سفير مصر بتونس: اتخذنا كافة الاستعدادات اللازمة لتيسير عملية التصويت    استقرار الذهب فى مصر اليوم مع ترقب قرار الفيدرالى الأمريكى    رئيس الغرفة التجارية بالقاهرة يدعو الحكومة لمراجعة قرار فرض رسوم الإغراق على البيليت    رابطة العالم الإسلامي تدين الانتهاكات الإسرائيلية في غزة وسوريا    دوري أبطال أفريقيا.. الأهلي يكشف أسباب غياب عبد القادر وشكري عن مواجهة شبيبة القبائل    تعرف على تشكيل نيس ومارسيليا بالدوري الفرنسي    غدًا.. استكمال محاكمة رمضان صبحي لاعب بيراميدز بتهمة تزوير مستند رسمي    رانيا يوسف وزوجها يخطفان الأنظار على ريد كاربت ختام مهرجان القاهرة    8 متسابقين يشاركون اليوم فى برنامج دولة التلاوة.. من هم؟    هيئة الرعاية الصحية تطلق حملة للتوعية بمقاومة الأمراض والميكروبات خلال الأسبوع العالمي لمضادات الميكروبات    جعجع: لبنان يعيش لحظة خطيرة والبلاد تقف على مفترق طرق    سقوط عصابة تقودها فتاة استدرجت شابًا عبر تطبيق تعارف وسرقته تحت تهديد السلاح بالدقي    حلم يتحقق أخيرًا    جيش الاحتلال الإسرائيلى يعترف باغتيال جندى واعتقال آخر فى نابلس    عالم بالأوقاف: الإمام الحسين هو النور المكتمل بين الإمامة والنبوة    الشوط الأول .. الجيش الملكي يتقدم علي أسيك بهدف فى نهائى أفريقيا للسيدات    ترامب يستقبل رئيس بلدية نيويورك المنتخب زهران ممداني بعد حملة انتخابية حادة    اتحاد جدة يستعيد الانتصارات أمام الرياض في الدوري السعودي    مصطفى حجاج يستعد لطرح «كاس وداير».. تطرح قريبًا    حسين فهمى: التكنولوجيا والشباب يرسمان مستقبل مهرجان القاهرة السينمائى    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر صواريخ على سواحل الكاريبي ردًا على التهديدات الأمريكية    بسبب رسامة فتيات كشمامسة.. الأنبا بولس يطلب من البابا تواضروس خلوة بدير العذراء البراموس    أبرزها خسارة الزمالك.. نتائج دوري الكرة النسائية اليوم    إقبال جماهيري كبير على حفل روائع عمار الشريعي بتوقيع الموسيقار هاني فرحات    ضبط طفلان تعديا على طلاب ومعلمي مدرسة بالسب من سطح منزل بالإسكندرية    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    إقبال كثيف وانتظام لافت للجالية المصرية في الأردن بانتخابات النواب 2025    أول تعليق من نادية مصطفى على أزمة ملف الإسكان بنقابة الموسيقيين    رفع 30 طنا من القمامة والمخلفات والأتربة بمدينة ناصر بحى شرق سوهاج    بالصور.. استعدادات حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال46    ميدو عادل: خشيت فى بعض الفترات ألا يظهر جيل جديد من النقاد    كاف يدرس تعديل آلية التصويت في جوائزه بعد عتاب ممدوح عيد    أصداء إعلامية عالمية واسعة للزيارة التاريخية للرئيس الكوري الجنوبي لجامعة القاهرة    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    المصري الديمقراطي يطالب خطوات "الوطنية للانتخابات" لمنع تكرار مخالفات المرحلة الأولى    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    انفوجراف| الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    فليك: ميسي أفضل لاعب في العقد الأخير.. وتدريبه ليس من اختصاصي    الحكومة الفرنسية: أطفالنا لن يذهبوا للقتال والموت فى أوكرانيا    بعد إحالته للجنايات.. تفاصيل 10 أيام تحقيقات مع المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية    دعاء يوم الجمعة لأهل غزة بفك الكرب ونزول الرحمة.. اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم فرّج عن أهل غزة فرجًا عاجلًا    إصابة 3 شباب في حادث مروري بنجع حمادي    وزيرة التخطيط: ملتزمون بتمكين المرأة اقتصاديًا بما يتماشى مع رؤية مصر 2030    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    اسعار الدواجن اليوم الجمعه 21 نوفمبر 2025 فى المنيا    الجالية المصرية بالأردن تدلي بأصواتها في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    مرشحون يتغلبون على ضعف القدرة المالية بدعاية إبداعية    مصادر: انتهاء استعدادات الداخلية لتأمين المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب 2025    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    خارجية النواب: الإخوان لم تكن يومًا تنظيمًا سياسيًا بل آلة سرية للتخريب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآية 20 من سورة الأحقاف
نشر في الفجر يوم 18 - 06 - 2014

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .
أيُّها الإخوة الكرام، الآية العشرون من سورة الأحقاف، وهي قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}.
جزء من عقيدة المؤمن أن يعرف حقيقة الحياة الدنيا، وأنَّها دار عمل وليسَت دار أمَل، ودار تكليف وليْسَت دار تشريف، فالذي يفْهم أن الحياة الدُّنيا دار اسْتِمتاع وتقلّب في النّعيم، وطعام وشراب، وسهرات، ومُتَاع فحاله يكون كما وصف الله في هذه الآية .
ورَدَ في بعض الأحاديث: إيَّاك عبد الله والتَّنَعُّم فإنَّ عباد الله ليْسُوا بالمتنعِّمين! الإنسان قد يتنعَّم، أما أن يجْعل التَّنَعُّم هدفه، يعمل من أجله؛ طعام وشراب واستمتاع، فالأُناس الطَّيِبُّون غارقون في المباحات والمباحات شَغَلتهم عن الطاعات، فالعُصاة موضوعهم آخر، وهم خارج الحِساب، فهذا الذي جَعَل همُّه مُتَعَ الحياة الدُّنيا والانْغِماس فيها؛ موقفُهُ يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
طبعًا كلمة الكُفْر واسِعَة جدًّا، تضيق لِتَعني الخروج مِن مِلَّة الإسلام، وتتَّسِع كما قال الله عز وجل: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}... [التوبة: 54].
فهؤلاء يُصَلُّون ويُنْفِقون، وقد وُصِفُوا عند الله تعالى بالكُفْر .
هناك كفء يُخْرج مِن مِلَّة؛ كأن تُكَذِّب بالوحي، وبالقرآن، وتُنْكِر فرْضِيَّة الصلاة والصِّيام والحج، وذلك هو الكُفر الأكبر، أما حينما لا تعبأ بِقَوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}... [البقرة: 221].
تُزوِّج ابنتَك لإنسانٍ غَنِيٍّ دون أن تعبأ بِدِينِهِ، فأنت بِهذا كأنَّك كذَّبْت هذه الآية، وهذا نوعٌ مِن الكُفْر، وحينما يقول الله عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}... [البقرة : 276].
فليمْتَنِعُ عن التَّصَدُّق ويُنَمِّي مالهُ بِطَريقٍ ربَوِي هو كافِرٌ بِهذه الآية بالذَّات فهناك كُفْر يشْمَل الدِّين كلَّه، ويشْمَل الوَحي كلَّه والكتب السماوِيَّة، والأنبياء وهناك كُفر جُزئي، فحينما يقول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}... [النور: 30].
فإذا قال الواحِد أين أضَعُ عَيناي‍؟‍!! فهل الآية غلَط؟ ألم يقل الله عز وجل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}... [البقرة : 286].
فالكُفْر يضيق لِيشْمل تَكذيب الدِّين والوحي، والقرآن، وإنكار الفروض، ويتَّسِعُ الكُفْر لِيَشْمَل كُلّ مَن يتحرَّك حركةً خِلاف منهج الله؛ لأنَّه ليس قانِعًا بها، أما إن كان مُقصِّرًا فهذا اسمُهُ فُسْق، فالإنسان حينما يُغلبُ أمرُهُ يُسَمَّى فاسِقًا، أما حينما يُنكِر يُسمَّى كافر، رجلان لا يُصَلِّيان، فالذي يقول: والله أنا مُقصِّر؛ هذا فاسق أما الذي يقول: ما فائدة الصلاة؟! فهذا كافر، فالذي يُنْكِرُ فرْضِيَتها كافر أما الذي يدَّعي أنَّهُ مُقصِّر فهذا فاسِق، قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
يُرْوَى أنَّ سيِّدنا عمر أمْسَكَ تُفاحةً شَهِيَّة فقال: أكلتها ذَهَبت، أطْعَمْتُها بَقِيَتْ!
سيِّدُنا النبي عليه الصلاة والسلام حينما كان يُوزِّعُ شاةً، قالت له عائشة رضي الله عنها: لم يبْقَ إلى كَتِفُها! فقال عليه الصلاة والسلام: بل بقِيَتْ كلُّها إلا كتفها!!.
ليس لكَ مِن مالِكَ إلا ما أكَلتَ فأفْنَيْتَ، أو لبِسْتَ فأبْليْت، أو تصدَّقْتَ فأبْقَيت، فالمال جزءان؛ قسم لك، وقِسم ليس لك، فالذي لك يُسَمَّى رِزْق والذي ليس لك يُسمَّى كَسْب، فالرِّزْق ما انْتَفعْتَ به، والكسب ما لم تنتفع به، فالرِّزق ما انْتفعْتَ به وسَتُحاسَبُ عليه، والكَسْب ما لم تنتفِع به وسَتُحاسَبُ عليه! تصوَّر إنسانًا اقْتَرض مليون ليرة، سُرِقتْ منه في الطريق، فهذا الشَّخص سيُؤدِّي هذا المَبلَغ مع أنَّه لم ينْتفِع به، فالرِّزْق ما انْتَفَعتَ به، والكَسْب ما لم تنتفِع به .
الآن الذي تنتفِعُ به ثلاثة أقْسام؛ قِسمٌ هلَكَ كالطَّعام والشَّراب، وقِسم بقِيَ وبلِيَ كالثِّياب، فهؤلاء الذين كفروا يُقال لهم القيامة: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
لذلك أيُّها الإخوة، الإنسان الذي بلا رسالة، ولا هَدَف، ولا قيمة يسعى لها، ولا درجة ولا مرْضاة يسْعى لِحُصولها هو إنسان شارِد وتائِه! ما الذي يُعرِّفُكَ بِمَوْقِعِك من الدِّين؟ دُروس العِلم، وكنتُ أقول لكم دائِمًا؛ متى تُعالِجُ نَفْسَكَ مِن الضَّغط المرْتَفِع؟ إذا عرِفْتَ أنَّهُ معَكَ ضَغطٌ مرْتَفِع، فلا بُدَّ مِن أن تقيسَ ضَغْطك مِن حينٍ لآخر عند الطَّبيب، والمؤمن الصادِق لا بُدَّ من أن يحْضُر مَجلسَ العِلْم كي يعْرِف موقِعَهُ من الدِّين؛ هل هو مع المُقْتَصِدين أم السابقين أم المُقصِّرين؟‍ وهل هو واقِعٌ في الشِّرْك الخَفِيّ أو الشِّرْك الجليّ؟ وهل هو واقِع في الكُفْر؟ فلا بدَّ مِن معرفة ذلك، يقول تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
الحقيقة أنَّ الإنسان أحيانًا يسْتكبر بِغَير الحق، قال تعالى: {قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}... [آل عمران : 26].
سَمْعُكَ وبصرك وعَقلَكَ وحركتكَ جميعها تمْلِكُهُا فالذي يسْتكبر بِغَير الحق، ويقول: أنا! فهذا لا شيء، نقطة دم في دِماغِهِ تَجْعلُهُ مَشْلولاً، وأقْربُ الناس إليه يتمنَّى موْتَهُ، فإمَّا أن يُسْمِعَهُ الدُّعاء ويقول له: خفَّف الله عنك! وإمَّا أن يدعوَهُ سِرّا، فأقرب الناس إليك؛ زوْجتُكَ وأهْلُكَ والإنسان وهو في الفراش خِدْمتُهُ صَعْبة جدًّا، لذا أنت لا تمْلك شيئًا، لا حركتك ولا قوَّتَك ولا سمْعَكَ، وهل تمْلِكُ أولادك وأهلَكَ؟ أنت لا تمْلِكُ شيئًا، فالذي يسْتَكبر فهذا اسْتِكبار بِغير الحق، وكلّ إنسان يقول: أنا يدَّعِي ما ليس له، وكلّ ذَنْب له عِقاب يُناسِبُهُ، فالكِبر عذابُهُ الهون ونحن عندنا عذاب أليم، وعذاب عظيم، وعذاب مُهين، فالمستكبر عذابه الهون قال تعالى: {بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
تجد كلمات يقولها الناس هي كبيرة جدًّا، وتقتضي لَيُقصَموا، قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}... [البروج: 12].
لذا على الإنسان أن يَعُدَّ للمليون قبل أن يقول كلمة أكبر مِن حجْمِهِ، فالله عز وجل يهْدِمُ أشياء كبيرة جدًّا، ولذا قال: عرفْتُ الله مِن نقْض العزائِم .
وهناك اسْتِكبار، وهناك فِسق، إلا أنَّني أُبلِّغُكم أنَّ معْصِيَةً سببُها الغلبَة شيء، ومعْصِيَة سببها العِناد والاسْتِكبار شيء آخر، فإبليس ما هو الذي أسْخَطَ عليه؟ قال: أنا خير منه! ولم أكن لأسْجُدَ لِبشَر خلقتَهُ مِن طين فَمَعْصِيَتُهُ معْصِيَةُ اسْتِكبار، أما سيِّدنا آدم قال تعالى عنه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}... [طه: 115].
ففرْقٌ بين معْصِيَة آدَم، ومعْصِيَة إبليس، فإبليس عصى اسْتِكبارًا، وآدَمَ عصى غلبَةً؛ نسِيَ، والذي يقَع في ذَنب بِدافِعِ الغلبة توْبتُهُ سَهلة جدًّا، فالعبد لمَّا يقول: يا رب: أنا أخطأتُ، يقول الله: وأنا يا عبْدي قبِلْتُ، ويا رب قد تُبْتُ إليك، والله يقول، وأنا قد تُبْتُ على عبْدي، أما الذُّنوب التي أساسها الاسْتِكبار فَتَوْبَتُها صَعبة جدًّا، وعليه فَكُلّ إنسان يقْلبُ الموازين، ويَجْعل الحياة الدُّنيا دار اسْتِمتاع، ودار لَهو، ونعيم، ودار سُرور، وحفلات، وأماكن جميلة، هذا الإنسان جَهِلَ حقيقة الحياة الدُّنيا، فالطالب الذي بِقاعة التَّدريس معه راديو يسمع الأخبار، ومجلاَّت، ومكسَّرات يأكلها، فهل يليق هذا بِطالب؟! هذا المكان مكان دِراسة، وليس مكان اسْتِمتاع، أما إذا ذهَب الإنسان إلى نزهة، وأخذ معه ما أخذ، فهذا له ذلك، فالنُّزْهة شيء، والدِّراسة شيءٌ آخر، فلمَّا يجعل الإنسان الدُّنيا دار نعيم، فقد أدْخَل سيّدنا عمر أحد الشّعراء السِّجن؛ لأنَّه قال بيتًا بِحَق أحد رؤساء القبائل اسمه الزَّبرَقان، وعدَّتْهُ العرَب أهْجى بيتٍ قالهُ شاعر، ماذا قال هذا الشاعر؛ حُطَيأة؟ قال : دع المكارم لا ترْحل لِبُغيَتِها واقْعُد فإنَّك أنت الطاعِمُ الكاسي
هذا البيت الذي قاله هذا الشاعر هو شِعار الناس اليوم، فما دام دخْله كبير وبيتُه واسِع، ومُتمتِّع، فهذا تجدهُ لا يعْبأ بِشيءٍ، وهذا هو الذي عكَسَ الحياة الدُّنيا، فهي دار عمل، وجعلها هو دار أمَل، وهي دار تكليف وهو جعلها دار تشريف، فهذا هو الخطأ، قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}... [الأحقاف: 20].
آخر مثل لِتَوضيح الحقيقة، أنَّه لو كان معك مليون ليرة، ممكن أن تسْتثمرها بِشَركة تعطي سبعين بالمائة، وثمانين بالمائة، فأنت يمكنك بالمليون أن تقوم بِرِحلة إلى اليابان، وأوربا، وينتهي المليون فإنفاق المليون هذا هو إنفاق اسْتِهلاكي، وفيه حُمْق، أما إنفاق المليون إنفاق اسْتِثماري، فهذا فيه ذكاء، وكلّ شيءٍ تمْلكُه في الدنيا، مِن صِحَّة وفراغ وأمْن، والزَّوجة والأولاد، وطلاقة اللِّسان، والذَّكاء، هذه كُلُّها مواد أوَّلِيَّة، وهي رأسُ مالِكَ؛ فإمَّا أن تسْتَهْلِكَها، وإمَّا أن تسْتَثْمِرها، فإذا الإنسان سرَّ، أدْخل على قلبهِ السُّرور فقد اسْتَهلكها، أما إذا فكَّر بالكون فأنت يمكن أن تقرأ قِصَّة، والقصَّة ممْتِعة، أما لو قرأت الحديث والقرآن والسيرة ارْتقيْتَ عند الله، فالقراءة إمَّا أن تكون اسْتِهلاكِيَّة، أو اسْتِثْمارِيَّة وكذلك الأمر في الأكل؛ إمَّا أن تأكل حُبًّا في الأكل، وإمَّا أن تأكل لِتَتَقوَّى على طاعة الله، وإما أن تتزوَّج مِن اجل المُتْعة فقط، وإما من أجل أن تنْجِبَ أولادًا يدعون إلى الله، فَكُلّ شيءٍ يمكن أن توصِلَهُ بالحق أو بالباطل، وأخْطَر شيء أن تُنْفِقَ ملَكاتِك، وقُدْراتِك إنفاقًا استِهلاكيًّا، فهذا هو الخاسِر، وأعْقل الناس الذي لا يُضَيِّعُ مِن عُمُرِهِ ثانِيَة واحِدَة يُنفِقها في طاعة الله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللّه عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ أَنَّ الْأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الْأَنْصَارِ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى)... رواه البخاري.
فالمؤمن حركاته وسَكَناته كلها أعمال صالحة له .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.