَانتهُوا وَاتقُوا الله إنَّ الله شَديدُ الِعقابِ[3]. وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم: تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه[4]. فرسول الله رحمة مهداة، أقام الله به الملة، وفتح بهديه أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وهدى به البشرية إلى أقوم طريق، وأوضح سبيل، وأحسن منهج. فقد افترض الله على العباد طاعته، وتوقيره ومحبته، والاقتداء به، واتباع سنته، وجعل العزة والمنعة والنصرة والولاية والتمكين في الأرض لمن اتبع هداه، وترسم خطاه، والذلة والصغار والخذلان والشقاء والضعف والمهانة على من خالف أمره وعصاه. وإن معرفة عبادة الله تعالى، والعمل بدينه-الذي أنزله لصالح شؤون العباد في الدنيا والآخرة-متوقفة على معرفة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وطريقته العملية التي بين فيها شرع الله تعالى، من أول يوم أنزل عليه الوحي إلى أن أكمل الله تعالى هذا الدين. موضوع السلام من الموضوعات التي اهتم بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعل لها أولويات وتدرجات، فبين الرسول صلى الله تعالى عليه و سلم أولوياته، وبين تدرجاته، فبين سلام المرء مع نفسه وسلامه مع جاره وسلامه مع مجتمعه، وبين سلام المجتمع المسلم مع المجتمعات الأخرى، وبيّن آثار ذلك السلام، وبيّن كذلك أن السلام يستمر مع المسلم-إذا تقيد بالدين الإسلامي- إلى أن يعبر الصراط، والملائكة والرسل حينها يقولون: اللهم سلم سلم. ويستمر إلى أن يدخل الجنة، فهي دار السلام، وهناك الملائكة يدخلون عليهم من كل باب، ويقولون: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار[5], ونهاية المطاف وغاية السلام قول المولى عز و جل: سلام قوْلاً مِن رَّبٍ رَّحِيمٍ"[6]. ولقد أردت بهذا البحث أن أبين اهتمام الرسول صلى الله تعالى عليه و سلم بقضية السلام، وكيف يكون السلام في مجتمع الإسلام؟ وأثر السلام في حياة الأمة، وقد بينت أن السلام لا يعني الاستسلام، وبينت كذلك صوراً من سماحة الرسول صلى الله تعالى عليه و سلموأردت أن أبين كل ذلك علَى ضوء الكتاب والسنة النبوية. والموضوع يُعدُّ من موضوعات الساعة، وخاصة في هذه الأيام؛ حيث أن الأعداء يعدون الإسلام دين الإرهاب والعنف وإراقة الدماء، وهذا الأمر ناشئ بسبب الجهل بطبيعة هذا الدين، أو بسبب العصبية و العداء. يقول الأستاذ عبدالله بن عبدالرحمن بن صالح: "الدين الإسلامي قام على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ونادى بالسلام ودعا إليه، فإن السلام مشتق من الإسلام، ومن تتبع نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة التي منها وصايا النبي صلى الله تعالى عليه و سلملأمراء جيوشه ومنها سيرته صلى الله تعالى عليه و سلمفي الغزوات.