وكالات من السهل على المار في شوارع العاصمة المصرية القاهرة أن يلاحظ العدد الكبير من عمال البناء، الذين يقدر عددهم ب2 مليون و800 عامل، وفق إحصاء لوزارة القوى العاملة المصرية عام 2011، وهم يخاطرون يوميا بحياتهم من أجل توفير قوتهم اليومي وتلبية احتياجات ومتطلبات ذويهم. “لم أختر عملي هذا طوال 14 عامًا حيث وجدت نفسي مجبرًا على العمل بالمعمار للحصول على المال من أجل إعالة أسرتي”، بهذه الكلمات بدأ الشاب العشريني، رمضان عيد، يروي معاناته ومئات الآلاف مثله من عمال البناء بمصر الذين يشيدون أبراجا شاهقة بظهور منحنية.
ويقول الشاب العشريني، خلال عمله بواسطة ماكينة لخلط الإسمنت والرمال: “عملي غير ثابت وفي أيام كثيرة لا أعمل، والأصعب أن العمل مرهق، وسبب لي الكثير من المشاكل الصحية، وعلى الرغم من ذلك، لا أستطيع الرحيل عن العمل والاستراحة في المنزل”.
عبد الذي لم يكمل دراسته لغاية إعالة أسرته، يقول إنه بدأ هذه المهنة منذ أن كان في العاشرة من عمره من خلال القيام ببعض الأعمال الخفيفة حتى اشتد عوده ليقف على ماكينة خلط الإسمنت والرمال التي تحتاج إلى خبرة ومجهود كبيرين.
صاحب البشرة السمراء من فرط التعرض للشمس يقول إن حلمه لا يتجاوز الحصول على 100 جنيه مصري ( أقل من 15 دولارًا) يوميًا.
ويمضي قائلا إنه أثناء مباشرة عمله، تكون فرصة ضياع أجره اليومي واردة جدا، خاصة أنه مصاب بكثير من المشاكل الصحية، فتارة يشتد به سعال، ومرات يجد نفسه غير قادر على النهوض، لكن لا بديل أمامه سوى الاستراحة قليلاً في موقع العمل ثم العودة مجددًا لممارسة مهامه، وفق قوله.
وينادي عيد زملاءه لتناول الطعام وأخذ قسط من الراحة، وخلال هذه الراحة القصيرة يفترش العمال بعض أوراق الجرائد على الأرض ويتناولون أكلة شعبية شعبية قليلة التكلفة تشمل الفول والفلافل والباذنجان، ويتجاذبون في ما بينهم أطراف الحديث عن الحكايات والمواقف المضحكة. وبعد تناول الطعام، يحصل كل عامل على كوب شاي يستعيد به طاقته للعودة إلى العمل رغم كل الظروف المحيطة التي قد لا تساعدهم على العمل بشكل آمن.
عدم شعور هؤولاء العمال بالأمان سببه أن عمال البناء في مصر، والذين يطلق عليهم “التراحيل”، ليسوا مثل غيرهم من العمال النظاميين في المصانع الحكومية والشركات الخاصة، فهؤلاء عمال اليوم الواحد ليس في مقدورهم أن يضربوا عن العمل يومًا إذا ما استغل صاحب العمل مجهودهم أو لم يعطهم حقهم كاملا، وإذا تعرض أحدهم لحادث أثناء العمل فلا تأمين على حياته، كما أنهم لا يحصلون على أي معاشات تقاعد، حسب أحد العمال.
ناجح يبلغ من العمر 32 عامًا، وهو أب لطفلين، بنت وولد، سقط من الدور الأول في إحدى العمارات، فكسرت ذراعه وتوقف عن العمل لمدة 3 أشهر، يقول: “إن جسده حتى الآن متأثرٌ بالكسر”، مضيفا: “صحتي هي رأس مالي، وفي حال مرضي، فإن أبنائي لا يجدون أي مال”.
أما ناصر، الذي نال حظًا وفيرًا من التعليم مقارنة بباقي زملائه في العمل، إذ حصل على دبلوم (مؤهل متوسط) زراعة واستصلاح أراض، فطالما حلم بالعمل في مجال الزراعة، لكن ظروفه المادية لم تسمح، واضطر إلى العمل كحارس عقار وعامل معمار في نفس الوقت، كما يشرك أحد أطفاله الأربعة معه في العمل.
وعادة ما يأتي الكثير من العاملين في البناء من أقاليم خارج القاهرة، منهم المتزوج، ومنهم الأعزب، وتسكن مجموعات من غير المتزوجين معًا، ومع نهاية كل أسبوع يعودون إلى أقاليمهم.
ومع اقتراب غروب الشمس، يخفت صوت ماكينات البناء شيئًا فشيئًا، وكأن الشمس تبعث الروح في العمال والماكينات رغم قسوة حرارتها، ويخلع العمال ملابس العمل وينطلق كل منهم نحو وجهته التي يحصل فيها على قدر من الراحة.
ولا تنتهي المعاناة بانتهاء ذلك اليوم بل تتجدد رحلة أخرى نحو البحث عن عمل جديد للغد، حيث يجلس البعض منهم في المقاهي في انتظار من يطلبهم لشغل جديد، وفي ذات الوقت يتجاذبون يتسامرون بلهجاتهم المختلفة ما بين صعيد مصر ودلتا النيل وإلى جانبهم أكواب الشاي. وبعد انتهاء صلاة العشاء، تقترب الجلسة من النهاية، فيرحل كل منهم إلى بيته ساكنًا إلى الراحة منتظرًا شروق يوم عمل جديد.
خالد المصري، مدير إدارة العمالة غير المنتظمة بوزارة القوى العاملة، قال إن الوزارة “نجحت في تسجيل حوالي 350 آلف عامل من الرقم الإجمالي للعمالة غير المنتظمة، يحصلون على تأمين صحي واجتماعي”.
وأضاف المصري أن الوزارة "تحاول جاهدة أن يصل عدد العمال المسجلين إلى مليون عامل مع نهاية 2014"، مشيرًا إلى أن المادة 17 من الدستور المصري ستساعد العامل غير المنتظم في الحصول على حقوقه.
وتنص المادة 17 على “تكفل الدولة بتوفير خدمات التأمين الاجتماعي. ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي الحق في الضمان الاجتماعي، بما يضمن له حياة كريمة، إذا لم يكن قادرًا على إعالة نفسه وأسرته”.
وكما جاء في نص المادة: “في حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة. تعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين والصيادين، والعمالة غير المنتظمة، وفقًا للقانون”.