كنت أتمنى أن أمتلك التركيبات السحرية التى اخترعها الأديب الكبير «يوسف السباعى» فى رواية «أرض النفاق» التى تم تحويلها لفيلم من بطولة فؤاد المهندس وشويكار فى نهاية الستينيات، فالأديب الكبير وضع بطل الرواية أمام ثلاثة اختيارات متمثلين فى حبوب الشجاعة والنفاق والصراحة، بطل الراوية كان شخصًا ضعيفًا يخشى رؤساءه فى العمل ويخشى زوجته وأهل حارته، وبمجرد أن أتيحت له الفرصة قرر أن يتخلص من حالة الخوف التى تسكنه ويتناول حبوب الشجاعة، ليتحول لأسد جاسور، يفتك بزوجته المتسلطة وجيرانه الفوضويين ورئيسه الممل، ليجد نفسه بين يوم وليلة مطرودًا من المنزل والعمل، ليستنجد بالشيخ الذى يمتلك التركيبات السحرية ويستجديه ليحاول أن يصلح ما أفسده بحبوب الشجاعة، وتلتقط يده حبوب النفاق، فيسيطر بها على ما أفسده، ويقنع زوجته بأهميته فى حياتها، ويقنع جارته اللعوب أن تسلمه نفسها ليستثمرها فى خططه للارتقاء، ويسيطر على رئيسه ليمنحه ثقته، النفاق عوضه عن شجاعته المفقودة وخوفه وضعفه المفضوحين، نجح النفاق أن يصنع منه موظفًا ناجحًا يجلس على كرسى المدير، يجنى أرباحًا باهظة من حفلات زوجته وعشيقته بعد أن كان يغض الطرف عن علاقتهما بأصحاب النفوذ لتمرير صفقاته، انتقل بسرعة البرق ببركة النفاق من الحارة الشعبية ليسكن فى فيللا على نيل الزمالك، حقق كل طموحاته بينما كان يسكن ضميره فى سبات عميق، ولكن للأسف نفدت حبوب النفاق، فكان عليه أن يهرول مجدداً للشيخ ليمنحه بعضاً منها، ولكن للأسف أخبره الشيخ بأن حبوب النفاق قد نفدت من كثرة الإقبال عليها، أعتقد البطل أن الشيخ يكذب عليه وقرر أن يسرقه، فقام بسرقة حبوب أعتقد أنها للنفاق والحقيقة أنها كانت حبوب الصراحة، التى بمجرد تناولها، قام بهدم كل ما بناه ببركة حبوب النفاق، خسر ماله وزوجته وعشيقته وعمله وصفقاته، ليعود أسوأ مما كان عليه، مشرداً بلا مال أو عمل أو مستقبل، عاد مثل المجنون لدكان بيع الأخلاق، ليكتشف حقيقة حبوب الصراحة التى تناولها، ليقرر أن يأخذ كل حبوب الصراحة التى تكدس بها الدكان ويلقى بها فى نهر النيل لتعم الصراحة البلد، وبعد نصف ساعة فقط اندلعت فى البلد ثورة الصراحة، تحولت البلد لقطعة من الجنة، اختفى المنافقون واللصوص والقوادون والمفسدون، ولكن للأسف مفعول الحبوب انتهى وعادت البلد لما كانت عليه، فقرر الشيخ أن يغلق دكانه ويضع بجواره لافتة «مغلق لعدم وجود أخلاق»، كنت أتمنى من اللواء إبراهيم عبدالعاطى أن يجهد نفسه قليلاً ويخترع جهازًا، يدخل فيه المنافقون والمفسدون من ناحية، ليخرجوا لنا من الناحية الأخرى أشخاصًا أسوياء يتمتعون بالشرف والصراحة والشجاعة، كنت أتمنى أن تتبنى الدولة مشروعاً قومياً مثل مستشفى السرطان ليخضع كل المنافقين والمفسدين للعلاج ليعودوا بعده أشخاص صالحين لأنفسهم قبل مجتمعهم، وقتها ربما يختفى الكثير من النماذج التى عانينا ومازلنا نعانى منها، وربما يتحول المنافق لعملة نادرة نضعها داخل المتحف المصرى.