قال تعالي " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا" وقد أمرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بالستر، وفي حديث شريف ما معناه أن رجلا أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال رأيت فلانا يزني فأدار رسول الله صلي الله عليه وسلم وجهه عنه ثم أعاد الرجل قوله مرة ثانية وثالثة فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أفلا داريته بثوبك. فالنواقص البشرية عديدة وقد أمرنا الله بأن يستر بعضنا بعضا. واليوم تبدل الموقف فقد سارع البعض منا في كشف عورات الناس في خضم التحول الإجتماعي بعد الثورة وهذا مصيبة المصائب بالنسبة لمن فعل ذلك لأن مردود هذا يقوم الآخر بالفعل نفسه ويكشف من كشف ستره فمن شق ستر الناس شقوا ستره. وقال أحد الحكماء كن في الحياة عابر سبيل. وأترك وراءك كل أثر جميل فما نحن في الدنيا إلا ضيوف وما علي الضيف إلا الرحيل وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: إذا أردت أن تحيا سليما من الردي دينك موفور وعرضك صينُ فلا ينطقن منك اللسان بسوءة فكلك سواءات وللناس السنُ وعيناك أن أبدت إليك معائبا فدعها وقل يا عين للناس أعين وعاشر بمعروف وسامح من اعتدي ودافع بالتي هي أحسن واليوم وبعد الثورة أنقلب الناس رأسا على عقب وراحوا يكشفون عورات بعضهم البعض لا بقصد العلاج وتصحيح المواقف والنصيحة بل بقصد التشهير فإذا ما كانت المعلومة التى تحت أيديهم لا تكفي للتشهير راحوا يضيفون إليها مثلما حدث من النائب أشرف في مجلس الشعب الذي أتهم الوزراء بصرف مائة وستون ألف جنيه شهريا من الصناديق الخاصة بغير حق مما دفع بالوزراء للأنسحاب من الجلسة وبعد أن تم الأعتذار لهم لعدم صحة المعلومة عادوا إلي الجلسة. وتبدو هذه واقعة بسيطة ولكن حدوثها من نائب عن الشعب ومغالطته لما تحت يده هو من وثائق تكشف أن الأمر لم يكن خطأءا أو سهوا بل عمدا. هذا في مجال مجلس الشعب. وفي باقي المجالات حدث ولا حرج الأبتزاز والأنتهازية وتجاوز حدود الأدب بين المرؤوس والرئيس وتعطيل حقوق الناس وقطع الطرق عليهم وإيقاف المواصلات وإيقاف المصانع وغلق المواني وإيقاف القطارات وإيقاف حركة الطيران. كل هذه المواقف العبثية تدل على حالة الإبتزاز والأنتهازية التى ظهرت من جميع الطوائف بلا استثناء بل زادت وأنتقلت إلي رجال القضاء حيث أوردوا في مشروعهم نصا يبيح ثوريث الوظيفة القضائية بنسبة 25% من التعيينات الجديدة. وفي المجال السياسي أيضا حدث ولا حرج في التلاسن فيما بينهم وتلفيق الأخبار الكاذبة لحازم أبو إسماعيل وللبرادعي ولعمرو موسي ولمنصور حسن بل وللشيخ محمد حسان رغم إنه لا يسعي للرئاسة. هذا المشهد السياسي يختلف كل الأختلاف عن المشهد التونسي أختلافا شاسعا فقد ساروا للبناء ونحن سرنا للهدم والفناء وقضينا على كل فضيلة بيننا وخير دليل على ذلك إنه في العقد الأول في القرن العشرين كان المصريون يحتفلون بكلًُُ من مصطفي كامل ومحمد فريد وعملوا لهم التماثيل وفي العقد الثاني كان سعد زغلول وتوفيق الحكيم ويوسف وهبي وفي العقد الثالث مصطفي النحاس وفي العقد الرابع طه حسين وعباس العقاد وفي العقد الخامس جمال عبد الناصر وأم كلثوم وفي العقد السادس الشهيد عبد المنعم رياض وفي العقد السابع أنور السادات ثم توقف الشعب المصري عن تمجيد أبطاله رغم كثرتهم وأراق على ثيابهم الدماء وهذا إن دل على شئ يدل على مدي انحدار الشعب المصري في إنه يسفه أبطاله رغم أنهم جاوزوا عنان السماء مثل الشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ يوسف القرضاوي والبابا شنودة ونجيب محفوظ والبرادعي وأحمد زويل وكل هؤلاء أبطال ولكن في الساحة المصرية بعد الثورة أصبحوا كل هؤلاء أقزام وأرقوا على ثيابهم الدماء إلي هذا الحد من التطاول!!! وكانت المصيبة العظمي أننا لم نشهر ببعضنا بعضا فقط بل كشفنا عورات أنفسنا فالعمال والموظفين الذين يقطعون الطرق ويغلقون المصانع والمواني لا يستحوا من أنفسهم في أنهم مبتزين وأنتهازيين ولم يستحوا أن هذه عوره تلاحقهم لأن هذه الوسيلة ليس مبررا لأعطائهم حقوقهم لو كانوا مستحقين لها فعلا ولم يستحوا أنهم سببوا أضرار أقتصادية متفاقمة ولم يستحوا من أن الأحتياطي الأجنبي أخذ في النفاذ ورغم ذلك يقفون في جرءة منقطعة النظير ليطلبون حقوقهم ويسقطون واجباتهم أمام الدولة التى توجب أن يسارعوا في العمل لوقف نزيف تآكل الأحتياطي الأجنبي ولزيادة الأنتاج ولوقف معدل التضخم فإذا كان لهم حق فللدولة حقوق. وعلى هدي ما تقدم فهؤلاء المبتزين الأنتهزايين أسقطوا واجباتهم وهي واجبة قبل حقوقهم وضربوا أسوأ الأمثال في أن ثورة مصر لم تكن كثورة تونس تسعي للبناء بل كانت ثورة لكشف العورات وليس عورات الآخرين فحسب بل عورات أنفسهم أولا وأخيرا ولا ينال من ذلك أن هناك أخطاءا بالجملة في النظام السابق فهذا مردود عليه أن هناك جهات للمحاسبة وأن لم تتم اليوم فسوف تتم في الغد كما أن هذا عذر أقبح من ذنب والسؤال هل مثل هذه الوقفات تؤدي إلي إصلاح الأمر والخزانة خاوية أم هو الأبتزاز لذاته أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وقد تغيرت مصر بالفعل إلي الأسوأ وكشفنا ستر أنفسنا بأنفسنا وهذه مصيبة المصائب فهل يرجي صلاح الأمر بعد ذلك.