الكثير منا عندما سمع عن جنوب أفريقيا لأول مرة ظن أن الأمر لايمكنه تجاوز رحلة سفاري بين الأسود والفيلة والغزلان، وحتمًا اختلطت في ذهنه المتعة بالخوف الذي طالما ارتبط بالتمييز العنصري في القارة السوداء، ولربما كان المنظر المختزن لا يتجاوز طبيعة بكرًا وأكواخًا بسيطة وفقراء يتوزعون على جوانب الطرقات. لكن بمجرد أن تطأ قدمك أرض المطار، ومن أول إطلالة على جنوب إفريقيا تتغير بوصلة التقدير السياحي لديك تمامًا وتصبح الدهشة، والمفاجئة، والمتعة رفقاء يلازمونك في كل مكان، وكل هذا بسبب أن جنوب إفريقيا أصبحت الوجهة السياحية الفاخرة الأكثر تنوعًا، وجمالًا، وذكاء، بفضل مساحة الاختيارات العديدة.
من نعم الله أن فصل الصيف المشتعل في بلادنا العربية يقابله تمامًا في جنوب إفريقيا فصل بارد وسماء ممطرة، ومرتفعات تطل على البحر، وأراض تلبس أثوابًا خضراء، وغيوم وضباب وأصوات أمواج ونوارس.. بمعنى أن الحياة تكون في هيئتها الأخرى وبوجهها الجميل الآخر. جنوب إفريقيا كبيرة في المساحة، وكريمة جدًا في تنوع التضاريس الطبيعية، ففيها الغابات وفيها الصحاري، وفيها الأرض المنبسطة وفيها الجبال والأنهار، وفيها موارد طبيعية ثمينة وبوفرة، فهي أكبر منتج للذهب في العالم، كما أنها أكبر منتج للألماس، لذا فإنها عاصمة المجوهرات في العالم. وسنتحدث عن ثلاث مدن تحضن أشهر الأماكن السياحية التي تمنح رحلة غير اعتيادية:
مدينة جوهانسبيرغ Johannesburg غالبًا ما تكون الرحلات متوجهة من كثير البلاد العربية إلى مطارها،وهي أكبر مدن جنوب إفريقيا وثالث أكثر المدن الإفريقية اكتظاظًا بالسكان بعد القاهرة ولاغوس وهي عاصمة محافظة غاوتينج أغنى محافظاتجنوب إفريقيا وبها المحكمة الدستورية الجنوب إفريقية. المدينة مليئة بالفنادق والمطاعم والمراكز اللافتة التي تناسب المهتمين بالتاريخ والحضارات، مثل مركز ساندتون التجاري Sandton Shopping Centre وهو مجمع تجاري كبير جدًا بوسط منطقة السانتدون Sandton وبوسطه ساحة جميلة موجود بها تمثال للزعيم نيلسون مانديلا تعرف باسم ساحة مانديلا. وأيضًا Gold Reef City مدينة جولد ريف التي تعد المتنزه الأول والرئيسي لمدينة جوهانيسبيرج يستمتع السائح فيها بمشاهدة المناظر الطبيعية الرائعة خلال استقلاله لأحد القطارات الشهيرة لينال جولة مميزة تمكنه من زيارة أحد مناجم الذهب على عمق 720 قدمًا حيث يشاهد سبائك الذهب الخالص. مركز كارلتون التجاري the Carlton Center واحدة من أهم ناطحات السحاب في المدينة. وللتعرف على تراث وثقافة البلاد لابد من زيارة محكمة العدل العليا the Supreme Court والضواحي الشمالية المكان الذى يقطنه اليوم الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، وكذلك المتحف الأفريقي the African Museum. وهناك حديقة الحيوانات (Johannesburg Zoo ) التي تستطيع أن تجد بها الأسد الأبيض،و Lion Park متنزه الأسود الذي ترى فيه مدى الاهتمام بالحياة الحيوانية ورعايتها. وقد أنشئت في عام 1995 في منطقة سياحية خمسة منازل مختلفة تمثل كل منها ثقافة مختلفة وسميت Lesedi Cultural Village وسبب تسميتها يعود لكون الزعيم : مو شواي شواي MOSHOESHOE منقذهم في حروب Mfecane، قام بتوحيد خمسة شعوب وهم: Pedi / Zulu / Xhosa / Basotho / Ndebele. كان مع كل شروق للشمس يقول عبارة (Ke Bona Lesedi) بلغتهم وتعني (I see the light) ليسدي Lesedi في لغة السيسوتو ( Sesotho) تعني (مكان الضوء أو النور) وتستطيع قضاء يوم كامل هناك أو المبيت وتجربة الحياة الثقافية لشعب جنوب إفريقيا الأصلي وتناول طعامهم أيضًا.
مدينة صن سيتي Sun City في عام 1980م عبرت طائرة خاصة سماء جنوب إفريقيا وبالتحديد فوق منطقة بو ثيسوانا وكانت تحمل المليونير المقاول «سول كيرزنر» الذي كان يبحث عن مشرع سياحي لعمل منتجع وفجأة وقع بصره على بقايا القصر الضخم في المدينة المفقودة فعلم عندها أنه وجد حلمه وضالته وقرر إعادة المدينة المفقودة إلى ما كانت عليها وعندما بدأ المشروع قابل العديد من الانتقادات وشكك الكثير في المشروع السياحي في هذه المنطقة بالذات وقالوا إنه إنما يعمل منتجعًا في مرج قاحل في منطقة بوثيسوانا وهي موطن قبلي صغير في جنوب إفريقيا ولكن المقاول سول نجح بعد عشر سنوات في إعادة المدينة المفقودة إلى الوجود وإلى روعتها السابقة بعد أن استغرق في ترميمها الكثير من الجهد والمال وحقق كيرزنر حلمه الكبير في بناء واحد من أفخم فنادق العالم وأصبحت «Sun City أو مدينة الشمس» منتجعًا مبتكرًا ومذهلًا فتح عهدًا جديدًا لمفهوم السياحة والضيافة في العالم حيث تتشابك فيها الأسطورة والواقع، من يزورها لابد أن يعيش تجربة فريدة من نوعها، هذه المدينة ساهرة دومًا لا تنام،تقع على بعد 187 كيلو مترًا من مطار جوهانسبيرغ الدولي أي ما يقارب مسافة الساعتين بالسيارة تقريبًا. من الرائع أن يبدأ السائح جولته بزيارة وادي الأمواج The Valley of Waves الذي من ضمن نشاطاته النهر الكسول Lazy River فهناك رحلات مائية على الإطارات المطاطية عبر هذا النهر. وأيضًا البحيرة المائية الهادرة وهي بحيرة صناعية مصممة لتكون ما يشبه شاطئ البحر بأمواجه ورماله البيضاء هذه البحيرة تصنع أمواجًا بحرية بارتفاع 2 متر كل 90 ثانية. ومعبر الشجاعةحيث التحدي الأكبر لمن يملك الشجاعة لركوب الأمواج المتدفقة المنحدرة ليهوي مع الشلالات المتسارعة بعمق 100 متر ينزلق الزوار عبر نصف أنبوبة من ارتفاع 17 مترًا من تحت برج صناعي و من ثم يصطدمون بسطح الماء. ومن المعالم أيضًا القرية التراثية Cultural Village وعالم الفراشات Butterfly World وجسر الزمن The Bridge of Time والجسر المعلق، وحديقة التماسيح Kwena Gardens، وحدائق البوتنشال، وأبواب كونج، كذلك السلالم والحلبة الملكية،والأكثر دهشة عالم الماء، والأكثر إثارة الزحليقة الهوائية Zip Slide الموجودة على رأس قمة أحد جبال مدينة الشمس، ويتم ربطك بواسطة سلك حديدي و التأرجح لمسافة 500 متر قبل الوصول إلى الأرض. هي أماكن ممتعة لابد أن تحظى ببعض الوقت. ومن الممكن تجربة ركوب الخيل، ورؤية الأسود، وعيش رحلة سفاري ممتعة وآمنة. كذلك المدينة تزخر بفنادقها الفخمة مثل فندق قصر المدينة الضائعة Palace of the Lost City Hotel حيث يصنف ضمن أحد أفخم فنادق العالم ويتكون من 338 جناحًا وغرفة، كذلك فندق الكاسكيدس وفندق مدينة الشمس Sun City Hotel و الكابانس The Cabanas من أكثر ما يميز هذه المدينة أن السائح لا يحتاج أبدًا للسيارة في تنقلاته حيث يوجد مايعرف بالشاتيل باص وهو يتحرك بشكل مستمر وعلى مدار 24 ساعة يوميًا بين فنادق هذه المدينة الأربعة ومجمع (الويلكم سنتر) أو الإنترمنت entertainment center وينقله مجانًا ويوجد بها كذلك قطار كهربائي للتنقل بين معالم المدينة.
مدينة كيب تاون CapeTown تعد كيب تاون العاصمة التشريعية لجنوب إفريقيا وهي من أقدم المدن في جنوب إفريقيا وتعد واحدة من المدن الكبيرة وهي مدينة عصرية محافظة على تراثها القديم وفيها عمارات تاريخية لكنها بسرعة توائم بين الماضي والحاضر فعشرات المباني الحديثة والعمارات المرتفعة تتفيأ مكانًا بارزًا في المدينة. الطابع مختلف في هذه المدينة لعدة اعتبارات أهمها اتساع رقعتها وكونها مدينة ساحلية تعتبر مقصدًا للكثير من السياح ولكثرة المناطق بها. ومن أفضل المناطق وأقربها إلى المقاصد السياحية:
جزيرة روبن ايلاند Robben Island وهي ذات موقع تاريخي عالمي تبعد 7 كم عن ساحل كيب تاون حيث كانت الجزيرة في فترة من الفترات هي المنفى والمعتقل لكثير من السياسيين.. وكان أشهر سجين لديهم الرئيس السابق لجنوب إفريقيا نيلسون مانديلا حيث اعتقل لمدة 27 سنة، وأصبحت فيما بعد متحفًا ومزارًا، وتشتمل على جولة بالباص في أنحاء تلك الجزيرة التي لا يتعدى طولها الخمسة كيلومترات ونصف، سعر التذكرة للكبار 150 راندًا وتنطلق القوارب إليها من مرفأ سوق V&AWaterfront.
جبل الطاولة Table Mountain سمي بهذا الاسم لأن قمته مسطحة كالطاولة و تمتد لمسافة 3 كيلومترات ويبلغ ارتفاعه 1085 مترًا ويتميز بالعدد الكبير للنباتات التي تنبت عليه والتي تقدر ب1470 نوعًا، كما تعيش فيه بعض الحيوانات التي لا توجد في أي مكان آخر في العالم. الكثير من المناطق الزاخرة بالدهشة مثل : سايمون تاون Simon's Town، ورأس الرجاء الصالح Cape of Good Hope، وشاطئ البطاريق Boulders Beach،وخليج كالك Kalk Bayهو خليج صغير يتميز بوجود مطاعم على البحر مباشرة لدرجة أن الأمواج تضرب في جدرانها كما تأخذ هذه المطاعم السمك طازجًا من الصيادين الذين يأتون مباشرة من البحر ليبيعوه بالمزاد أمام المطاعم، ويستطيع السائح أن يحظى برحلة مشاهدة الحيتان، ويبدؤها من الوتر فرونت False Bayخليج فولس و هيرمانس Hermanus في هاتين المنطقتين يتمكن السائح من مشاهدة الحيتان من الشاطئ أو حتى أثناء ركوبه في السيارة بمحاذاة الساحل و يكون موسم زيارة الحيتان لهذه كالشواطئ من منتصف يوليو إلى نوفمبر وأفضل وقت هو منتصف سبتمبر حيث تضع الحيتان مواليدها بالقرب من الشاطئ (بعض الأحيان يمكن مشاهدة أسماك القرش الأبيض كذلك) ويمكن للمغامرة أن تستمر هنا برحلة خاصة بركوب الهليكوبتر Helicopter Trips. وفي هذه المدينة هناك طبيعة تتحدث بلغة السياحة البرية، فيمكن للسائح أن يستمتع بذلك عند زيارة مزرعة النعام West Coast OstrichRanch وتتكون من مزرعة للنعام و طيور الايمو و متحف، كما يحوي المصنوعات من جلد النعام و يوجد بالمزرعة مطعم فاخر يقدم أشهى أصناف الأطباق المعدة من لحم النعام وبيضه. كذلك خليج هاوتHout Bayوهو مركز صيد الاستاكوزا وسمك السنوك ويتميز ميناؤه بوجود محلات تبيع التذكارات ومطاعم المأكولات البحرية وبسطات المصنوعات اليدوية. ومن الممتع عند الكثير أن يذهب في رحلة باليخت إلى جزيرة صخرية صغيرة تغطيها أسود البحر و هي ودودة جدًا مع السياح، الرحلة جميلة جدًا، أو التوجه إلى شاطئ الجبل الأزرق و هو شاطئ رملي يتميز بإشرافه على جبال كيب تاون جميعها وتظهر هذه الجبال لمرتادي هذا الشاطئ بلون أزرق غريب. كذلك الذهاب إلى عالم الطيور World of Birdsفي Hout Bay حيث يحتوي على أكثر من 3000 طير في بيئات مماثلة لبيئاتها الطبيعية. وحديقة الزهور Kirstenbosch Botanical Gardens أيضًا تحظى باهتمام بالغ، وهي حديقة على مساحة 528 هكتارًا وتحتوي على آلاف الزهور التي تنمو في جنوب إفريقيا فقط بالإضافة إلى بعض الزهور التي تنمو في مناطق أخرى من العالم. وحين يريد السائح تجربة شيء جديد فعليه التوجه إلى Signal Hell هضبة الإشارة وهي هضبة مرتفعة في كيب تاون بها مدافع تطلق الساعة الثانية عشرة تمامًا من ظهر كل يوم و يمكن سماع صوت المدافع من جميع أنحاء المدينة كما يفضل زيارتها في المساء للاستمتاع برؤية أضواء المدينة.
البلاد الملونة تتميز جنوب إفريقيا بوجود تنظيم مثالي جدًا في كل مرافقها الحيوية وخصوصًا في مدنها الكبرى التي تحتضن السياح من كل مكان. والبيوت فيها ملونة، وتتفاوت في الشكل والطراز، كما هو اختلاف الأحياء والأسواق.. ففي جنوب إفريقيا نستطيع أن نرى الحياة المدنية بجميع طبقاتها، وعجائب عاداتها، وغرائب أطباع ساكنيها. عملتها هي الراند، والمواصلات متاحة بكل أشكالها، وتستطيع أن تحصل على سائق خاص بالاتفاق مسبقًا، كما أن الوجبات العربية والحلال منتشرة كثيرًا. السكان في البلاد كما كل شيء آخر ملونون عرقيًا، وثقافيًا، هي بلاد «قوس قزح» لكثرة التداخلات في المكان الواحد حيث يعيش خليط من الشعوب والأمم تتحدر من أصول إفريقية، وأوروبية، وهندية، ويتحدث السكان نحو إحدى عشرة لغة رسمية أبرزها اللغة الإنجليزية،، ويتوزع السكان على تسعة أقاليم هي: الكاب الغربية، الكاب الشرقية، الكاب الشمالية، الولاية الحرة، كوازولو ناتال، الشمال الغربي، جوتنغ، مبومالانجا، الإقليم الشمالي.
طبائع وعادات لكل مجتمع عاداته وتقاليده وعرفه، وهؤلاء الأفارقة لهم أيضًا بعض العادات التي لا يراها البعض حسنة، وخاصة في الغرب، فإن الملامسة والاحتكاك الجسدي الذي يكرهه الإنسان الغربي هو أمر غير مستنكر عند إنسان جنوب إفريقيا، بل إنه محبب ويعني القرب والمحبة، ولعلها مأخوذة من ملاحظاتهم للحيوانات المتوفرة في بلادهم، فاحتكاكها بعضها ببعض دليل المحبة والصداقة والسلام. فالمصافحة قد تطول، واتفاقات التجارة تنتهي بالمصافحة الطويلة، ويستمر الحديث والأيدي متشابكة مع الطرف الآخر ترحيبًا أو شكرًا أو توضيحًا أو تأكيدًا. كما أن الهدايا تعتبر مجاملة ضرورية، فإن الجميع ينتظر من الزائر أو الضيف هدية، وليس بالضرورة أن تكون ثمينة، ولكن المعنى الرمزي للهدية هو الهدية ذاتها. والتدخين غير ممنوع، وليس بمستنكر أن تعج قاعة الاجتماعات بدخان السجائر المتنوع، ولكن عند الأكل يتوقف التدخين، ولا يسمح به إلا بعد الانتهاء من وجبة الطعام والانتقال عنها كلية. وشعب جنوب إفريقيا شعب آكل شره للحوم، وهو يأكل اللحوم بأنواعها، فهو يأكل البقر الوحشي الكبير والصغير، والزرافة والخرتيت، والتماسيح، وكل ما دب على الأرض من الحيوانات باستثناء السباع، كما أنهم أكلة لحوم الماعز والنعام. وحفلاتهم تقام على أساس أن اللحم هو العنصر الأساسي فيها، بل إن الدعوات الرسمية والتكريم لا يتم بدون أكل اللحم وتقديمه على أساس أنه الطبق الرئيسي، وغالبًا ما يكون اللحم مشويا، تقليدا للصيادين الأفارقة، وهم يقدمون ويستهلكون أيضًا أنواعًا أخرى من المأكولات، ولكن ليس بمقدار استهلاكهم للحوم بأنواعها. جنوب إفريقيا عالم غامض، رغم أنه بلا أبواب وبلا سقف، كل شيء في الخارج وتحت الشمس والمطر، هو كون تدخله بدهشة وتخرج منه بتاريخ وحضارة.
