"أراد أن يربي جيلا من أطفال الشوارع ليصلح من شأنهم ويقلل من نسبة البلطجة.. فتم توجيه تهمة تحريض أطفال الشوارع على أعمال البلطجة والشغب ضد الشرطة وتم القبض عليه هو وزوجته المصرية التي تحمل الجنسية الأمريكية آية حجازي يوم الجمعة 2 مايو".. إنه محمد حسانين، المواطن المصري، الذي أسس مؤسسة بلادي من أجل تنشئة أطفال الشوارع.
منذ فترة، قابل محمد حسانين، أحد أطفال الشوارع وعند الحديث معه ومناقشته وجد من الطفل قابلية للتغيير، وأنه من الممكن مع التدريب والتأهيل النفسي أن يصبح الولد سوي نفسيا وأخلاقيا، فذهب به إلى جمعيه رسالة، التي شجعته علي جمع الأطفال ثم تسكينهم في الجمعية.
وعندما تبنى محمد القصة، لم يجد محمد مكانا بجمعية رسالة لاحتوائهم، فاضطر لتأجير شقة بوسط القاهرة تحديدا بشارع محمد محمود، وبدأ محمد حسانين بالتعاون مع زوجته "أية" الحاصلة علي الجنسية الأمريكية في الاستعانة بأصدقائهم لتعليم هؤلاء الأطفال الرياضيات واللغة العربية واللغة الانجليزية ومحاوله تطوير فكر الأطفال من الفكر العدائي وكره المجتمع إلي أطفال أسوياء يتعلمون ويلعبون ويلهون مثل باقي الأطفال في سنهم، كما استدعى الدكتور محمد حمزة، دكتور نفسي لديه منتجع صحي بنويبع، لمتابعة الأطفال نفسيا ومحاولة علاج الأطفال المدمنين منهم بالعلاج النفسي.
منذ حوالي 6 شهور بدأت مؤسسة بلادي العمل وتحت شعار "أولاد شوارعنا" أطلق مجموعة من الشباب المتطوعين في المؤسسة حملة لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع لإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع لمحاولة التعامل مع هذه الظاهرة وعلاجها علي أرض الواقع بدلا من الشعارات التي ترددها الحكومات، وهذا ما حدث حيث قام محمد حسنين وزوجته أية حجازي وآخرين بالنزول إلي الشارع والبحث عن أطفال الشوارع وبالفعل نجحوا في إقناع عدد من الأطفال بالانضمام للمشروع.
وبدأت من هنا رحلة الكفاح مع أطفال من الشارع الذين تعرضوا لكافة أنواع الانتهاكات من المجتمع المحيط بهم ووضعوا في ظروف دفعتهم للنوم في الشوارع، والسرقة، وتعاطي المخدرات، وغيرها وأخذ القائمين على المؤسسة في تعليمهم وتأهيلهم ومحاولة تحويلهم إلي نماذج ناجحة علي يد متخصصين، وكل ذلك يتم بتبرعات من المتطوعين، فتارة يدفع أحد المتطوعين إيجار المقر وتارة يجلب أحدهم ملابس للأطفال وتارة طعام وهكذا.
ورغم ذلك، لم تسعي الدولة للتواصل مع القائمين علي المؤسسة أو علي الأقل أو أخذ تجربتهم بعين الاعتبار بل قامت منذ أيام باقتحام مقر المؤسسة بشارع محمد محمود وإلقاء القبض على محمد حسنين وأية وشريف وأميرة من المتطوعين للعمل بالمؤسسة والأطفال الموجودين بالمقر وتشميعه.
ويؤكد الدكتور أشرف المغربي، أحد المتابعين والمتبرعين لمشروع أطفال الشوارع بمؤسسة بلادي، أن كل ما كانت تقوم به المؤسسة عمل مشروع خيري، ولا صحة لما ورد على لسان الداخلية والصحف، قائلا: "إن ما كان يحدث في المؤسسة معلوم لدي الجميع دقيقة بدقيقة عن طريق صفحاتهم على "فيس بوك"، وان المؤسسة كانت تفتح أبوابها دائما أمام الجميع من يريد الدخول إليها أو الخروج منها فكيف تحبس الأطفال كما يدعون".
وأضاف أن هناك شواهد كثيرة تؤكد أن هناك أطفال تركت المؤسسة ولجأت للشارع مرة أخرى، ثم عادت وقدمت أسفها لمحمد حسانين، وأرادت أن تستمر في المؤسسة، وذلك بسبب ما كانت تقدمه لهم من رعاية وخدمات.
أما إسلام السبكي أحد المتطوعين في المؤسسة، وكان يدرس للأطفال اللغة الانجليزية والرياضيات، يؤكد أن الأطفال كانت تستجيب بصوره مذهلة للدراسة والتغيير السلوكي لهم بعد متابعه دكتور حمزة لهم، ومن ضمن هؤلاء الأطفال مازن الطالب بالصف الثالث الإعدادي الذي ترك بيت أهله منذ عامين وترك دراسته، ولكن تم إقناعه بالمؤسسة لاستكمال دراسته، وبالفعل الولد كان مستعد لدخول الامتحانات المقررة يوم السبت الماضي بعد القبض عليه بيوم، ويصف إسلام هذا الطفل ب"النابغة"، مضيفا أنه تم القضاء على حلمه بالحبس، وأنه سيتم فصله نهائيا من المدرسة بسبب انقطاعه عن دخول الامتحانات هذه المرة.
وأوضح جميع المحيطين بالمؤسسة وبمحمد حسانين أن المؤسسة لم تقدم للأطفال إلا كل خير وملابس وطعام ونزهه وتأهيل نفسي وتربوي وذهني ليصبحوا كباقي الأطفال الأسوياء، ومن ضمن بروتوكولات المؤسسة عدم التحدث في السياسة. وكان الهدف الأهم هو الجزء المجتمعي وتأهيلهم اجتماعيا لدمجهم في المجتمع وتقليل نسبه البلطجة التي تنتشر بانتشار أطفال الشوارع.
وتروي أحد شهود العيان، وتدعى "صوفيا"، أنه في ليلة القبض على أعضاء المؤسسة وتشميعها بالشمع الأحمر، قائلة: "كنت متواجدة في المؤسسة مع الأولاد وشريف الرسام الذي كان يعلمهم الرسم، وفوجئت برجل معه مجموعة من الناس قال لهم إنه من عزبة أبو حشيش ويبحث عن ابنه الصغير واسمه ضياء، فأجبت أن هذا الطفل لم يدخل المؤسسة من قبل ولا يعلموا عنه أي معلومات، وأخذ الرجل في الصراخ بهم، وكان يحاول افتعال مشاجرة بينه وبين صوفيا وشريف، فطلبت مرة أخرى محمد فطلب منها أن تسمح للرجل بالدخول المقر ويبحث ويفتش، كما يشاء في المؤسسة عن ولده، ونفذت صوفيا ما طلب منها وسمحت للرجل بالدخول وفتش الرجل المؤسسة بالكامل بجميع غرفتها، وسأل الأولاد أكدوا له أنهم لا يعرفون هذا الطفل ولم يرونه من قبل".
وتابعت: "انصرف الرجل وهو يهلل ويتوعد للمؤسسة والمشرفين عليها. وبعدها بساعة عاد الرجل ومعه بلطجية وسيدة وقاموا بالمشاجرة مع المتواجدين في المؤسسة وضربوا الأطفال وشريف واستطاع شريف والأولاد طرد هؤلاء البلطجية وغلق الباب عليهم، وذهب لقسم عابدين لعمل محضر بالواقعة، وفوجئ بالشرطة بعدها تداهم المقر والقبض علي من فيه و تشميعه بالشمع الأحمر".
وتم عرض أعضاء المؤسسة على النيابة ومواجهتهم بتهم استغلال الأطفال في مظاهرات الإخوان وممارسة الانتهاكات الجنسية عليهم، وقبل الانتهاء من التحقيقات قامت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية بنشر صور المتهمين تحت عنوان "مباحث رعاية الأحداث وقسم شرطة عابدين ينجحا في ضبط أحد الأشخاص وزوجته تحمل الجنسية الأمريكية لقيامهما بإيواء أطفال الشوارع بشقة بميدان التحرير واستغلالهم في أعمال الشغب والتظاهر غير السلمي".