قال الكاتب الأمريكى أندرو جيه باسيفيتش، إن حرب العراق الثالثة قد تحولت إلى حرب شرق أوسطية رابعة عشرة، وذلك فى ظل امتداد جهود أمريكا لتقويض وتدمير تنظيم “ داعش” إلى الأراضى السورية. وأوضح باسيفيتش -فى مقال نشرته صحيفة (الواشنطن بوست)- أن سوريا بذلك باتت الدولة الرابعة عشرة من دول العالم الإسلامى التى تجتاحها قوات أمريكية أو تحتلها أو تقصفها، والتى تعرّض فيها جنود أمريكيون للقتل أو قتلوا غيرهم.. وذلك منذ عام 1980 فقط. وأخذ باسيفيتش، الذى يعمل أستاذا للتاريخ والعلاقات الدولية بجامعة بوسطن، يُعدّد تلك الدول: إيران، ليبيا، لبنان، الكويت، العراق، الصومال، البوسنة، السعودية، أفغانستان، السودان، كوسوفو، اليمن، باكستان، و سوريا.
ونوّه الكاتب عن توقعات وزارة الدفاع الأمريكية “ البنتاجون” أن يطول أمد الحرب على الجبهة الرابعة عشر (سوريا) ويمتد إلى سنوات . ورأى باسيفيتش أن أمريكا خاسرة فى تلك الحرب مهما أحرزت من انتصارات.. وقال إن إنزال الهزيمة ب “ داعش” إنما يجُرّ أمريكا أكثر وأكثر إلى مضمار مغامرة قديمة ثبت بالتجربة كم هى مُكلفة وذات نتائج عكسية .. وأكد فى هذا السياق أن إنزال جنود على الأرض أو الاعتماد على القصف من الجو لن يثمر عن استقرار بالمنطقة.
وعزى باسيفيتش مشكلة الوضع الراهن فى جزء منها إلى ميل الساسة الأمريكيين دائما إلى اعتماد نظرية إحراق البلد لإنقاذه، وأن إطلاق العنان لشيء من الفوضى على المدى القريب كفيلٌ بإيجاد نظام على الجانب الآخر على المدى البعيد.
وأسقط الكاتب على الشرق الأوسط، قائلا إن تطبيق هذه النظرية يعنى تفكيك نظام دولة ما بهدف تركيب نظام آخر أفضل، تمهيدا لبناء دولة.. ويرى باسيفيتش أن التجربة أثبتت مهارة أمريكا فى تغيير النُظم أكثر منها فى بناء الدول.
وأشار إلى ما أكدته التجربة من أن التغيير القسرى للنظم يُحدث فراغا فى السلطة وليس أدلّ على ذلك من مثال العراق الصارخ والذى تجاهلته أمريكا فى تجربتها الثانية فى ليبيا ما بعد القذافى .
ورأى صاحب المقال أن ظهور تنظيم “ داعش” يتصدر أى قائمة لإنجازات التدخلات الأمريكية الثلاثة عشر السابقة، قائلا إنه لو كان العراق لديه الحد الأدنى من القوات الأمنية الفاعلة لما كان ثمة فرصة لنشوء داعش .
ولفت باسيفيتش إلى أن أوباما لم يكن هو من بدأ هذه السلسلة الطويلة من التدخلات العسكرية الأمريكية بالمنطقة التى تمخضت عن الوضع الراهن، ولكنه وجد نفسه فى قلب هذه الورطة: ذلك أن غضّ الطرف عما يفعله “ داعش” يعنى السماح لأنصار فكرة “ دولة الخلافة” باستغلال حالة عدم الاستقرار التى هى بالأساس صنيعة الجهود الأمريكية.. بينما جعْل سوريا آخر ساحة لإطلاق النيران الحرّ فى المغامرة اللانهائية الأمريكية بالشرق الأوسط كفيلٌ بإطالة أمد المعاناة التى تكابدها الدولة، فى ظل صعوبة التنبؤ بالتبعات المستقبلية.
واستبعد الكاتب أن يسود الوئام سوريا وأن يعّم الوئام المنطقة حتى إذا ما استطاع التحالف الأمريكى إنزال الهزيمة ب” داعش” ؛ ذلك أن كتْم الأعراض عن الظهور بشكل معين لا يعنى زوال المرض تماما .. موضحا أن تنظيما آخر على غرار “ داعش” لابد سيظهر على أثر انسحاق هذا .
وأكد باسيفيتش أن رهان أوباما على التفوق العسكرى الأمريكى، كمخرج من هذه الورطة الشرق أوسطية، هو رهان خاسر تماما كرهانات سابقيه ابتداء من جيمى كارتر.. وقال “ إذا كان أوباما قد تعلم ممن سبقوه أن اجتياح واحتلال الدول فى هذه المنطقة من العالم لا يُجدى، فإن الدرس الذى سيورثه لمن سيخلفه هو أن الغارات الجوية بالطائرات بدون طيار ليست هى الحل أيضا” .