لم تكن تلك، هى المرة الأولى التى يرتوى، خلالها تراب المكان بدماء الشهداء.. ولم تكن تلك – أيضًا - هى المرة الأولى التى يختلط خلالها الهواء بأنفاسهم الطاهرة.. بطولات تحدث فى هدوء.. وتضحيات تخرج دون ضجيج.. فقط، أفواج من «الحجيج»، تتحرك فى صمت، لتلبية نداء الوطن.. لا تعبأ بالزمن.. تتحدى المحن.. تقف صامدة فى وجه إرهاب غاشم، لا يعرف إلا القتل بثمن، أو دون ثمن.. ففى يونيو الماضى، أيضًا، كان أن شهدت منطقة الفرافرة استشهاد ضابط وخمسة جنود برصاص الإرهابيين.. لا المهربين، كما قيل. لكن أكثر ما صدمنا هذه المرة أن المعلومات كانت أمام الجهات المعنية قبل تنفيذ المجزرة الأخيرة، ينجو 10 أيام!
وتفيد المعلومات المتوفرة لنا أجهة سيادية رصدت مكالمة تليفونية بين قيادات من «داعش» وإرهابيين بشرق ليبيا عن تنفيذ عملية كبرى ضد الجيس المصرى فى القريب.. لكن ثم تأخذ هذه المكالمة الاهتمام الكافى من التتبع والتحرى! وحسبما كشف لنا مصدر سيادى فإن الحادث الأول فى «الفرافرة» كان هجومًا إرهابيًّا أيضًا، قامت بتنفيذه نفس المجموعة التى قامت بقتل كتيبة حرس الحدود.. لكن.. تلك المرة، هى الأولى التى يقع خلالها هجوم إرهابى بشكل موسع ومنظم، كما حدث، مسفرًا عن استشهاد 22 مجندًا بينهم ضابطان من حرس الحدود من خيرة شباب مصر ورجال القوات المسلحة.. كان الهجوم عنيفا وموسعا.. فى حين انشغل الجنود بتحضير طعام الإفطار، وانشغل قاتلوهم بذبحهم وهم صائمون، تقرُبًا للدم الذى يعبدون.. ورغم قلة إمكانيات الكتيبة أمام الأسلحة المتطورة والثقيلة التى هاجم بها القتلة.. إلا أنهم اشتبكوا معهم، وقتلوا منهم ثلاثة.. فهم أبطال رغم هزيمتهم وشجعان رغم موتهم.
كان الهجوم الإرهابى الذى ينقل مذابحه لأول مرة من الشرق إلى الغرب متسلحا بالسيارات «التويوتا» ذات الدفع الرباعى.. وهذا النوع من السيارات هو المستخدم فى كل الهجمات الإرهابية تقريبا منذ محاولة اغتيال الرئيس المخلوع «مبارك» فى أديس أبابا إلى محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء «محمد إبراهيم» منذ شهور، نظرا لقوة وسرعة هذه السيارات، وقذائف «الأر بى جي» والقنابل المتفجرة والأسلحة المتطورة والتنظيم الشديد.
ورغم أن وزارة الصحة أعلنت أن عدد الشهداء 31 شهيدا.. لكن المتحدث العسكرى قال إن العدد هو 22 بالإضافة لجثتين متفحمتين.
وكان أن استغل الإرهابيون حالة الاستنفار الأمنى والعسكرى و المخابراتى فى سيناء وحالة التراخى والاستهتار فى الوادى الجديد والواحات، واختاروا مكان المذبحة.. المذبحة التى حدثت على الرغم من وجود تهديدات من التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«أنصار بيت المقدس» و«الجيش المصرى الحر» باستهداف الجيش المصرى.
وكان تهديد داعش صريحًا حين أمرت أنصارها بتوجيه ضربات للجيش فى كل مكان، ومع ذلك لم يؤخذ ذلك فى الحسبان وترك الجنود لمواجهة مصيرهم بمفردهم.. وهو ما يشير إليه الخبراء العسكريون و الأمنيون، إذ تمت ملاحظة - خلال الفترة الأخيرة - أن الإرهاب يهدد ثم ينفذ تهديده بالفعل، مثلما حدث فى تفجيرات الاتحادية التى سبق بها تهديد صريح ومع ذلك تهاون الأمن حتى حدثت، ونفس الشىء حدث فى العديد من التفجيرات السابقة مثل تفجير «مديرية أمن القاهرة» و«مديرية أمن الدقهلية»، حتى حدوث الهجوم الأخير على «كتيبة حرس الحدود» بالفرافرة.
اللافت للنظر أن الجماعات الإرهابية تعلن مسئوليتها عن عملياتها فور نجاحها.. لكن هذه المرة لم يحدث ذلك، وتم الإعلان بعد ثلاثة أيام من حدوثها حيث أعلن تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» مسئوليته عن الحادث يوم الثلاثاء.. والواقعة كانت يوم السبت.
وتبين المصادر أن التنظيم الإرهابى أراد أن يشتت ويربك الأمن والنظام المصرى وبجعل الحادث غامضا بعض الشىء، حتى لا يلاحقوا أعضاء تنظيم بعينه، وفى بيان «داعش» الذى أعلن فيه مسئوليته عن الحادث، وأعلن فيه أيضا وجوده بمصر، وأنه قام بهذه العملية انتقاما من أفراد الكمين، الذى كان حائط صد للمجاهدين وكان كل من يمر عليه يتم التنكيل به واعتقاله.. وأنه للثأر من الأعمال الإجرامية التى يرتكبها الأمن ضد المجاهدين فى سجنى «أبوزعبل» و«العازولي».. وأن هذه السجون بمثابة سلخانة للمؤمنين، على حد زعمهم.
وقالوا أيضا أنهم كانوا مجموعتين: الأولى قامت بتفجير الكمين على رءوس الجنود بقذائف «الأر بى جي» وتفجير مخزن الأسلحة، والمجموعة الثانية كان دورها الاقتحام وقتل باقى الكتيبة بأسلحة «جيرانوف وكلاشينكوف»، حتى تم القضاء عليهم جميعًا.. أى أنهم يعلنون عن وجودهم فى مصر وعن قوتهم وعن الأسلحة التى يستخدمونها وعن سبب القيام بالعملية.. كما أنهم قاموا بتهديد الأهالى بأن عليهم منع أولادهم من الالتحاق بالجيش أو الشرطة، وإلا كان مصيرهم القتل.
وأوضح المصدر السيادى.. أن مرتكبى المذبحة هم مجموعتان: مجموعة جاءت من «سيناء» والأخرى جاءت من «ليبيا» منذ أكثر من شهرين، وأنهم ظلوا فى الواحات70 يوما يتدربون على القتال، وقاموا بعمليتين: الأولى كانت فى 1 يونيو الماضى وقتلوا ضابطا وخمسة جنود، والعملية الثانية كانت ضرب كتيبة وكمين حرس الحدود هذا الأسبوع.. بمساعدة أجهزة مخابرات «قطرية وتركية»، وأن بعضهم عناصر تكفيرية وبعضهم الأخر «مرتزقة» يقتلون مقابل المال.
وأضاف المصدر : يستخدمون الجبال والأودية والممرات الكثيرة الموجودة فى هذه المنطقة للتحرك والهروب من وإلى «ليبيا» كما أكد صعوبة هروبهم بعد تنفيذ العملية الأخيرة إلى «الصعيد» وقال إنهم هربوا عبر الجبال والأودية إلى ليبيا ولم يدخلوا الصعيد.. وقال أيضا إن عدد الإرهابيين الذين قاموا بالعملية تقريبا «12 شخصًا» وقتل منهم 3 أثناء إطلاق النيران.. وقال إنه أثناء حدوث هذه العملية تم تفجير خط للغاز فى العريش.. وتم ذلك فى التوقيت نفسه تقريبا إحراجا للسياسة المصرية التى تقدمت بالمبادرة.. وهم يريدون أن يقولوا للعالم إن المصريين حدودهم ودولتهم مخترقة.
وأكد المصدر أن ما حدث فى الفرافرة يرتبط ارتباطا وثيقا بما يحدث فى غزة وليبيا والعراق.. وأن الأجهزة السيادية تقوم حاليا بتحقيقات موسعة مع قيادات وضباط لتحديد المسئولية، حال وجود تقصير أو بطء فى إرسال الإمدادات اللازمة للكتيبة وقت الهجوم.
ويقول مصدر سيادى أن «السلفيين» سيطروا على منطقة «الواحات» بعد «ثورة يناير» بالتدريج وأنهم استطاعوا جذب غالبية الأهالى هناك إليهم واستقطاب عدد لا بأس به منهم.
.. كما أنهم منعوا الفتيات من دخول المدارس واستكمال دراستهن، لأنه وينافى تعاليم الدين على حد قولهم للأهالى.. والشىء الخطير هو استجابة بعض سكان هذه المناطق لهم.. وللأسف رغم كل ذلك تم إهمال هذه المنطقة، تماما لأن الاهتمام كله كان منصبا على «سيناء»، كما أن هناك عناصر من التكفيريين هربت من سيناء إلى ليبيا بعد تضييق الجيش عليهم واستهدافهم فى «سيناء».. وعادوا بعد ذلك ودخلوا للواحات، واستطاعوا تجنيد واستقطاب بعض شبابها للعمل معهم فى الجهاد.. كما يشير المصدر إلى أن من قاموا بالعملية هم مجموعة من التكفيريين من مصر وليبيا وسوريا.. ومنهم مرتزقة يعملون من أجل المال فقط، ويقومون بعمليات فى العراق وسوريا وليبيا.
وحسبما كشف لنا مصدرنا السيادى، فإن الأمن قام بعمل تمشيط كامل لمحافظة «الوادى الجديد» وتم القبض على 11 عنصرًا تكفير من الواحات، ومدن الصعيد يشتبه أن لهم علاقة بالحادث أو بالجناة الذين قاموا به، وقال بعضهم أنهم لا يعلمون شخصيات الجناة، لكنهم يعلمون أنهم سوف يقومون بعمليات جديدة خلال الفترة القادمة ضد نقاط وكمائن الجيش، سواء فى سيناء ومحيطها وأماكن أخرى فى مصر.. وأنهم يخططون لاغتيالات قادمة ضد شخصيات أمنية وعلى رأسهم وزير الداخلية «اللواء محمد إبراهيم» وقيادات أخرى.. كما يستهدفون أيضا شخصيات عسكرية وضباطا بالجيش.. وقالوا أنهم يدخلون مصر عن طريق ليبيا والسودان حاليا.. ويتدربون على أسلحة ثقيلة وأكثر تطورًا.. كما أنهم يخططون لاختراق، وضرب الأكمنة الحدودية لمصر.
ويوضح المصدر أن المقبوض عليهم اعترفوا أن الجناة خططوا لارتكاب عمليات إرهابية كثيرة خلال الفترة الماضية.. لكنهم فشلوا فى تنفيذها.. وكان من ضمنها ضرب كمائن حدودية فى عدة محافظات وتفجير مديريات أمن، وكذلك خططوا للقيام بتفجيرات فى سيناء وفى القاهرة.. لكن أجهزة الأمن أحبطت كل ذلك قبل التنفيذ، وتم القبض على الخلايا الإرهابية قبل هروبها.
وأردف: المواطنون لا يعلمون أن الإرهابيين فى مصر تم التضييق عليهم تماما، وإنهم خططوا مثلا لعشر عمليات، فشلوا فى تنفيذ 9 منها، بينما نجحت العاشرة.. ومعنى ذلك أن الأرض ليست ممهدة أمامهم كما يظن البعض، وهم يستغلون نقطة ضعف فى مكان ما أو تعاون شخص خائن معهم.. ومن خلال ذلك ينفذون ضربتهم، ولولا أنه يوجد تضييق للخناق عليهم، والحد من خطورتهم لكانت العمليات الإرهابية أكثر بكثير من ذلك.. مضيفًا: لا ننكر أن هناك تربصًا بالبلد.. لكن يوجد، أيضًا، صحوة أمنية وسيادية.. ومواجهات أجهضت عمليات إرهابية شديدة الخطورة، كانت على وشك التنفيذ.. ولا نعلن عن كثير منها حتى لا نتسبب فى حالة من الذعر والبلبلة.. ويجب على الجميع أن يعرف أننا فى حالة حرب مع الإرهاب.. ومن الممكن أن تنفذ عمليات إرهابية جديدة.. لكن أجهزة الأمن تحد من ذلك بقدر استطاعتها، وتواجهه بقدر الإمكان.