«سرايا عابدين» كبيرة لأنه يكشف العديد من أسرار هوانم قصر الخديوى إسماعيل
■ المصريون سيربطون بين غادة عبدالرازق وسوزان.. وهو ما لعبت عليه غادة فى إعلان المسلسل فظهرت بشكل أقرب لزوجة مبارك فى تسريحة شعرها وملابسها لتشويق الجمهور
ليس بالضرورى أن تكون السيدة الأولى شريرة ومتسلطة وتحمل بداخلها جبروتًا يكفى لهدم دولة والذهاب بزوجها خلف القضبان أو تشييع جثمانه مصحوباً باللعنات والدعاء عليه، فالمصريون عرفوا بعض الحالات الشاذة والنادرة من نماذج شبه مثالية للسيدة الأولى، منها مثلاً السيدة صفية زغلول زوجة الزعيم الراحل سعد زغلول التى عشقها المصريون بنفس مقدار عشقهم لزعيم ثورة 19، لدرجة جعلتهم يمنحونها لقب أم المصريين للشجاعة التى ظهرت عليها سواء فى قيادتها للمظاهرات النسائية فى ثورة 19 أو بعدها عندما تم نفى زوجها سعد زغلول، قررت أن تستكمل دوره فى النضال الوطنى ولم تتوقف حتى بعد وفاته ظلت محافظة على دورها كأم للمصريين لأكثر من عشرين عاماً بعد رحيل زوجها، ورحلت وهى تحمل حب المصريين واحترامهم، وهو نفس الدور الذى لعبته زينب الوكيل زوجة زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس باشا، التى قدمت للمحاكمة عندما تم حل حزب الوفد من قبل ثورة يوليو عام 52، ولكن المحكمة لم تثبت عليها شيئاً، وقامت الثورة بمصادرة منزلها بالمرج، وهو المنزل الذى تحول فيما بعد لمعتقل للرئيس الراحل محمد نجيب وتم تحديد إقامته به، وتعاطف المصريون مع زينب الوكيل وظلوا يحملون لها المحبة والاحترام والتقدير، ورغم كره المصريين لممارسات ملكهم الأخير «فاروق» إلا أنهم عشقوا زوجته الأولى «فريدة» التى تزوجها فاروق بعد قصة حب كبيرة وأنجبت منه الثلاث أميرات فريال وفوزية وفادية، وتحولت الملكة فريدة بمرور الوقت عند المصريين لخط أحمر ممنوع أن يقترب منه أى شخص، لقربها الشديد من الشعب وشعورها بأحواله ومعاناته، وهو ما دفع الشعب المصرى للخروج فى مظاهرات عقب إعلان طلاقها من الملك فاروق، رددوا خلالها هتافات خرجت الفضيلة من بيت الرذيلة وربما كان طلاقها واحدًا من أسباب كره الشعب للملك فاروق بسبب الحب الكبير الذى حظيت به الملكة فريدة التى أطلق البعض عليها ملكة القلوب، وعلى عكس هذه المشاعر، لم تمنح الملكة الأم نازلى فرصة للشعب المصرى أن يحبها أو حتى يتعاطف معها، فحكايتها وعلاقتها مع أحمد حسين باشا وهروبها إلى الخارج هى وبناتها، كانت سببًا رئيسيًا فى كره المصريين لها من ناحية وتشويه صورة ملكهم بصورة كبيرة من ناحية أخرى.
وبعد ثورة يوليو 52، تعرف المصريون على نماذج لزوجات رؤساء الجمهورية عقب إعلان سقوط الملكية، فتعرفوا على زوجة الرئيس الأول للمصريين محمد نجيب، وهى السيدة عائشة محمد لبيب، الزوجة الثالثة للرئيس نجيب، التى كانت تستقبل معه زوجات الرؤساء وكبار المسئولين أثناء زيارتهم لمصر عقب ثورة 52، ولم يمنح القدر السيدة عائشة، فرصة لتمارس دور السيدة الأولى كما كانت تطمح، فبعد عزل الرئيس محمد نجيب وتحديد إقامته، فرفضت الابتعاد عن زوجها وانتقلت هى وأولادها للإقامة مع الرئيس نجيب فى منفاه بالمرج حتى لا تفارقه، وصعد بعدها نجم السيدة تحية عبد الناصر، والتى ابتعدت نهائياً عن السياسة واقتصر ظهورها على المناسبات الخاصة لاستقبال زوجات رؤساء وزعماء الدول الأخرى، أو مرافقة الرئيس جمال عبدالناصر أثناء جولاته الخارجية، ولكنها فضلت أن تبتعد عن السياسة واكتفت ببعض الأعمال الخيرية عقب نكسة 67، ولكن المصريين حملوا لها نفس مقدار حبهم وتقديرهم لجمال عبدالناصر، فكانوا يرون فيها الشقيقة والأم والزوجة، خصوصاً أنها كانت بسيطة لأبعد حد، وجاء بعدها موعد المصريين مع السيدة جيهان السادات، التى كانت تحمل كل مواصفات السيدة الأولى وهو المصطلح الذى عرفه المصريون من خلالها، بعد أن أصبح لقبها الرسمى بالصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، التى اهتمت السيدة الأولى بها، وحرصت على أن تصدرها للرأى العام كما تحب أن تكون، وفى الحقيقة من بين زوجات الرؤساء الذين حكموا مصر، ربما تكون جيهان السادات هى الوحيدة التى تنطبق عليها مواصفات السيدة الأولى، وهو ما جعل المصريين يحترمونها ويقدرونها، وجاءت سوزان مبارك لترث لقب السيدة الأولى، بعد أن جلس زوجها الرئيس محمد حسنى مبارك على كرسى الحكم، وفجأة تحولت السيدة التى كانت تصاحب جيهان السادات فى جولاتها وهى تسير خلفها بخطوات كزوجة لنائب رئيس الجمهورية، لتتصدر المشهد، وحاولت منذ اللحظة الأولى أن تضع نفسها كبديلة حقيقية للسيدة جيهان السادات، ولكن لم تستطع مطلقاً إقناع الناس بلقبها ربما لقلة جمالها وثقافتها مقارنة بسابقتها السيدة جيهان السادات، ولكن سوزان مبارك حققت ما لم تحققه أى سيدة أولى لمصر من قبل، وهو أن تكون سببا رئيسيًا فى ثورة الشعب على زوجها والمطالبة برحيله.
ومن بين كل هذه النماذج للسيدة الأولى اختارت الدراما نموذجين مختلفين لتقديمهما هذا العام، النموذج الأول تقدمه غادة عبدالرازق فى مسلسلها الجديد السيدة الأولى وهو المسلسل الذى يتردد أنه مقتبس من مسلسل شيلى يحمل نفس الاسم the first lady، وهو الاختيار الذكى لغادة عبدالرازق، الذى بالطبع وضعت فيه تصورها الخاص لشخصية السيدة الأولى لتظهر كما يعانى منها شعوب العالم الثالث، تدور أحداث مسلسل «السيدة الأولى» حول سيدة تمتلك أحد أهم المطاعم الشهيرة فى المدينة الذى يعتبر ملتقى لكبار رجال الدولة ورجال الأعمال، ولأنه أحد الأسماء ذات الثقل السياسى يبدو «ممدوح عبد العليم» أحد الوجوه الثابتة فى هذا المطعم، فيه يلتقى بأصدقائه من كبار الوزراء ورجال الدولة لمناقشة وضع الدولة، خاصة أن انتخابات الرئاسة على الأبواب ويطمع فى أن يصل من خلال تلك اللقاءات إلى أقصر الطرق المؤدية لكرسى الحكم، ولأن الجميع يدركون أنه بات قريبا جدا من مسعاه تقرر «غادة عبد الرازق» إلقاء شباكها عليه حتى تصل لأطماعها فى الوصول إلى مكانة مهمة فى الدولة.
يظهر «ممدوح عبد العليم» بملامح رجل السياسة الجاد الذى ينشغل بها طوال الوقت بعيدًا عن زوجته الأولى وتجسدها أنوشكا وأولاده أيضا، إلى أن يقع فى حب غادة عبد الرازق ليصبح منساقا لها ولآرائها خاصة بعد أن وعدته بالوقوف بجانبه فى الانتخابات القادمة حتى يصل لمنصب رئيس الدولة، وهنا تكشف أحداث المسلسل عن كواليس الانتخابات والطرق المشروعة وغير المشروعة التى تدار بها الانتخابات فى الفترة السياسية الماضية.. بمرور الأحداث ينجح «ممدوح عبد العليم» أن يكون رئيسا للدولة، ويدين بالفضل فى ذلك لها.. لتصبح «غادة عبد الرازق» نفسها السيدة الأولى، ليتكشف لنا بمرور الحلقات كيف تتسبب هذه السيدة فى انهيار الدولة. والنموذج الثانى الذى اختارته الدراما هذا العام للسيدة الأولى هى ما تقدمه شخصية الملكة «خوشيار» الملكة الأم فى عصر الخديو إسماعيل، وهو الدور الذى تقدمه الفنانة الكبيرة يسرا، ضمن أحداث مسلسل «سرايا عابدين» الذى تمتد حلقاته لأكثر من 90 حلقة سيبدأ عرضها بداية من شهر رمضان القادم، وهو العمل الذى يضم كوكبة من نجوم الدراما المصرية والعربية، ويأمل كثيرون أن يخرج المسلسل على نفس مستوى المسلسل التركى الشهير حريم السلطان الذى حقق نجاحاً كبيرا خلال السنوات الماضية، شخصية الملكة خوشيار شخصية جذابة ومثيرة فى نفس الوقت، خوشيار هانم سيدة تركية كانت دائماً على موعد لم يقدر له أن يتم مع التاريخ. تزوجت إبراهيم باشا الابن الأكبر والأثير لدى محمد على، وظنت وقتها أن موعدها مع التاريخ يوشك أن يصل لخاتمة سعيدة عندما طافت شهرة «القائد إبراهيم» الآفاق بعد معاركه المظفرة فى بلاد العرب والشام وداخل الأراضى التركية، وأصبح وريثاً لعرش الدولة الفتية التى أسسها محمد على، ولكن الموت وقف عائقاً أمام تحقيق حلمها عندما اختطف إبراهيم وضاعت الفرصة على خوشيار هانم لتقبض على لقب السيدة الأولى للإمبراطورية الجديدة
ثم جاءتها الفرصة مرة أخرى، عندما تولى ابنها إسماعيل حكم مصر، ونال لقب الخديو وأصبح رمزاً لترف الشرق وتطلعه للتحديث على النمط الأوروبى ومنحها الوضع الجديد لقب «الوالدة باشا» أو الملكة الأم، لتعوض حلمها السابق الذى انتظرته طويلاً، والذى من أجله خططت ورسمت وخاضت معارك ليتحقق سواء أثناء زواجها من إبراهيم باشا أو لفتح الطريق أمام ابنها إسماعيل للجلوس على كرسى مصر.
بهاتين الصورتين سيكون المشاهدون على موعد مع السيدة الأولى خلال شهر رمضان، وبالطبع سيستحوذ النموذج الذى ستقدمه غادة عبدالرازق فى السيدة اللأولى على تفكير المصريين، لأنهم بالتأكيد سيربطون بين ما تقدمه غادة وبين سوزان مبارك، وهو ما أرادت غادة أن تلعب عليه فى إعلان المسلسل فاختارت أن تظهر بشكل أقرب لسوزان فى تسريحة شعرها وملابسها لتشويق الجمهور قبل بدء عرض المسلسل، لكن هذا لا ينفى حب المشاهدين للأعمال التاريخية، وهو ما يمنح فرصة كبيرة لنجاح مسلسل «سرايا عابدين» خصوصاً أنه سيكشف العديد من قصص هوانم قصر الخديو التى لم يخبرنا التاريخ عنها فى كتبه.