هل يصطاد الرئيس ثروات رجال الأعمال بالتنازل عن نصف ثروته؟ ■ محمد أبو العينين طلب من عماد عبد الغفور التوسط لدى مرسى لتسوية ملفاته المالية... وكان مستعدا ليدفع كل ما يريده مرسى
هشام طلعت مصطفى رفض التنازل عن نصف مدينتى لخيرت الشاطر لكنه دفع ملايين للإخوان من تحت الترابيزة حتى يتركوه فى المستشفى
■ نجيب ساويرس يدعى أنه تحدى الإخوان والصحيح أنه دخل معهم فى معركة وهمية خضع لابتزازهم وحاول فقط تخفيض المبلغ
كانت هذه هى الإشارة الثانية.
رئيس الدولة عبد الفتاح السيسى يتبرع بنصف راتبه ونصف ثروته من أجل دعم اقتصاد مصر... يعلن ذلك خلال كلمته فى حفل تخريج الدفعة 108 من الكلية الحربية.
المستوى الأول من التحليل يقول إن هذه رسالة وحيلة إيجابية يقوم بها رئيس الدولة، يقدم من نفسه نموذجا، إنه لن يطالب أحدا بأن يتبرع بماله من أجل مصر، بل سيتبرع هو... تاركا الباب مفتوحا للآخرين ليفعلوا مثله، إن لم يكن من باب الواجب والمسئولية، فمن باب الحياء والحرج.
لكن هل ما فعله السيسى يكفى؟
بطبيعة الحال الإجابة بلا، لا يكفى مجرد إعلان الرئيس أنه يتبرع بماله ليفعل الآخرون مثله.
لقد كانت هناك إشارة أولى من السيسى، فى الجمعة الأولى له فى قصر الرئاسة نظم ماراثون للدراجات، لم يقم السيسى بذلك لمجرد التسلية، أو لأن ركوب الدراجات من بين هواياته التى لازمته منذ صغره، كان يرسل إشارة إلى المصريين جميعا أنهم يمكن أن يركبوا دراجات، فيخف الزحام، ويقل استخدام الوقود.
ربما كان يعتقد السيسى أنه بمجرد إرسال إشارته سيستجيب الجميع، وتصبح الدراجة هى وسيلة الانتقال الأولى، لكن لم يتحقق شىء، وتحول استخدام الدراجة إلى نكتة، وذابت الإشارة فى تفاصيل الحياة اليومية، ولم يعد يتحدث أحد من الأساس عن الدراجات ولا ركوبها.
لو تعاملت مع السيسى بسوء نية لقلت إنه رئيس الإشارات الفاشلة، فهو لا يجيد الإشارات التى يرسلها إلى مواطنيه، يحسن الظن بهم إلى أبعد مدى، دون أن يعرفهم جيدا.
لكننى أتعامل مع السيسى حتى الآن بحسن نية تامة، فهو يريد أن ينجح، يريد أن يدخل التاريخ من باب الرئيس الناجح، بعد أن دخل من باب الزعيم والمنقذ، ولذلك فإن الإشارات التى يرسلها للمواطنين تدخل فى باب المستحيل.
أغلب الظن أن تبرع السيسى بنصف ثروته وبنصف مرتبه سيتحول إلى زفة إعلامية وسياسية، سيعلن البعض أنهم فعلوا مثله، محافظ هنا ورئيس جامعة هناك، ممثل هنا ورجل أعمال متواضع الحال هناك، لا أكثر ولا أقل من ذلك، وبعد أسبوع أو عشرة أيام على الأكثر ستهدأ الضجة، دون أن يجنى السيسى شيئا إيجابيا أو ملموسا من مبادرته الشجاعة والحقيقية والجريئة.
لم يترك السيسى هذه الإشارة دون إرسال إشارة أخرى إلى جموع المصريين، فهو يريد تضحيات جادة من أجل النهوض بمصر، وكأنه يريد أن يوازن بين الجميع، فهو يطلب من طرف خفى أن يتنازل من لديهم ثروة كونوها من عرق البلد ودمها أن يتبرعوا، ليس مهما أن يكون التبرع بنصف ثروتهم، ولكن على الأقل بما يجودون به.
هذا عن المستوى الأول من التحليل، لكن المستوى الثانى يقودنا إلى تفاصيل أكثر وإلى حكايات موجعة، بعضها كنت شاهدا عليه، وبعضها سمعته من أطرافه، وبعضها يدخل فى باب النميمة السياسية، لكنها النميمة المنطقية جدا.
عندما قابل السيسى رجال الأعمال وهو لا يزال مرشحا للرئاسة، كان حادا وحاسما وحازما معهم، طلب منهم 100 مليار دولار تكون تحت تصرف دعم الاقتصاد المصرى، لكنهم لم يفعلوا شيئا، أرهقوه فى الانتخابات الرئاسية، أرسلوا له بإشاراتهم أيضا، فهم ليسوا عظمة ضعيفة، بل يمكن أن يدافعوا عن ثرواتهم أيضا.
الترهيب لم يؤت ثماره مع رجال الأعمال... فبدأ السيسى فى سياسة الإحراج، فها هو يبدأ بنفسه فلا أقل من أن يبادر رجال الأعمال.
أغلب الظن أنهم لن يفعلوا، فهم يخافون ولا يختشون... لقد كون معظم رجال الأعمال ثرواتهم تحت ظلال مبارك، ومعظمهم ليس فوق مستوى الشبهات، ولو فتحت ملفاتهم فإن كثيرا منهم يمكن أن يجد نفسه على البلاطة... بلاطة السن بالطبع.
لقد ضغطت جماعة الإخوان ورئيسها محمد مرسى على رجال الأعمال، فخضعوا جميعا.
كنت شاهدا على اتصالات مندوبين من قبل رجل الأعمال محمد أبو العينين مع عماد عبد الغفور مساعد رئيس الجمهورية لشئون التواصل الاجتماعى، كى يتوسط لدى محمد مرسى من أجل تسوية ملفات أبو العينين المالية، أبدى مندوبو رجل الأعمال استعداده لدفع ما يريدون، بشرط ألا يدخل فى نزاع مع الدولة، وكان غريبا بالنسبة لى أن عماد عبد الغفور أكد لمندوبى أبو العينين أن الرئيس متفهم جدا، وأن الملف أمامه بالفعل وسيكون هناك خير كثير للجميع.
عائلة ساويرس التى لا يكف نجيبها عن الصياح بدوره فى مواجهة الإخوان المسلمين، لم يفعل أكثر من التفاوض، لقد هتف ساويرس من الخارج بأنه لن يقبل ابتزاز الجماعة، وبعد ثورة يونيو فضح سامى عنان الذى توسط لديه بأن يحل مشاكله مع جماعة الإخوان لكنه رفض.
ما حدث أمام الجميع أن جماعة الإخوان كانت تمارس نوعا من الابتزاز لأسرة ساويرس، هذا حقيقى.
وحقيقى أيضا أن أحد أبناء محمد مرسى ذهب لمقابلة سميح ساويرس فى مكتبه فى محاولة لينهى الأزمة بعد التدخل لدى والده، على أن يحصل على عمولته، وحقيقى كذلك أن سميح رفض أن يقابل ابن مرسى من الأساس، لكن حقيقى جدا أن عائلة ساويرس خضعت فى النهاية، طلبت منهم الدولة تسديد 14 مليار جنيه ضرائب عن بيع شركة أوراسكوم بلدنج لشركة لافارج الفرنسية، فدفعت العائلة 7 مليارات جنيه، بعد أن دخلت فى تسوية خرج بمقتضاها ساويرس من المطار إلى بيته وليس إلى السجن، فقد حمى رقبته بالدفع.
المفاجأة أن ساويرس اتفق على أن يدفع 2 ونصف مليار جنيه، ودفعها بالفعل... على أن يدفع الباقى خلال سنة، لكن الثورة قامت، فلم يدفع شيئا بعد ذلك، ولا يزال ملف هذه القضية مفتوحا.
هشام طلعت مصطفى ورغم أنه رفض تماما عرض حسن مالك بأن تتم تسوية قضيته ويخرج من سجنه – هشام مسجون 15 عاما فى تهمة قتل اللبناني سوزان تميم – مقابل أن يتنازل عن نصف مدينتى لخيرت الشاطر، وهو ما جعل الرئاسة تتدخل لنقل هشام من مستشفى السلام إلى السجن مرة أخرى وفى زنزانة انفرادى رغم حالته الصحية السيئة، إلا أنه عاد ودفع عدة ملايين طلبها رجال الرئيس، وكان ذلك فقط فى مقابل المعاملة الحسنة فى السجن، ثم نقله بعد ذلك إلى المستشفى ليتلقى العلاج.
كل هذه حكايات واضحة ومؤكدة، لكن تظل هناك حكاية أقرب إلى النميمة السياسية، تخص رجل الأعمال حسن راتب، لقد أبدع راتب فى تقربه من جماعة الإخوان، فبعد وصولهم إلى الحكم قال إن اسمه الأصلى هو " حسن البنا راتب" لكنه كان يخشى من نظام مبارك فأخفى الاسم «الآن أخفى حكاية البنا بالطبع».. ومن بين تقربه للإخوان أيضا أنه كان يتبرع بعشرة ملايين جنيه للرئاسة كل شهر، وكان يدفعها كاش يحملها شقيقه فى سيارته إلى الرئاسة.
لو صحت هذه الحكاية لكان المبلغ الذى تبرع به حسن راتب إلى مؤسسة الرئاسة فى زيها الإخوانى 120 مليون جنيه.
لا يمكن بالطبع أن نقارن بين ثروة رئيس الدولة هنا وثروة رجال الأعمال، فثروة السيسى معروف مصادرها يمكن أن يثبتها، وبصرف النظر عن قيمتها وهل هى 30 مليون جنيه كما أشارت إلى ذلك تقارير صحفية أم أكثر من ذلك، فإنها لا شىء إلى جوار ثروات رجال أعمال أحدهم يضع يده على أراض تبلغ قيمتها 100 مليار جنيه حصل عليها بتراب الفلوس.
لكن المقارنة بين المواقف واجبة... وهو ما يجعلنى أقول أن الإشارة بالنسبة لى واضحة من خلال هذه الحكايات، فرجال الأعمال المصريون لا يأتون باللين، لا أفضل التعامل معهم بالبلطجة، ولكن القانون يكفى، كثير منهم فاسدون وهم يعرفون أنهم فاسدون، ولو خضعوا لسيف القانون، لحصلت الدولة على كثير من رجال الأعمال دون أن تلجأ لسيف الحياء وإلى أن يتبرع رئيس الدولة حتى يأخذ منه رجال الأعمال قدوة. إصلاح الدولة يحتاج إلى إرادة قوية... لا يحتاج إلى إشارات يمكن أن يفهمها البعض ويمكن أن يتجاهلها البعض الآخر، وفى الغالب المتجاهلون أكثر... وهؤلاء لن تجدى معهم الإشارات الرقيقة، بل لابد أن يتم أخذهم بسيف القانون.