يعيش العاملون بماسبيرو الآن لحظات صعبة، لا أحد يعلم ماذا سيحدث غداً فى هذا المبنى العتيق الذى أصبح يضم أكثر من 45 ألف موظف تتحمل ميزانية الدولة رواتبهم دون أن يقدم كل هذا الجهاز بضخامته أى مكاسب يمكن أن يعتمد عليها ذاتياً بعيداً عن مد يده فى بداية كل شهر للدولة لتتحمل شهرياً 220 مليون جنيه، إرث التليفزيون المصرى ثقيل، لا يستطيع تحمل وزره شخص بعينه، فالموضوع أصبح أثقل من قرارات يتخذها رئيس الاتحاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولا حتى لجوء رئيس الوزراء المصرى المهندس إبراهيم محلب لمجموعة من خبراء الإعلام وقيادته لوضع خطط هيكلة لماسبيرو ليتخلص من صداعه المزمن، فمديونية المبنى حتى كتابة هذه السطور 20 مليارًا! لا أعلم من أين سيتم سداد هذه المديونية الضخمة. وفى الحقيقة ما فعله عصام الأمير بالمبنى حتى هذه اللحظة يعتبر إعجازًا، لأن أى شخص كان سيجلس مكانه على كرسى رئاسة الاتحاد كان سيعانى الأمرين من إضراب للعاملين ومظاهرات يومية للحصول على حقوقهم المتأخرة، ولكن شعور العاملين تجاهه بأنه واحد منهم جعل الجميع يسانده، ويكفى موقفه الشريف فى الرد على المعلومات الخاطئة التى صرح بها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى لقائه مع الإعلاميين قبل الانتخابات الرئاسية.
ومواجهة الأمير لهذه التصريحات ببيان صحفى صحح من خلاله المعلومات المغلوطة التى مد بها رجال حملة السيسى مرشحهم الرئاسى، وهو الموقف الذى يحاول الآن البعض الترويج داخل أروقة المبنى العتيق بأنه السبب الرئيسى للقرار الذى سيصدر قريباً برحيل عصام الأمير عن رئاسة الاتحاد، ولكن للحق ما قام به الأمير موقف يحترم عليه لم نعتده من قيادات المبنى القديم.
ولكن السؤال الأهم حالياً، ما هو مستقبل هذا المبنى ولماذا لا يحاول القائمون عليه فى التفكير لحلول للخروج من الأزمة الراهنة بعيداً عن انتظار اعتماد خطط الهيكلة التى أثق تماماً أنها لن تخرج عن كونها حبرًا على ورق لن يمتلك المهندس إبراهيم محلب أو غيره جرأة تنفيذها تجنباً لإشعال ثورة أكثر من 40 ألف موظف.
قبل عدة سنوات اقترح البعض بعض الحلول لأزمة توفير السيولة لمبنى ماسبيرو، كان من بين هذه الحلول المنطقية من وجهة نظرى، هو تحميل جنيه واحد فقط على فاتورة الكهرباء يتم تخصيصها لتمويل التليفزيون المصرى باعتباره تليفزيون الشعب، فكل بيت مصرى لن يضره شىء إذا تحمل دفع جنيه شهرياً لاستمرار هذا الجهاز العظيم فى العمل، وبحسبة بسيطة سيتم توفير أكثر من 50 مليون جنيه شهرياً، لن يتم بالطبع توجيهها لدفع رواتب الموظفين ولكن لإنتاج مواد تحقق مقبولا إعلانيًا يضمن لهذا الجهاز الكسب والاستمرار فى تقديم خدماته.
الحل الآخر الذى فكرت فيه شخصياً، هو لماذا لا يقوم اتحاد الإذاعة والتليفزيون بتأسيس شركة خاصة تطلق مجموعة قنوات فضائية خاصة، يمدها التليفزيون المصرى بالكفاءات البشرية والمواد النادرة التى يملكها، لينافس بها القنوات الخاصة ويحقق من خلالها أرباحًا مضمونة.
لماذا لم يفكر أى من المسئولين فى هذا المبنى العتيق أن يتعاقدوا مع باسم يوسف لتقديم برنامجه على شاشة التليفزيون المصرى، هل يعلمون حجم المكاسب المادية والأدبية التى سيحققها مثل هذا القرار، ولا أحد يحدثنى عن مواقف باسم ولا وطنيته، فباسم نجح لأنه أخرج ما كان يشعر به الشعب، وربما تصرف بحماقة فقط عندما قرر أن يتحدى رغبة الناس ويواصل انتقاده للسيسى فى وقت كان أغلبية المصريين لا يتحملون كلمة واحدة ضد هذا الرجل، ولكن بالتأكيد ظهور باسم على شاشة التليفزيون المصرى سيكون قرار فى مصلحة التليفزيون أولاً والقيادة السياسية ثانياً التى يجب أن تبدأ فى التعامل بطريقة مختلفة مع النقد لأن نغمة الحرب ضد الإخوان والإرهاب بدأت تفقد بريقها!
وبخلاف هذه الأفكار، لماذا لم يحاول المسئولون فى ماسبيرو تقديم برنامج يومى يضم إعلاميين مصر بالكامل، فنحن نمتلك الآن أكثر من 30 إعلاميًا ناجحًا، لماذا لا يتم الاتفاق معهم ومع قنواتهم الفضائية على ظهور كل واحد منهم مرة واحدة فى الشهر، وليكن اسم البرنامج «تحيا مصر» هل يعلم المسئولون كم الأرباح التى سيحققها هذا البرنامج الذى يضم كل نجوم الإعلام المصرى!
وبخلاف هذا، كيف لم يفكر أى من قيادات ماسبيرو فى استغلال التراث المباح على موقع يوتيوب، وهو الموقع الذى من الممكن أن يوفر للتليفزيون المصرى ملايين الجنيهات بشكل شهرى، إذا ما تم استغلال المواد التى يملكها بشكل واقعى وخاطب الموقع العالمى لرفع أى مواد تعود ملكيتها للتليفزيون المصرى.
أفكار تطور ماسبيرو كثيرة ولكن المشكلة الحقيقية هى الرعب الذى يسيطر على عقول العاملين به من أى عملية إحلال وتجديد، وضعف شخصية أصحاب القرار السياسى فى اتخاذ قرارات تعيد البريق لهذا الجهاز العظيم الذى يتشابه كثيراً مع واقع مصر من حيث العشوائية فى الأداء.