■ شركة إنتاج ادعت أنها تصنع الفيلم لقناة مصرية وقامت بتشويه شهادات الضيوف لصالح الإخوان تعلمون، كما أعلم، أن الإخوان محترفون للكذب، وأن "الجزيرة" هى قناة الأكاذيب بامتياز، ولكن من سمع ليس كمن رأى ومن جرب، وقد جربت أكاذيب الإخوان و"الجزيرة" واكتويت بنارها خلال الأسبوع الماضى، عندما فوجئت بفيلم يعرض على القناة بعنوان "ليلة الاتحادية" حول أحداث قصر الاتحادية يومى الرابع والخامس من نوفمبر 2012، والتى انتهت بمقتل زميلنا الحسينى أبوضيف على بعد خطوات منى. وقد عرض الفيلم لقطات لى شخصيا أقول فيها كلاما يخدم وجهة نظر الإخوان الكذابة!
اللقطات التى عرضت لى مأخوذة من شهادة استغرقت حوالى ساعتين أدليت بها منذ عدة أشهر لمعدة ومديرة إنتاج اسمها شيماء الصوابى من شركة إنتاج ادعت أنها مصرية وأنكرت أى علاقة لها ب"الجزيرة"، وقد شككت يومها فى نواياهم الخبيثة من طبيعة الأسئلة وكثرة المراوغات ومحاولات الإيقاع، وقد طلبت من المعدة أن أرى الفيلم قبل عرضه وأن أكتب موافقة مكتوبة على عرض شهادتى، بل وأعطيتها بعض المواد التى صورتها بنفسى يومها، ووعدتنى بالعودة لكنها هربت بالطبع مثل أى إخوانى وضيع.
عموما أنا غير مستاء مما حدث لأنها كانت فرصة للاقتراب من هؤلاء الكذابين ومعرفة ألاعيبهم، وكشفها كما سأفعل خلال السطور التالية.
1 - سرقة الموتى!
منذ اللقطات الأولى تتكشف النوايا القبيحة للعمل الفاضح المسمى بالفيلم، حيث نرى شابا وسط المتظاهرين المعارضين للإخوان يشير إليه بيده مهددا بالذبح، ثم العقيد عمر عفيفى يطالب المعارضين لمرسى بالاحتشاد أمام الاتحادية، ثم الناشطة رشا عزب تقاوم المهاجمين على اعتصام الاتحادية بعصا أو عمود خيمة. يعقب تلك المشاهد لقطة لسلفى أو إخوانى يصيح أن المتظاهرين أتوا ببلطجية مثلما حدث فى موقعة الجمل، ثم لقطة لإخوانى مصاب. بعدها يظهر أول ضيف وهو المحامى الإخوانى أحمد حلمى، العقل المدبر لجريمة التزوير المسماة بالفيلم الذى يتفوه بأول جملة يزعم فيها أنه كان هناك طرف يستهدف الطرفين المتواجهين، يقصد أنصار مرسى ومعارضيه، ثم يتم اقتطاع جملة من كلام لمحمد أبوحامد يقول فيها "كت مقتنعا لو أن المشهد كان يضم الإخوان والثوار فقط لما تخلصنا من الإخوان". أبو حامد يشير بوضوح إلى أن جبهة المعارضين للإعلان الدستورى ومرسى والإخوان لم تكن تقتصر على جبهة الإنقاذ وأنصار ثورة يناير، ولكنها كانت تضم قطاعات كبيرة من فئات المجتمع الأخرى.. وهم الذين أطلق عليهم الإخوان وصف "الفلول"، على اعتبار أن الإخوان هم الثورة.
مبدئيا يزعم ما يسمى بالفيلم أن الانتفاضة الشعبية يوم الرابع من نوفمبر ضد إعلان مرسى الدستورى كانت مؤامرة من أجهزة الدولة ولا يتطرق إطلاقا لمناقشة الفعل نفسه، وهو الإعلان الذى جعل من مرسى فرعونا وإلها لا يملك إنسان على الاعتراض عليه، كما لا يتطرق إلى حق المعارضة فى تنظيم المؤيدين لها للاعتراض السلمى على قراراته الديكتاتورية.. والمصيبة أن غباءهم يورطهم فى مساواة الدعوة للاحتشاد التى أطلقتها جبهة الإنقاذ بالتحريض المباشر بالقتل والسحل والضرب للمعارضين التى أطلقها وجدى غنيم وعصام العريان ومواقع وصفحات الإخوان.
ويزعم الفيلم أولا على لسان المعلق أن هذا التحريض العلنى على القتل أسفر عن مقتل اثنين فقط من المعارضين هما الحسينى أبوضيف وشاب آخر من بين اثنى عشر قتيلا بقيتهم من الإخوان.. أى أن ضحايا الإخوان عشرة. وبنفس الغباء ينسى صناع الفيلم هذه الأرقام ويزعمون فى النصف الثانى من الفيلم أن القتلى كانوا عشرة من بينهم ثمانية من الإخوان.
يتجاهل الفيلم، طبعا، أن الإخوان حاولوا سرقة الموتى ونسبهم للإخوان، وأن الحسينى نفسه تعرض لمحاولة السطو هذه، حيث استمروا فى الادعاء لأسابيع وشهور أن الحسينى كان إخوانيا وأنه كان يقف فى معسكر الإخوان وقت مقتله، وقد ترددت هذه الادعاءات على لسان وزير إعلامهم المتولى صلاح عبدالمقصود ونقيب صحفييهم ممدوح الولى، وهى المزاعم التى ووجهت بردود حاسمة وقاسية من قبل كل من يعرفون الحسينى وشهود هذه الليلة.
يزعم الفيلم على ألسنة الإخوانية أنه كانت توجد مؤامرة لاقتحام القصر وقتل مرسى، ويضيع أكثر من ثلث الفيلم فى محاولة إثبات تقاعس الشرطة والحرس الجمهورى، ولكن بنفس الغباء يؤكدون فى لقطات أخرى على لسان معلق الفيلم ولسان وزير عدلهم أحمد مكى بأن المعزول مرسى أصدر أوامرا صريحة وواضحة وقاطعة بمنع استخدام القوة ضد المتظاهرين.. وتكشف زلة لسان أحدهم عن أنهم كانوا يخشون أن يؤدى سقوط ضحايا إلى تدخل الجيش.
يعنى مرسى أمر بانسحاب الداخلية والحرس الجمهورى، ولما انسحبوا زعم الإخوان أنهم متواطئون مع المعارضة، ثم يعرضون وثيقة تحمل توجيه مرسى لمؤيديه بأنه لا يريد أن يرى المعتصمين على باب القصر فى اليوم التالى.. أى أنه يوجه عصابته بوضوح للذهاب وطرد المعتصمين بالقوة.. وهو ما تؤكده عشرات الأدلة من مواقع الإخوان نفسها. يزعم الفيلم أيضا على لسان ضابط سابق ملتحٍ كان من حراس مرسى أن الداخلية خططت لاغتيال مرسى فى تلك الليلة، كما يزعم الفيلم على لسان واحد من خدام القصر أنه جرت محاولة اقتحام بالفعل قام بها شاب واحد وصل إلى مبنى القصر نفسه. ولا يتوقف الفيلم للحظة أو يترك المشاهد يفكر للحظة: طيب لو كانت هناك مؤامرة "دولية" لاقتحام القصر واغتيال مرسى ليلة الرابع من نوفمبر، فما الذى منع المعارضين من فعل ذلك فى وقت كان كل شىء ممكنا بعد انسحاب الداخلية والحرس الجمهورى وقوات الحراسة الخاصة بمرسى؟ وما الذى جعل مئات الآلاف من المتظاهرين فى ذلك اليوم ينصرفون على بيوتهم فى سعادة وسلام؟
2 - اعتداء مغلف بالوقاحة!
يكذب الكذاب بالسليقة الإخوانى أيمن عبدالغنى زاعما أن الحيزبون الإخوانية السفيرة الأمريكيةبالقاهرة قد شاركت فى التحريض ضد الإخوان وطلبت من جبهة الإنقاذ أن تحشد مئة ألف مواطن والاعتصام أمام القصر الرئاسى لثلاثة أيام. وطبعا ما حدث ساعتها أن الحيزبون زارت جبهة الإنقاذ فى حزب الوفد لمحاولة إثنائهم عن الاعتراض على الإعلان الدستورى، وادعت أن الجبهة ليس لها مؤيدون، وأنها غير قادرة على حشد مئة ألف مواطن.. وطبعا أصيبت الحيزبون وإخوانها بصدمة مروعة عندما شارك فى المظاهرات يومها أكثر من مليون مواطن!
من السفالات المضحكة فى هذه الفضيحة المسماة بالفيلم تصوير بعض الإخوانجية الذين شاركوا فى فض اعتصام الاتحادية والاعتداء على المعتصمين وهم يزعمون أن المعتصمين كانوا "يتجاوزون" الأدب ويشتمونهم مثلما فعلت كل من نوارة نجم ورشا عزب.. تخيل عزيزى القارئ: البلطجية المسلحون المساقون كالقطيع من الأقاليم للاعتداء على بضع عشرات من المعتصمين السلميين أمام الاتحادية يشتكون من أن ضحاياهم كانوا يوجهون الشتائم للمعتدين عليهم! هل رأيت فى حياتك مثل هذه الوقاحة!
لا يتورع صناع الفيلم السافل عن عرض فيديوهات لأنصارهم وهم يعذبون الأسرى داخل المسجد المواجه لقصر الاتحادية، بل ويرون أنه شىء طبيعى، كما يقول اثنان منهم هما القيادى أيمن عبدالغنى والمحامى عضو لجنة الحريات بنقابة المحامين أحمد حلمى.
تخيلوا: محام يدافع عن الحريات يبرر قيام مدنيين بتعذيب مدنيين مثلهم والتحقيق معهم؟ يعنى ما تفعله الداخلية فى الإخوان الآن حلال بمعايير الإخوان المريضة والمختلة.
المحامى صاحب الرأس المختل لا يكتفى بذلك، ولكنه يساوى بين مئات الآلاف من المعارضين الذين تظاهروا سلميا يوم الرابع من نوفمبر، وبين ميليشيات الإخوان الذين جمعوا من المحافظات وسيقوا باتجاه الاتحادية للاعتداء على المعتصمين فى اليوم التالى. المحامى ذو الرأس المختل يقول: جبهة الإنقاذ حرضت أيضا وعملت مؤتمرا صحفيا دعت فيه الناس للاحتشاد.. إذا كان ما فعله الإخوان تحريضاً فهذا أيضا تحريض!
هل رأيتم تحريضا أعرض من ذلك؟
3 - شهادتى بعد التزوير!
سأتجاوز عن خزعبلات كثيرة من هذا النوع لأصل إلى شهادتى الشخصية وكيف تم تزويرها.
من بين حوالى ساعتين سجلت فيهما شهادتى عن أحداث يوم الخامس من نوفمبر وحتى مقتل الحسينى فى الثانية من صباح اليوم التالى لم يعرض الفيلم سوى دقيقة واحدة عبارة عن جمل مبتورة مبعثرة بهدف التشويش والتزوير الفاضح.
المزورون تجاهلوا أننى كتبت شهادتى وسلمتها للنشر فى جريدة "الفجر" بعد ساعات من إصابة الحسينى، حيث نشرت فى العدد الصادر بتاريخ 12 نوفمبر 2012.. ثم كتبت شهادة أخرى بمناسبة ظهور فيلمين عن الحسينى ونشرت فى "الفجر" بتاريخ الخامس من يناير الماضى 2014.
لن أعيد نشر هذه الشهادات هنا، وهى موجودة على موقع الجريدة لمن يريد، ولكننى أريد أن أؤكد أنها ثابتة منذ اللحظة الأولى ولم تتغير منها كلمة، وأنها تشير فى كل كلمة منها إلى أن الحسينى– رحمه الله- أصيب بطلقة حية من الجهة التى كان يحتشد فيها الإخوان. وهو ما تؤكده شهادات أخرى كثيرة لزملاء كانوا هناك. الفارق الوحيد بين شهادتى وشهاداتهم لا يتعلق بما حدث، ولكن برأيى وتحليلى لما حدث، فقد رأيت من اللحظة الأولى أن قتل الحسينى تم برصاصة حية شهدتها بعينى داخل جمجمته وأن الرصاصة جاءت من مسافة بعيدة لا تقل عن ثلاثين أو أربعين مترا، ضمن رصاص عشوائى كثير كان ينهمر نحونا فى ليلة شبه مظلمة، ولذلك رأيت أن الحسينى لم يكن مستهدفا لشخصه أو لسرقة الكاميرا كما رأى بعض المتحمسين "بزيادة". وقد كتبت يومها:
"لا أتصور أن الكاميرا كانت مستهدفة كما قال البعض، وربما كان من أخذها لصاً أو مواطناً عادياً استباح لنفسه سرقة كاميرا شخص يموت. ولو صح تصورى أعتقد أن الكاميرا، أو على الأقل شريحة الذاكرة سوف تظهر قريبا. لا أعتقد أيضا أن الرصاصة جاءت من مسافة قريبة جدا. ربما يكون تقرير الطبيب غير دقيق، وسوف يتبين مدى صحة ذلك"
كانت هذه شهادتى، وتبين بعدها أن الرصاصة كانت حية على عكس التقرير الطبى الفاشل، كما عادت الكاميرا بالفعل عندما علم من أخذها بهوية صاحبها.
الإخوان قتلوا الحسينى. هذا مؤكد. ولكن هل قتلوه عمدا وهل قتلوه لسرقة الكاميرا؟ هذا أمر مشكوك فيه.
صناع الفيلم المزورون تركوا شهادتى التى استغرقت ساعتين و"شبطوا" فى جملتين لا معنى لهما عن رأيى فى مسألة الاستهداف المتعمد للحسينى. الغريب أن الفيلم "الأهبل" يمزج هذا الرأى بمزاعم وأكاذيب تفيد بأن الحسينى قتل بواسطة الطرف الثالث لإلصاق التهمة بالإخوان. طيب أيها المغفلون إذا كنتم تستشهدون بكلامى عن أن الظواهر والبيئة المحيطة بمقتله لا تنسجم مع رواية الاغتيال المتعمد.. فكيف تزعمون أنه اغتيال متعمد؟
هذا الفيلم ما هو إلا صرخات مجرم ضبط متلبسا بجريمته، فراح يهلوس بكلام غير مفهوم للتشويش على فعلته.
الدليل الأكبر على صحة ذلك هو ما يزعم الفيلم أنه دليل على أن الإخوان لم يقتلوا الحسينى لأنه قتل فى منتصف الليل وليس فى الثانية صباحا كما يقول محمود بدر. يعنى الفيلم يزعم أن الحسينى قتل قبل أن يقتل فعلا بحوالى ساعتين!
وسأكتفى بهذه الفقرة من شهادتى الأولى التى كتبتها بعد إصابة الحسينى بساعات:
"قبل إصابة الحسينى بدقائق كانت آخر كلمتين استقبلهما صندوق رسائلى على الهاتف المحمول هما "مصور قتيل". كانت الرسالة من الصديق سامى كمال الدين يطلب منى كتابة مقال لمجلة "الدوحة" عن فيلم "مصور قتيل" الذى عرض فى مهرجان القاهرة السينمائى قبل أيام. الرسالة مسجلة بتوقيت الواحدة وخمسين دقيقة. بعدها بدقائق كان المصور القتيل الحسينى أبوضيف ملقى على الأرض أمامى. لحظة غريبة بقدر ما هى مفزعة."
الغريب أن أسهل شىء يمكن التحقق منه فى هذه القضية هو مسألة التوقيت الذى أصيب فيه الحسينى، لأنه مسجل على مكالمات هواتفنا التى يمكن الرجوع إليها من خلال شركات الاتصالات، ومن خلال محطات التليفزيون التى أذاعت الخبر، ومن خلال سيارة الإسعاف التى نقلته إلى المستشفى ومن خلال سجلات المستشفى.. وغيرها