لعبت الخارجية المصرية، برئاسة الوزير سامح شكري، دورًا هامًا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث استطاعت في فترة وجيزة فرض وجهة النظر المصرية، والحصول على اعتراف دولي بنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، بطريقة غير مباشرة، عن طريق المباحثات والاتصالات التي قامت بها دول وصفت 30 يونيو بالانقلاب. فبعد أن كانت القاهرة تعاني من عزلة دولية من بعض الدول، وتضيق من دول أخري، من أمثال "أمريكا" وبريطانيا ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي، استطاعت الخارجية المصرية، أن تفرض رأيها وبقوة على المجتمع الدولي، سواء عن طريق تسويق وجهة النظر المصرية، أو حشد تأييد المبادرة المصرية حول وقف العدوان.
فخلال مايقرب من 50 يومًا من العدوان الإسرائيلي، وقفت القاهرة صامدة أمام محاولات كل من تركيا وقطر وحركة حماس، تهميش دورها ، لكي لا تعطيها فرصة العودة مجددًا إلي الساحة الإقليمية والدولية، ولجأت كل من تركيا وقطر ، لفرض مبادرة ثانية لكي تقف في وجه المبادرة المصرية وتسحب البساط من تحت أقدام المصرية، بعد أن أعلن المجتمع الدولي دعمه الكامل لها، وحظيت بتأييد عربي كاسح، وتوافد وزراء الخارجية على القاهرة لدعمها.
وتمثل المخطط القطري التركي الحماساوي، تجاه مصر، في مؤتمر باريس الذي عقد بحضور كل من وزراء خارجية الولاياتالمتحدة وقطر وتركيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، وتجاهل القاهرة، رغم تأييد المجتمع الدولي لمبادرتها.
البداية كانت ببيانات مصرية متعاقبة تدعو كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، إلي وقف العنف، وتحكيم العقل، والبعد عن استهداف المدنيين، وأعقبها مبادرة تشمل عدة بنود لوقف العدوان الإسرائيلي على القطاع، بما يضمن الحقوق الفلسطينية، ويوقف نزيف الدم.
ونصت المبادرة المصرية الخاصة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة بشكل واضح علي رفع الحصار الذى تفرضه السلطات الإسرائيلية علي الشعب الفلسطيني الشقيق في القطاع، وذلك في الفقرة الثالثة منها والتي تنص بوضوح علي فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع عبر المعابر الحدودية.
ودعت مصر كل من إسرائيل والفصائل الفلسطينية إلى وقف فورى لإطلاق النار، نظراً لأن تصعيد المواقف والعنف، والعنف المضاد وما سيسفر عنه من ضحايا لن يكون في صالح أى من الطرفين.
وتعرضت مصر لسلسلة من الأكاذيب والإدعاءات والمراوغات من جانب مسئولين وقيادات من حركة حماس، حيث ادعى عدد منهم زوراً وبهتاناً أن مصر قد وجهت دعوة لحركة حماس لاستقبال رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل لبحث التهدئة، وأن الأخير رفض هذه الدعوة، وهو أمر عار تماماً عن الصحة ولا يمت للواقع بأي صلة حيث لم تقدم مصر الدعوة للحركة أو قياداتها لزياراتها في الفترة الأخيرة.
وأجري شكري مجموعة من الاتصالات على المستوي الدولي، حيث أجري اتصالا هاتفياً يوم 13 أغسطس، مع نظيره الأمريكي جون كيري وذلك في إطار التشاور المشترك حول الأزمة الراهنة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة وتواصل العمليات الإسرائيلية العسكرية علي قطاع غزة.
وعلى هامش رئاسته لوفد مصر في اجتماع مجلس جماعة الدول العربية علي المستوي الوزاري في دورته غير العادية بالقاهرة، أجري شكري اتصالات مكثفة لتنسيق المواقف مع عدد من وزراء الخارجية العرب بهدف العمل علي سرعة وقف العمليات الإسرائيلية علي قطاع غزة وحشد الدعم والتأييد العربي للمبادرة المصرية الخاصة بوقف فوري لإطلاق النار وحقن دماء الفلسطينيين من المدنيين الأبرياء.
ودعمت دول أوروبية وأسيوية، المبادرة المصرية، حيث وجه وزير الخارجية اليابانى "فوميو كيشيدا" رسالة إلى شكرى حول الوضع الميدانى فى غزة، أعرب فيها عن قلق اليابان من استمرار الأزمة الحالية، وحرص اليابان على تحقيق وقف إطلاق النار والتهدئة ودعمها للمبادرة المصرية.
وفي خضم المفاوضات، أجري الوزير أربع مقابلات صحفية يوم 17 يوليو 2014 مع قناة بي بي سي التليفزيونية البريطانية وشبكة الأسوشيتدبرس باللغتين العربية والإنجليزية، حيث تناول فيها تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، والمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار بالإضافة إلي الأوضاع في ليبيا وبعض القضايا الإقليمية.
وفي الوقت الذي يتم فيه التركيز علي معبر رفح لإظهاره كمنفذ وحيد أمام الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة في ظل هذه الأوضاع المتدهورة، تجاهلت كل من تركيا وقطر، المعابر الأخري، وضرورة التزام إسرائيل بفتح المعابر الأخري باعتباره التزاماً قانونياً تفرضه اتفاقيات جنيف الأربع بوصف إسرائيل "قوة احتلال" Occupying Power وعليها مسئوليات ضمان وصول المواد والسلع الأساسية لسكان القطاع الذين يخضعون لسلطة الاحتلال الإسرائيلي كون إسرائيل تسيطر علي القطاع براً وبحراً وجواً.
ولم تكتف مصر طوال تلك الفترة، عن إصدار بيانات إدانة، جاء فيها تتابع جمهورية مصر العربية بقلق بالغ استمرار استهداف المدنيين خاصة الشيوخ والنساء والأطفال في قطاع غزة، وتستنكر الاستخدام المفرط وغير المبرر للقوة من جانب إسرائيل ضد الأبرياء في القطاع.
كما تدين مصر بأقسي العبارات حادثي قصف احد المنتزهات في مخيم الشاطئ ومجمع الشفاء الطبي في قطاع غزة الامر الذي أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المدنيين الأبرياء من بينهم استشهاد اكثر من 10 أطفال فلسطينيين، وتدين أيضاً كافة أشكال العنف التي تستهدف المدنيين الأبرياء.
وأجري شكري اتصالات مكثفة، الأول من اغسطس مع كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومع وزير الخارجية الامريكي جون كيري بالاضافة الي اتصالات مع عدة أطراف عربية وإقليمية ودولية فاعلة لمتابعة الموقف المتدهور علي الأرض الذي حدث في قطاع غزة، وأهمية الالتزام الكامل من جانب الأطراف المعنية بوقف إطلاق النار والاستفادة من ذلك لبدء المفاوضات بينها لتناول كافة القضايا التي تهمها.
وفي إطار الجهود المبذولة لتخفيف المعاناة علي الأشقاء الفلسطينيين خلال العدوان، فتحت مصر معبر رفح بشكل مستمر منذ بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية علي قطاع غزة، عن طريق استقبال الجرحى والحالات الإنسانية ونقل المساعدات الغذائية والدوائية.
حيث بلغ عدد الذين عبروا من قطاع غزة إلي مصر منذ فتح المعبر وحتي يوم 3 أغسطس تجاوز 3900 فلسطينياً في حين بلغ عدد الذين عبروا من مصر إلي غزة حوالي 2150 شخصاً خلال نفس الفترة، فضلاً عن إدخال أكثر من ألف طن من المساعدات الغذائية والطبية والموافقة علي إدخال كميات من الأدوية والمواد الغذائية والأغطية إلي قطاع غزة برفقة ثلاثة مواطنين تونسيين ، بالإضافة إلي استقبال الجرحي والمصابين الفلسطينيين جراء الاعتداءات لإسرائيلية وتسكينهم بالمستشفيات المصرية لتلقي العلاج. ونبع موقف المصرى من قطاع غزة على عاملين أساسيين ، يتمثلان فى ضرورة عدم تكريس الانقسام بين الضفة وقطاع غزة ، وضرورة توحيد الشعب الفلسطينى من ناحية وعدم إلقاء مسئولية قطاع غزة على مصر من ناحية أخرى ، حيث أن إسرائيل لا تزال سلطة احتلال للقطاع وهى مسئولة عنه بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.
وسعت مصر للوفاء بإلتزاماتها التاريخية تجاه أشقائنا فى فلسطينالمحتلة فى قطاع غزة والضفة الغربية ، من خلال الموازنة بين إعتبارين أساسيين : الحفاظ على الأمن القومى المصرى ( مثل تهريب السلاح ، وتدمير خطوط الغاز ، وإستهداف العسكريين والشرطة ، وعمليات التهريب الجارية من شبكات إجرامية عبر الحدود ، 00 إلخ )، وبين محاولة تخفيف الحصار المضروب على القطاع من خلال تسهيل مرور المواطنين الفلسطينيين فى قطاع غزة عبر معبر رفح البرى، وكذلك التنسيق لدخول المساعدات الإنسانية للمساعدة، علماً بأن معبر رفح مخصص لعبور الأفراد فقط وليس مؤهلاً للاستخدام التجاري.
واستمرت السلطات المصرية فى فتح المعبر والسماح بمرور الأفراد عبره وإيصال المساعدات الإنسانية إلى أهالى القطاع ، وذلك على الرغم من الظروف الاستثنائية التى مرت ولا تزال تمر بها مصر وعلى رأسها العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب فى منطقة شمال سيناء وهدم الأنفاق بين مصر والقطاع والتى كانت سبباً فى كثير من المشاكل الأمنية لمصر وكانت مصدراً للقلاقل ليس على الصعيد الوطنى فقط وإنما على الصعيد الإقليمى أيضاً.
وقامت مصر بالدفع نحو إعادة العمل فى معبر كرم أبوسالم مع الحكومة الإسرائيلية وكافة المعابر الأخرى على الجانب الإسرائيلي، مع الضغط لرفع الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات.
واتهمت وسائل إعلام فلسطينية، الجيش المصرى بإرسال شحنات غذائية فاسدة الى أهالى قطاع غزة ، مشيرة القاهر، إلي أن ذلك يدخل فى اطار حملة التشويه الممنهجة للجهود المصرية والتى تشنها حماس ، حيث أن المساعدات الغذائية التى دخلت القطاع ، هى ذاتها التى يوزعها الجيش المصرى على المصريين المقيمين فى الاماكن النائية بمصر.
وكان البيان الأخير للخارجية، والذي تكلل خلاله المجهودات المصرية لوقف العدوان، ورفع المعاناة عن الأشقاء الفلسطينية، قد تضمن:" حفاظاً على أرواح الأبرياء وحقناً للدماء واستناداً إلى المبادرة المصرية 2014 وتفاهمات القاهرة 2012، دعت مصر الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إلى وقف إطلاق النار الشامل والمتبادل بالتزامن مع فتح المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل بما يُحقق سرعة إدخال المساعدات الإنسانية والاغاثية ومستلزمات إعادة الإعمار والصيد البحري انطلاقاً من 6 ميل بحري، واستمرار المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين بشأن الموضوعات الأخرى خلال شهر من بدء تثبيت وقف إطلاق النار.
وفى ضوء قبول الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بما ورد بالدعوة المصرية، فقد تحددت سعت 1900 "بتوقيت القاهرة يوم 26/8/2014 لبدء سريان وقف إطلاق النار".
وأكدت مصر مُجدداً التزامها الثابت بدورها الذى تمليه حقائق التاريخ والجغرافيا وبمسئولياتها الوطنية والعربية والإقليمية، وبما ينبثق عن ذلك من العمل على تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني ودعم قيادته، والحرص على تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لتحقيق السلام والأمن في المنطقة وبما يُسهم في ازدهار ورخاء كافة دولها وشعوبها".