تعرف على موعد طرح كراسات شروط حجز 15 ألف وحدة سكنية بمشروع "سكن لكل المصريين"    تحرير سعر الدقيق.. هل سيكون بداية رفع الدعم عن الخبز؟    فرنسا تطالب إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات لقطاع غزة بشكل فوري وواسع دون أي عوائق    انتخابات رومانيا.. مرشح المعارضة يعترف بهزيمته ويهنئ منافسه بالفوز    السفارة الأمريكية فى ليبيا ترحّب بتشكيل لجنة الهدنة فى طرابلس    فلسطين.. شهيد و13 مصابًا في غارة إسرائيلية على منزل في خان يونس    تأجيل محاكمة المتهمين بإنهاء حياة نجل سفير سابق بالشيخ زايد    نادية الجندى لعادل إمام: ربنا يديك الصحة بقدر ما أسعدت الملايين    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    تشخيص بايدن بنوع عدواني من السرطان    ملف يلا كورة.. أزمة عبد الله السعيد.. قرارات رابطة الأندية.. وهزيمة منتخب الشباب    مبابي في الصدارة.. تعرف على جدول ترتيب هدافي الدوري الإسباني    مجدي عبدالغني يصدم بيراميدز بشأن رد المحكمة الرياضية الدولية    ترامب يعرب عن حزنه بعد الإعلان عن إصابة بايدن بسرطان البروستاتا    الانَ.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 بمحافظة المنيا ل الصف الثالث الابتدائي    البرتغال تتجه مرة أخرى نحو تشكيل حكومة أقلية بعد الانتخابات العامة    محمد رمضان يعلق على زيارة فريق «big time fund» لفيلم «أسد».. ماذا قال؟    سعر الريال السعودي اليوم الإثنين 19 مايو 2025 في البنوك    سرطان عدواني يصيب بايدن وينتشر إلى العظام.. معركة صحية في لحظة سياسية فارقة    بعد إصابة بايدن.. ماذا تعرف عن سرطان البروستاتا؟    الكنائس الأرثوذكسية تحتفل بمرور 1700 سنة على مجمع نيقية- صور    إصابة شخصين في حادث تصادم على طريق مصر إسكندرية الزراعي بطوخ    تعرف على موعد صلاة عيد الأضحى 2025 فى مدن ومحافظات الجمهورية    موعد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    شيكابالا يتقدم ببلاغ رسمي ضد مرتضى منصور: اتهامات بالسب والقذف عبر الإنترنت (تفاصيل)    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    أسطورة مانشستر يونايتد: صلاح يمتلك شخصية كبيرة..وكنت خائفا من رحيله عن ليفربول    هل توجد زكاة على المال المدخر للحج؟.. عضوة الأزهر للفتوى تجيب    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    مصرع شابين غرقا أثناء الاستحمام داخل ترعة بقنا صور    لجنة الحج تعلن عن تيسيرات لحجاج بيت الله الحرام    الملك مينا.. البطل الذي وحد مصر وغير مجرى التاريخ| فيديو    رسميًا.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وATM وإنستاباي بعد قرار المركزي الأخير    24 ساعة حذرة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «اتخذوا استعدادتكم»    القومى للاتصالات يعلن شراكة جديدة لتأهيل كوادر مصرفية رقمية على أحدث التقنيات    قرار تعيين أكاديمية «منتقبة» يثير جدلا.. من هي الدكتورة نصرة أيوب؟    البابا لاوون الرابع عشر: العقيدة ليست عائقًا أمام الحوار بل أساس له    في أول زيارة رسمية لمصر.. كبير مستشاري الرئيس الأمريكي يزور المتحف المصري الكبير    مجمع السويس الطبي.. أول منشأة صحية معتمدة دوليًا بالمحافظة    حزب "مستقبل وطن" بسوهاج ينظم قافلة طبية مجانية بالبلابيش شملت الكشف والعلاج ل1630 مواطناً    بتول عرفة تدعم كارول سماحة بعد وفاة زوجها: «علمتيني يعنى ايه إنسان مسؤول»    أحمد العوضي يثير الجدل بصورة «شبيهه»: «اتخطفت سيكا.. شبيه جامد ده!»    ننشر مواصفات امتحان مادة الرياضيات للصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2025    دراما في بارما.. نابولي يصطدم بالقائم والفار ويؤجل الحسم للجولة الأخيرة    وزير الرياضة يشهد تتويج جنوب أفريقيا بكأس الأمم الإفريقية للشباب    المستشار القانوني للمستأجرين: هناك 3.5 ملايين أسرة معرضة للخروج من منازلهم    تعيين 269 معيدًا في احتفال جامعة سوهاج بتخريج الدفعة 29 بكلية الطب    بحضور رئيس الجامعة، الباحث «أحمد بركات أحمد موسى» يحصل على رسالة الدكتوراه من إعلام الأزهر    إطلالات ساحرة.. لنجوم الفن على السجادة الحمراء لفيلم "المشروع X"    أسعار الذهب اليوم الإثنين 19 مايو محليا وعالميا بعد الارتفاع.. بكام عيار 21 الآن؟    رئيس الأركان الإسرائيلي: لن نعود إلى ما قبل 7 أكتوبر    مشروب طبيعي دافئ سهل التحضير يساعد أبناءك على المذاكرة    البابا لاون الثالث عشر يصدر قرارًا بإعادة تأسيس الكرسي البطريركي المرقسي للأقباط الكاثوليك    ما لا يجوز في الأضحية: 18 عيبًا احذر منها قبل الشراء في عيد الأضحى    9 وزارات تدعم الدورة الرابعة لمؤتمر CAISEC'25 للأمن السيبراني    تعليم الشيوخ تستكمل مناقشة مقترح تطوير التعليم الإلكتروني في مصر    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآية 20 من سورة الأحقاف
نشر في الفجر يوم 18 - 06 - 2014

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .
أيُّها الإخوة الكرام، الآية العشرون من سورة الأحقاف، وهي قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}.
جزء من عقيدة المؤمن أن يعرف حقيقة الحياة الدنيا، وأنَّها دار عمل وليسَت دار أمَل، ودار تكليف وليْسَت دار تشريف، فالذي يفْهم أن الحياة الدُّنيا دار اسْتِمتاع وتقلّب في النّعيم، وطعام وشراب، وسهرات، ومُتَاع فحاله يكون كما وصف الله في هذه الآية .
ورَدَ في بعض الأحاديث: إيَّاك عبد الله والتَّنَعُّم فإنَّ عباد الله ليْسُوا بالمتنعِّمين! الإنسان قد يتنعَّم، أما أن يجْعل التَّنَعُّم هدفه، يعمل من أجله؛ طعام وشراب واستمتاع، فالأُناس الطَّيِبُّون غارقون في المباحات والمباحات شَغَلتهم عن الطاعات، فالعُصاة موضوعهم آخر، وهم خارج الحِساب، فهذا الذي جَعَل همُّه مُتَعَ الحياة الدُّنيا والانْغِماس فيها؛ موقفُهُ يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
طبعًا كلمة الكُفْر واسِعَة جدًّا، تضيق لِتَعني الخروج مِن مِلَّة الإسلام، وتتَّسِع كما قال الله عز وجل: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}... [التوبة: 54].
فهؤلاء يُصَلُّون ويُنْفِقون، وقد وُصِفُوا عند الله تعالى بالكُفْر .
هناك كفء يُخْرج مِن مِلَّة؛ كأن تُكَذِّب بالوحي، وبالقرآن، وتُنْكِر فرْضِيَّة الصلاة والصِّيام والحج، وذلك هو الكُفر الأكبر، أما حينما لا تعبأ بِقَوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}... [البقرة: 221].
تُزوِّج ابنتَك لإنسانٍ غَنِيٍّ دون أن تعبأ بِدِينِهِ، فأنت بِهذا كأنَّك كذَّبْت هذه الآية، وهذا نوعٌ مِن الكُفْر، وحينما يقول الله عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}... [البقرة : 276].
فليمْتَنِعُ عن التَّصَدُّق ويُنَمِّي مالهُ بِطَريقٍ ربَوِي هو كافِرٌ بِهذه الآية بالذَّات فهناك كُفْر يشْمَل الدِّين كلَّه، ويشْمَل الوَحي كلَّه والكتب السماوِيَّة، والأنبياء وهناك كُفر جُزئي، فحينما يقول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}... [النور: 30].
فإذا قال الواحِد أين أضَعُ عَيناي‍؟‍!! فهل الآية غلَط؟ ألم يقل الله عز وجل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}... [البقرة : 286].
فالكُفْر يضيق لِيشْمل تَكذيب الدِّين والوحي، والقرآن، وإنكار الفروض، ويتَّسِعُ الكُفْر لِيَشْمَل كُلّ مَن يتحرَّك حركةً خِلاف منهج الله؛ لأنَّه ليس قانِعًا بها، أما إن كان مُقصِّرًا فهذا اسمُهُ فُسْق، فالإنسان حينما يُغلبُ أمرُهُ يُسَمَّى فاسِقًا، أما حينما يُنكِر يُسمَّى كافر، رجلان لا يُصَلِّيان، فالذي يقول: والله أنا مُقصِّر؛ هذا فاسق أما الذي يقول: ما فائدة الصلاة؟! فهذا كافر، فالذي يُنْكِرُ فرْضِيَتها كافر أما الذي يدَّعي أنَّهُ مُقصِّر فهذا فاسِق، قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
يُرْوَى أنَّ سيِّدنا عمر أمْسَكَ تُفاحةً شَهِيَّة فقال: أكلتها ذَهَبت، أطْعَمْتُها بَقِيَتْ!
سيِّدُنا النبي عليه الصلاة والسلام حينما كان يُوزِّعُ شاةً، قالت له عائشة رضي الله عنها: لم يبْقَ إلى كَتِفُها! فقال عليه الصلاة والسلام: بل بقِيَتْ كلُّها إلا كتفها!!.
ليس لكَ مِن مالِكَ إلا ما أكَلتَ فأفْنَيْتَ، أو لبِسْتَ فأبْليْت، أو تصدَّقْتَ فأبْقَيت، فالمال جزءان؛ قسم لك، وقِسم ليس لك، فالذي لك يُسَمَّى رِزْق والذي ليس لك يُسمَّى كَسْب، فالرِّزْق ما انْتَفعْتَ به، والكسب ما لم تنتفع به، فالرِّزق ما انْتفعْتَ به وسَتُحاسَبُ عليه، والكَسْب ما لم تنتفِع به وسَتُحاسَبُ عليه! تصوَّر إنسانًا اقْتَرض مليون ليرة، سُرِقتْ منه في الطريق، فهذا الشَّخص سيُؤدِّي هذا المَبلَغ مع أنَّه لم ينْتفِع به، فالرِّزْق ما انْتَفَعتَ به، والكَسْب ما لم تنتفِع به .
الآن الذي تنتفِعُ به ثلاثة أقْسام؛ قِسمٌ هلَكَ كالطَّعام والشَّراب، وقِسم بقِيَ وبلِيَ كالثِّياب، فهؤلاء الذين كفروا يُقال لهم القيامة: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
لذلك أيُّها الإخوة، الإنسان الذي بلا رسالة، ولا هَدَف، ولا قيمة يسعى لها، ولا درجة ولا مرْضاة يسْعى لِحُصولها هو إنسان شارِد وتائِه! ما الذي يُعرِّفُكَ بِمَوْقِعِك من الدِّين؟ دُروس العِلم، وكنتُ أقول لكم دائِمًا؛ متى تُعالِجُ نَفْسَكَ مِن الضَّغط المرْتَفِع؟ إذا عرِفْتَ أنَّهُ معَكَ ضَغطٌ مرْتَفِع، فلا بُدَّ مِن أن تقيسَ ضَغْطك مِن حينٍ لآخر عند الطَّبيب، والمؤمن الصادِق لا بُدَّ من أن يحْضُر مَجلسَ العِلْم كي يعْرِف موقِعَهُ من الدِّين؛ هل هو مع المُقْتَصِدين أم السابقين أم المُقصِّرين؟‍ وهل هو واقِعٌ في الشِّرْك الخَفِيّ أو الشِّرْك الجليّ؟ وهل هو واقِع في الكُفْر؟ فلا بدَّ مِن معرفة ذلك، يقول تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
الحقيقة أنَّ الإنسان أحيانًا يسْتكبر بِغَير الحق، قال تعالى: {قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}... [آل عمران : 26].
سَمْعُكَ وبصرك وعَقلَكَ وحركتكَ جميعها تمْلِكُهُا فالذي يسْتكبر بِغَير الحق، ويقول: أنا! فهذا لا شيء، نقطة دم في دِماغِهِ تَجْعلُهُ مَشْلولاً، وأقْربُ الناس إليه يتمنَّى موْتَهُ، فإمَّا أن يُسْمِعَهُ الدُّعاء ويقول له: خفَّف الله عنك! وإمَّا أن يدعوَهُ سِرّا، فأقرب الناس إليك؛ زوْجتُكَ وأهْلُكَ والإنسان وهو في الفراش خِدْمتُهُ صَعْبة جدًّا، لذا أنت لا تمْلك شيئًا، لا حركتك ولا قوَّتَك ولا سمْعَكَ، وهل تمْلِكُ أولادك وأهلَكَ؟ أنت لا تمْلِكُ شيئًا، فالذي يسْتَكبر فهذا اسْتِكبار بِغير الحق، وكلّ إنسان يقول: أنا يدَّعِي ما ليس له، وكلّ ذَنْب له عِقاب يُناسِبُهُ، فالكِبر عذابُهُ الهون ونحن عندنا عذاب أليم، وعذاب عظيم، وعذاب مُهين، فالمستكبر عذابه الهون قال تعالى: {بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
تجد كلمات يقولها الناس هي كبيرة جدًّا، وتقتضي لَيُقصَموا، قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}... [البروج: 12].
لذا على الإنسان أن يَعُدَّ للمليون قبل أن يقول كلمة أكبر مِن حجْمِهِ، فالله عز وجل يهْدِمُ أشياء كبيرة جدًّا، ولذا قال: عرفْتُ الله مِن نقْض العزائِم .
وهناك اسْتِكبار، وهناك فِسق، إلا أنَّني أُبلِّغُكم أنَّ معْصِيَةً سببُها الغلبَة شيء، ومعْصِيَة سببها العِناد والاسْتِكبار شيء آخر، فإبليس ما هو الذي أسْخَطَ عليه؟ قال: أنا خير منه! ولم أكن لأسْجُدَ لِبشَر خلقتَهُ مِن طين فَمَعْصِيَتُهُ معْصِيَةُ اسْتِكبار، أما سيِّدنا آدم قال تعالى عنه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}... [طه: 115].
ففرْقٌ بين معْصِيَة آدَم، ومعْصِيَة إبليس، فإبليس عصى اسْتِكبارًا، وآدَمَ عصى غلبَةً؛ نسِيَ، والذي يقَع في ذَنب بِدافِعِ الغلبة توْبتُهُ سَهلة جدًّا، فالعبد لمَّا يقول: يا رب: أنا أخطأتُ، يقول الله: وأنا يا عبْدي قبِلْتُ، ويا رب قد تُبْتُ إليك، والله يقول، وأنا قد تُبْتُ على عبْدي، أما الذُّنوب التي أساسها الاسْتِكبار فَتَوْبَتُها صَعبة جدًّا، وعليه فَكُلّ إنسان يقْلبُ الموازين، ويَجْعل الحياة الدُّنيا دار اسْتِمتاع، ودار لَهو، ونعيم، ودار سُرور، وحفلات، وأماكن جميلة، هذا الإنسان جَهِلَ حقيقة الحياة الدُّنيا، فالطالب الذي بِقاعة التَّدريس معه راديو يسمع الأخبار، ومجلاَّت، ومكسَّرات يأكلها، فهل يليق هذا بِطالب؟! هذا المكان مكان دِراسة، وليس مكان اسْتِمتاع، أما إذا ذهَب الإنسان إلى نزهة، وأخذ معه ما أخذ، فهذا له ذلك، فالنُّزْهة شيء، والدِّراسة شيءٌ آخر، فلمَّا يجعل الإنسان الدُّنيا دار نعيم، فقد أدْخَل سيّدنا عمر أحد الشّعراء السِّجن؛ لأنَّه قال بيتًا بِحَق أحد رؤساء القبائل اسمه الزَّبرَقان، وعدَّتْهُ العرَب أهْجى بيتٍ قالهُ شاعر، ماذا قال هذا الشاعر؛ حُطَيأة؟ قال : دع المكارم لا ترْحل لِبُغيَتِها واقْعُد فإنَّك أنت الطاعِمُ الكاسي
هذا البيت الذي قاله هذا الشاعر هو شِعار الناس اليوم، فما دام دخْله كبير وبيتُه واسِع، ومُتمتِّع، فهذا تجدهُ لا يعْبأ بِشيءٍ، وهذا هو الذي عكَسَ الحياة الدُّنيا، فهي دار عمل، وجعلها هو دار أمَل، وهي دار تكليف وهو جعلها دار تشريف، فهذا هو الخطأ، قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
آخر مثل لِتَوضيح الحقيقة، أنَّه لو كان معك مليون ليرة، ممكن أن تسْتثمرها بِشَركة تعطي سبعين بالمائة، وثمانين بالمائة، فأنت يمكنك بالمليون أن تقوم بِرِحلة إلى اليابان، وأوربا، وينتهي المليون فإنفاق المليون هذا هو إنفاق اسْتِهلاكي، وفيه حُمْق، أما إنفاق المليون إنفاق اسْتِثماري، فهذا فيه ذكاء، وكلّ شيءٍ تمْلكُه في الدنيا، مِن صِحَّة وفراغ وأمْن، والزَّوجة والأولاد، وطلاقة اللِّسان، والذَّكاء، هذه كُلُّها مواد أوَّلِيَّة، وهي رأسُ مالِكَ؛ فإمَّا أن تسْتَهْلِكَها، وإمَّا أن تسْتَثْمِرها، فإذا الإنسان سرَّ، أدْخل على قلبهِ السُّرور فقد اسْتَهلكها، أما إذا فكَّر بالكون فأنت يمكن أن تقرأ قِصَّة، والقصَّة ممْتِعة، أما لو قرأت الحديث والقرآن والسيرة ارْتقيْتَ عند الله، فالقراءة إمَّا أن تكون اسْتِهلاكِيَّة، أو اسْتِثْمارِيَّة وكذلك الأمر في الأكل؛ إمَّا أن تأكل حُبًّا في الأكل، وإمَّا أن تأكل لِتَتَقوَّى على طاعة الله، وإما أن تتزوَّج مِن اجل المُتْعة فقط، وإما من أجل أن تنْجِبَ أولادًا يدعون إلى الله، فَكُلّ شيءٍ يمكن أن توصِلَهُ بالحق أو بالباطل، وأخْطَر شيء أن تُنْفِقَ ملَكاتِك، وقُدْراتِك إنفاقًا استِهلاكيًّا، فهذا هو الخاسِر، وأعْقل الناس الذي لا يُضَيِّعُ مِن عُمُرِهِ ثانِيَة واحِدَة يُنفِقها في طاعة الله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللّه عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ الْأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الْأَنْصَارِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى)... رواه البخاري.
فالمؤمن حركاته وسَكَناته كلها أعمال صالحة له .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.