ككل عام يعود رمضان، وتعود معه يوميات المغتربين العرب والمسلمين بفرنسا، الذين يحاولون معايشة الشهر الكريم على الطريقة التي ترضي ديانتهم الإسلامية وفق قوانين الجمهورية الفرنسية التي يعيشون فيها. فلا تكاد تشم رائحة الشهر الكريم تنبعث من أزقة أحياء باريس وشقق مبانيها الجميلة المعروفة بهندستها المعمارية المميزة، سوى من بعض الأحياء الشعبية حيث يسكن عدد كبير من الجالية العربية والمسلمة التي تحاول معايشة الشهر الكريم بين يوميات الغرب وأحكامهم.
تختصر يوميات المسلمين والعرب في ديار الغربة بباريس خلال هذا الشهر الكريم، حيث يحاولون تكسير الايقاع السنوي للمجتمع الفرنسي الذي يعيشون فيه، خالقين عالمهم الخاص حتى وإن كان ذلك لشهر واحد فقط، ليعودوا بعدها إلى حياتهم العادية عمل حتى ساعات متأخرة من اليوم سندويتش حلال يأكل بسرعة بأحد أنفاق الميترو، وجريدة عربية تقرأ صفحاتها بخطوات متسارعة لتعطى بعدها لشخص آخر لأن لا شيء يرمز للوطن ويحكي عنه بالنسبة للكثير من المغتربين كجريدة باللغة العربية.
الحي العربي
حي بارباس، بالدائرة الباريسية التاسعة عشرة، واحد من أكثر أحياء العاصمة الفرنسية شعبية وتواجدا للعرب والمسلمين، عند الفرنسيين يعرف بالحي العربي وفي حديث العرب في المقاهي ينادى بحي باب الوادي الثاني في إشارة إلى حي باب الوادي الشعبي بالعاصمة الجزائرية.
غالبية سكانه من العرب والأفارقة، تكثر فيه محلات بيع المأكولات المغاربية والمشرقية ومحلات بيع اللحوم المذبوحة على الطريقة الإسلامية.
مسجد باريس، واحد من أهم مظاهر الديانة الإسلامية في العاصمة باريس، يسكن قلب الدائرة الخامسة، يعود تاريخ بنائه إلى القرن الماضي، ويتواجد بالقسم المشرقي لباريس ليس بعيدا عن معهد العالم العربي، والعديد من المكتبات العربية.
تكثر الحركة فيه خلال شهر رمضان، على غرار غالبية مساجد فرنسا، فبالإضافة إلى الصلاة اليومية وصلاة التراويح التي يقصده المئات من أجلها، يتحول إلى مائدة إفطار جماعية بفضل وجبات الإفطار التي يقدمها للمحتاجين والمساكين وعابري السبيل طيلة شهر كامل.
كما أن الكثير من الشباب بدون وثائق الذين يتواجدون بالأراضي الفرنسية بطريقة غير شرعية يصير مسجد باريس مقصدهم الأول خلال شهر رمضان. كما ينظم كل عام إفطارا جماعيا على شرف الوزراء والمسؤولين الفرنسيين وممثلي المجتمع المدني الفرنسي لتقاسم بعض اللحظات الروحانية مع المسلمين.
شربة للجميع
«شربة للجميع» واحدة من أهم الجمعيات الفرنسية التي تنشط خلال شهر رمضان، حيث وكما يدل اسمها توفر على مدار ثلاثين يوما أكثر من ألف وجبة إفطار مجانية للمساكين والعائلات المحتاجة وعابري السبيل، بخيمة تقيمها ككل عام بالدائرة ال19 بباريس حيث يسكن عدد كبير من العرب والمسلمين ذوو الدخل البسيط، يسهر على إعداد وجباتها وتوزيعها بعدها، نحو أربعين متطوعا من أفراد الجالية العربية في فرنسا.
الإسلاموفوبيا
تشهد فرنسا في السنوات الأخيرة تنامي ظاهرة معاداة الإسلام والمسلمين أو ما يطلق عليها تسمية «الإسلاموفوبيا» حيث سجل «مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا» وهو الجهة التي ترصد سنويا الأعمال المسيئة للإسلام والمسلمين بفرنسا نحو 700 اعتداء، بمعدل اعتداء كل أسبوع على مسجد أو مكان عبادة.
رافق هذا التنامي بالعداء للإسلام والمسلمين ارتفاع سريع لرصيد اليمين المتطرف على الساحة السياسية والاجتماعية بفرنسا.
كثافة مسلمة
يعيش في فرنسا نحو 6 ملايين مسلم، أكثرهم متمركزين في العاصمة باريس وفي كبرى المدن كمدينة مرسيليا (جنوب)، ليون (وسط شرق)، ليل (شمال) وتولوز(جنوب غرب).