بعد الأحداث الدامية والمؤسفة التى حصلت فى أسوان بين الهلايل والدابودية، والتى وصل عدد ضحاياها لأكثر من 26، خرج الخبير الأمنى والاستراتيجى اللواء سامح سيف اليزل بتصريح.. أن الأمير القطرى تميم كان وراء هذه الفتنة، وكان دليله أن المذبحة جرت بعد زيارته إلى السودان مباشرة.. وأنه لا يريد للأمور أن تهدأ فى مصر. كلام سيف اليزل تم نشره، لكن لم يلتفت له أحد، ولم يفكر فيه أحد، ولم يحقق فيه أحد.
لكن الحقيقة أننا عندما نتأمل تفاصيل ثلاثى الانقلابات والخيانة فى قطر (الشيخ حمد بن خليفة أميرها السابق، والشيخ حمد بن جاسم رئيس وزرائها ووزير خارجيتها السابق، والشيخ تميم أميرها الحالى).. سوف نتأكد أن كلام سيف اليزل لم يكن بعيدا أبدا عن الحقيقة، وأن الذين قضوا حياتهم فى التآمر والانقلابات لم يكونوا بعيدا أبدا عن تدبير مذبحة بهذه البشاعة ضد مواطنين أبرياء.
ولو أردنا أن نفهم شخصية مركبة مثل شخصية الشيخ حمد بن خليفة حاكم قطر السابق.. لابد أن نرجع لكلمة قالها الشيخ خليفة عن ابنه حمد بعد انقلاب صيف 95.
حمد قال: ابنى شخصية مهزوزة.. ودايما بياخد القرار الخطأ فى الوقت الخطأ.
تقريبا هذا هو مفتاح شخصية حمد.. فى مواقف كثيرة تشعر أنه مغلوب على أمره وأن هناك آخرين يحركونه، وفى مواقف أخرى تشعر أنه صاحب القرار.
حمد أكبر أولاد الشيخ خليفة...كان أقلهم اهتماما بالدراسة والتعليم، ورفاق صباه يؤكدون أنه أكمل تعليمه الثانوى بصعوبة وبتدخل من والده.. كان ضعيفا جدا فى علوم الرياضيات والفلسفة والجغرافيا والتاريخ.
لكن يبدو أن العلم الوحيد الذى كان مجتهدا فيه... هو علم المؤامرات.
فى طفولته كان حمد بن خليفة يتهرب من الدراسة إلى بيوت أصدقائه، وكانت متعته الوحيدة هى نظم الشعر البدوى وأكل المضروبة وهى أكلة قطرية شعبية عبارة عن طحين وسمك مملح.
عندما يئس منه والده خليفة أرسله إلى كلية ساند هيرس العسكرية ببريطانيا، ورغم أنه فشل فيها فشلا ذريعا، إلا أنه وبعد أن عاد منها ب 9 شهور فقط، عينه أبوه قائدا للجيش ووليا للعهد فى سنة 1971.
المفارقة الغريبة أن خليفة كان لا يثق فى حمد ابنه.. لكن ولأنه وصل للحكم بانقلاب على ابن عمه، كان يريد أن يحيط نفسه بأولاده اعتقادا منه أنه مستحيل أن ينقلب عليه واحد منهم.
اعتقاد الأب لم يكن فى محله.. الضربة جاءت له من ابنه الأكبر، الذى كانت زوجته الثانية الشيخة موزة عندها رغبة فى الانتقام لوالدها المعارض الذى شرده خليفة ونفاه خارج قطر.
من اللحظة الأولى عرف حمد أن ما قام به ضد والده الشيخ خليفة لن يرضى الحكام العرب، ولذلك كان واضحا فى انحيازاته، وضع كل بيض إمارته فى سلة الإسرائيليين والأمريكان طلبا للحماية والتأييد.
ساندت أمريكا الأمير حمد بن خليفة فى انقلابه على أبيه
ساعدته فى كشف الانقلاب المضاد عليه
وفكت إسرائيل الشفرة السرية التى عجلت بالقبض على مدبرى الانقلاب
اتهمت قطر مصر طبقا لمعلومات مخابراتية إسرائيلية بالمشاركة فى الانقلاب على حمد، مما عقد الأمور بين البلدين، وقد استغلت الولايات المتحدة وإسرائيل هذه العقدة النفسية التى تكونت لدى حمد، وأشعلت نار حقده، فجعل من نفسه خصما عنيدا للقاهرة.
علاقة حمد بن خليفة بالأمريكان والإسرائيليين لم تبدأ بعد انقلابه على أبيه.. العلاقة كانت قبل الانقلاب، لأنهم ببساطة كانوا داعمين له.. وساعدوه فعلا فى تحقيق هدفه، وسخروا أجهزة مخابراتهم للتصدى لحركات المعارضة التى خرجت ضد حمد.
الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق.. وخال الشيخ حمد فى الوقت نفسه.
كان هو الجسر الذى عبر عليه حمد بن خليفة إلى الإسرائيليين.. ويمكن أن نقول إنه كان عراب الانقلاب وعراب العلاقة بين الدوحة وتل أبيب.. وكان هو الذى أخذ حمد بن خليفة فى زيارة سرية إلى تل أبيب ليقدموا فروض الولاء والطاعة.
الغريب أن حمد بن خليفة ورغم قرب حمد بن جاسم منه، إلا إنه لم يكن يأمن له على الإطلاق.
ومن نوادر الحكم فى قطر أن حمد بن خليفة لم يكن يسافر خارج الدوحة مطلقا إلا ومعه حمد بن جاسم لأنه كان يخاف أن ينقلب عليه.
وهو ما حدث بالفعل.
فى 2009 كانت هناك محاولة انقلاب على الشيخ حمد.. أجهزة الأمن القطرية قبضت على 30 ضابطا فى الجيش القطرى، بالمناسبة عدد الجيش القطرى لا يزيد على 11 ألفا.. ووضع حمد العديد من أفراد أسرته تحت الإقامة الجبرية.
لكن المفاجأة أن الشيخ حمد بن جاسم كان من بين الذين تآمروا على حمد بن خليفة.. تقريبا كان هو العقل المدبر للانقلاب.
كانت هناك مفاجأة أكبر.. لم يحبس حمد بن جاسم.. ولم تحدد إقامته، ولم يتقدم باستقالته، اعتذر لحمد بن خليفة الذى عفا عنه دون مرسوم.