يملك اتحاد الصناعات صندوق مبررات جاهزة يفصل من خلالها القوانين والقرارات ويضغط على وزارة الصناعة والتجارة لإقرارها.. تقربا من بعض أعضائه من كبار رجال الأعمال والمحتكرين. حمى اتحاد الصناعات رجل الأعمال أحمد عز من كل أنواع المنافسة وقت سيطرته على سوق الحديد وتربعه وحيدا على رأس هذه السوق، وساهم معه فى غلق عدد كبير من المصانع التى لم تقو على المنافسة، كان ذلك خلال تربع عز على رأس النظام، نظام مبارك، وفرض رسوم حماية منعت المصريين من فرصة بناء منازلهم بأسعار عادلة للحديد.
الآن يعود اتحاد الصناعات لنفس اللعبة ويبادر فور خروج أحمد عز من السجن ويطلب فرض رسوم حماية على الحديد المستورد بواقع 300 جنيه للطن، وتقدم الاتحاد بمذكرة لوزارة الصناعة لم يتم البت فيها حتى الآن.
ولم يفرق الاتحاد فى طلب الحماية بين الحديد الصينى الذى تدعمه الدولة هناك بنسبة 25% من قيمة المنتج، وبين الحديد الأوروبى والتركى الذى يباع فى السوق المصرية بنفس أسعاره فى تلك الدول، ويكفى الحكومة المصرية واتحاد الصناعات ومصانع الحديد المصرية رفع قضية اغراق على الحديد الصينى، وهى قضية مضمونة نظرا للدعم الحكومى هناك للمنتج، وكفيلة بوقف واردات مصر من الحديد الصينى، وهى كميات ضئيلة جدا حتى الآن، وخلال الاشهر الستة الاولى من عام 2014 لم تتجاوز كميات الحديد الصينى التى دخلت مصر 30 ألف طن معظمها ليست حديد تسليح وانما ألواح تستخدم فى صناعة المسامير والسلك، ما يعنى أن واردات الحديد الصينى شهريا لا توازى انتاج ربع يوم فى مصانع مجموعة عز.
طلب اتحاد الصناعات بفرض رسوم حماية على الحديد المستورد جاء فى وقت غير مناسب، فالبلد يستعد لمرحلة نمو كبيرة، خاصة فى مجال المقاولات والإنشاءات، سواء فى المشروعات القومية مثل محور تنمية قناة السويس ومشروعات الإسكان الشعبى والمتوسط والمدن الجديدة وفتح الامتداد العمرانى للمحافظات، بالإضافة إلى المشروعات الخدمية التى توقفت اعتماداتها خلال سنوات الثورة ومن المتوقع عودة العمل فيها قريبا مثل المدارس ومحطات المياه والكهرباء وغيرها، كل هذا يعنى مزيدا من الطلب على الحديد، وقد نعود لمرحلة اضطرت فيها مصانع الحديد الكبرى وعلى رأسها مجموعة عز للتجارة والتوزيع التى استوردت الحديد من الخارج، حدث ذلك عام 2009 واستورد عز 300 ألف طن من الخارج، ووصل إجمالى واردات مصر من الحديد فى هذا العام إلى مليون و100 ألف طن.
خلال العام الماضى لم نستورد سوى 200 ألف طن من الحديد التركى و30 ألف طن حديد صينى، وذلك بعد إلغاء رسوم الحماية فى يونيو 2013، واستوردنا تقريبا نفس الكميات خلال النصف الاول من العام الحالى، وهو ما يعنى أن الحديد المستورد ليس له تأثير كبير فى السوق خلال الفترات التى يباع فيها الحديد فى مصر بأسعار عادلة، ولكن المستورد قد يكون طوق النجاة الوحيد أمام لعبة تعطيش السوق والتى وصلت بسعر الحديد الى أرقام فلكية اعوام 2008 و2009، فهل يكون طلب فرض الحماية الجديد مقدمة للتلاعب فى السوق؟
وخلال السنوات التى وصل فيها سعر الحديد الى 8 آلاف جنيه وأكثر كان اتحاد الصناعات هو المدافع الوحيد عن ارتفاع الأسعار، واقام مؤتمرات ضخمة يبرر فيها ارتفاع الأسعار بارتفاع سعر خام الحديد «البيليت» والخردة، ولم تنخفض أسعار الخامات العالمية أو الخردة ولكن أسعار الحديد انخفضت ومازالت الشركات تحقق أرباحاً.. الفارق الوحيد ان هامش الربح الآن فى حدود المقبول، ولم يخرج علينا اتحاد الصناعات وغرفة الصناعات المعدنية لتقول لنا من باب الشفافية كيف دافعت عن ارتفاع الأسعار غير المبرر وكيف تفسر انخفاض الأسعار.
بالطبع لن يجنى أحمد عز وحده ثمار جهود اتحاد الصناعات وغلق السوق فى مواجهة المستورد.. عز يتربع على رأس مجموعة المنتجين الكبار فى سوق الحديد، وتنتج مجموعته ما يقارب 370 الف طن شهريا، بينما مجموعة السويس للصلب المملوكة لجمال الجارحى واللبنانى رفيق الضو تنتج 180 ألف طن شهريا، بينما ينتج بشاى 110 آلاف طن شهريا، بالإضافة لعدد اخر من المنتجين.
يبقى ان نشير إلى ملاحظة اخرى خطيرة قبل أن تتورط الحكومة فى فرض رسوم حماية على الحديد المستورد، فالحكومة عدلت بالفعل أسعار الطاقة للمصانع كثيفة استخدام الطاقة ومنها مصانع الحديد، وهو ما قد تجد فيه غرفة الصناعات المعدنية واتحاد الصناعات فرصة للترويج لمزيد من رفع أسعار الحديد بحجة ارتفاع أسعار الطاقة.. وقد تبرر ذلك ايضا بانخفاض الطلب على الحديد خلال سنوات الثورة، باستثناء عام 2011 وقتها زاد الطلب على الحديد بفضل عمليات البناء العشوائى، وقد يقول لنا اتحاد الصناعات إن الشركات تقلصت أرباحها، وتبحث فى جيوبنا عن مزيد من الأرباح.