في انتظار الحيثيات، موقف التعليم العالي من حكم الإدارية العليا بعودة التعليم المفتوح    مديرة مدرسة عبد السلام المحجوب عن واقعة إهانة المعلمة: الفيديو مدبر    خلال لقاء ودي بالنمسا.. البابا تواضروس يدعو رئيس أساقفة فيينا للكنيسة الكاثوليكية لزيارة مصر    بيلاي: صرخة العدالة تتصاعد.. والعدالة الرقمية تبرز مع اتساع فجوة عدم المساواة    المشاط: اللجان المشتركة إحدى الآليات الرئيسية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع الدول    الجامعة العربية تدين الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على سوريا    قوات الاحتلال الإسرائيلي تبدأ هدم 24 مبنى بمخيم جنين في الضفة الغربية    تشكيل منتخب مصر للكرة النسائية تحت 20 عاما أمام ليبيا فى بطولة شمال أفريقيا    عمر جابر: الزمالك جاهز لتخطي كايزر تشيفز وحصد ثلاث نقاط مهمة    الأهلي يكلف المستشارين القانونيين للنادى بالانضمام لفريق الدفاع عن رمضان صبحي    السيطرة على حريق باستديو مصر بالمريوطية    الدفع ب 6 سيارات إطفاء لإخماد حريق ستوديو مصر، ومصدر يكشف سبب الواقعة (فيديو)    إيقاف تصوير الكينج حتى إشعار آخر بعد حريق استوديو مصر    صدمة في الوسط الإعلامي لرحيل 3 من رموزه في أسبوع واحد    بمشاركة 23 فنانًا مصريا.. افتتاح معرض "لوحة في كل بيت" بأتيليه جدة الأحد    «الرعاية الصحية» تنظم جلسة نقاشية حول توسيع الوصول إلى الأدوية ودور القطاع الخاص    الصحة: جمع 295 كيس دم آمن في حملة تبرع بجامعة حلوان    محافظ شمال سيناء من معبر رفح: جاهزون للانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة    ضبط سائق نقل يهدد قائد سيارة أخرى بسبب التصوير أثناء السير برعونة بالقليوبية    طقس غد.. مفاجأة بدرجات الحرارة ومناطق تصل صفر وشبورة خطيرة والصغرى بالقاهرة 16    تعاطى وترويج على السوشيال.. القبض على حائزي المخدرات في الإسماعيلية    مصرع 3 شباب في انقلاب سيارة ملاكي بترعة المريوطية    وزير البترول: توقيع مذكرة تفاهم لإجراء مسح جوي شامل للإمكانات التعدينية على مستوى مصر    ارتفاع سعر الجمبري واستقرار لباقي أنواع الأسماك في أسواق دمياط    الاتصالات: إطلاق برنامج ITIDA-DXC Dandelion لتدريب ذوى الاضطرابات العصبية للعمل بقطاع تكنولوجيا المعلومات    تامر محسن يقدم ماستر كلاس في مهرجان الفيوم اليوم    تامر حسنى: بعدّى بأيام صعبة وبفضل الله بتحسن ولا صحة لوجود خطأ طبى    مهرجان شرم الشيخ المسرحى يحتفى بالفائزين بمسابقة عصام السيد للعمل الأول    المصري يتحرك نحو ملعب مواجهة زيسكو الزامبي في الكونفدرالية    من قلب البرلمان.. تحريك عجلة الشراكة الأورومتوسطية نحو تعاون اقتصادي أوسع    لتغيبهما عن العمل.. إحالة طبيبين للشؤون القانونية بقنا    بعد وفاة فتاة في المغرب.. باحث يكشف خطورة «غاز الضحك»    محافظ سوهاج: إزالة 7255 حالة تعدى على أملاك الدولة والأراضي الزراعية    تفريغ كاميرات المراقبة بواقعة دهس سيدة لطفلة بسبب خلاف مع نجلها بالشروق    أحمد الشناوي: مواجهة بيرامديز ل باور ديناموز لن تكون سهلة    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية بإندونيسيا إلى 84 شخصًا    محافظة الجيزة تعلن غلق كلى ل شارع الهرم لمدة 3 أشهر لهذا السبب    شادية.. أيقونة السينما المصرية الخالدة التي أسرت القلوب صوتاً وتمثيلاً    الصحة: فحص نحو 15 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأورام السرطانية    أسعار البيض اليوم الجمعة 28 نوفمبر    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    خشوع وسكينة.. أجواء روحانية تملأ المساجد في صباح الجمعة    انقطاع الكهرباء 5 ساعات غدًا السبت في 3 محافظات    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 28نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 28- 11- 2025 والقنوات الناقلة    "العمل" تجري اختبارات للمتقدمين لمهنة «عامل بناء» بالأردن    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    بيونج يانج: تدريبات سول وواشنطن العسكرية تستهدف ردع كوريا الشمالية    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    محمد الدماطي يحتفي بذكرى التتويج التاريخي للأهلي بالنجمة التاسعة ويؤكد: لن تتكرر فرحة "القاضية ممكن"    الشرع يدعو السوريين للنزول إلى الشوارع في ذكرى انطلاق معركة ردع العدوان    عبير نعمة تختم حفل مهرجان «صدى الأهرامات» ب«اسلمي يا مصر»    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات جوية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة    القانون يحدد ضوابط لمحو الجزاءات التأديبية للموظف.. تعرف عليها    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    الشيخ خالد الجندي يحذر من فعل يقع فيه كثير من الناس أثناء الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. رشا سمير تكتب : الابتذال إرادة شعب !
نشر في الفجر يوم 27 - 04 - 2014

الشخص المُبتذل بحسب اللغة العربية هو الشخص الذى ترك الاحتشامَ والتَّصوُّن وتدنَّى فى سلوكه ليصل إلى مرحلة الانحدار الأخلاقى.. والحياة المبتذلة هى الحياة التى تخلو من المبادئ، فتصبح مع الوقت مجرد أيام تمر بلا سمو فكرى ولا مثاليّة عقائدية.. والفكرة المبتذَلة هى حتما الفكرة التى تخدش الحياء وتكدر صفو السلم العام برؤية هابطة لا تحمل فى فحواها قيمة ولا مغزى محترماً..

هذا هو المعنى الحرفى للابتذال كما عرفه البشر.. ولكن هل يبقى الابتذال مجرد معنى على ورق أم أنه قد ينتشر أحيانا ليصبح أسلوب حياة؟!..

فى سابقة فريدة من نوعها، تدخل رئيس الوزراء إبراهيم محلب لوقف عرض فيلم «حلاوة روح» واصفا الفيلم بالابتذال والتدنى الأخلاقى والتأثير السلبى على الأجيال القادمة!.. وفجأة انقسم الشعب المصرى ما بين مؤيد ومُعارض..

تساءل المُعارضون: «هل أصبح رئيس الوزراء معنى بالرقابة على الفن؟ وهل امتدت يد الدولة إلى قمع الحريات بعد الإطاحة بدولة الإخوان؟».

وعلق المؤيدون: «قرار محترم يرفض الابتذال ويحارب التدنى الأخلاقى»..

ويبقى السؤال: هل الابتذال فقط هو ابتذال الجسد أم أنه تعرية الفكر وانحطاط العقيدة؟..

القضية الحقيقية ليست قضية فيلم يحتوى على مشاهد مُخلة لأنه كم من أفلام تم عرضها من قبل ووافقت عليها المصنفات الفنية وبها مشاهد أكثر إثارة وأكثر سخونة، لكنها مرت دون مشاكل وشاهدها الشباب بلا تذمر من الحكومة ولا اعتراض من منظمات حقوق المرأة والطفل!.. القضية هى قضية فساد أخلاقى مارسه رئيس الرقابة مُحابيا للسبكى الذى استعان به كمخرج لأفلامه من قبل!.. ولماذا إذن لا يقوم رئيس الوزراء بمنع مسلسل (قلوب) الذى تمارس بطلاته الدعارة والرذيلة والمخدرات كأسلوب حياة يومى عادى جدا بلا أى حرج!..

أنا هنا لا أؤيد فيلم حلاوة روح لأنه فيلم يتنافى مع قيمنا كمصريين، لكننى أيضا لا أؤيد وقفه لأنه قرار جاء ضد حرية الفن والإبداع الذى يجب أن يظل التصرف فيه فقط بين أيدى صانعيه.. فالفن ليست وظيفته التربية لأن التربية وظيفة الأسرة، لكن الفن وظيفته الطرح.. طرح المشكلات بشكل يحتمل الحل والعلاج.. أما الطرح الذى يقف عند الابتذال والعُرى فهو ليس فنا بل يبقى أبدا حبيسا سجون الإسفاف..

لكننى أعترض وبشدة على فيلم بلا مضمون، وأعترض على الابتذال الذى أصبح سمة كل شىء فى مصر، بل وسكن كل الملامح حتى عقول البشر..

فمن الابتذال الفنى إلى الابتذال الفكرى إلى الانحطاط الثقافى ويا قلبى لا تحزن!..

على الرغم من أننا فى عصر لم تعد للرقابة فيه أى دور قاطع لأن الانترنت أصبح مشاعا للجميع واليوتيوب قادر على السماح بعرض كل ما يتم منعه.. هنا أصبح من الحتمى أن تبقى الرقابة الحقيقية فقط للضمائر.. ودورنا هو إيقاظ الضمائر لدى أبنائنا..

الابتذال يا سادة ليس فقط هيفاء..

الابتذال أصبح أغانى (أوكا وأرتيجا) وفرقة (شارموفرز) وما تحمله تلك الأغنيات من إسفاف فى الكلمات والمحتوى.. إسفاف يقدمونه للشباب ويتلقفه المراهقون ويتغنون به غير مدركين معنى كلماته ولا ما وراء المعانى من معانى مستترة!..

إنهم يسوقون للابتذال، والكارثة أنهم يقفزون إلى قائمة الفرق الموسيقية الأكثر سماعا ويتم استضافتهم فى الكارنفالات بل والأدهى فى حفلات التخرج بالمدارس الثانوى!..

ويتطور الابتذال لتتحول أحلام بعض الشباب البائس إلى محاكاتهم فى الشكل والملبس وطريقة الغناء..

هكذا يصدرون لهم الإسفاف.. وهكذا تتصور تلك الأجيال البائسة أن هذا هو الفن!..

وينتقل الابتذال من التمثيل والغناء ليحتل الكلمة المقروءة أيضا..

فأصبحت ألمح على رفوف المكتبات كل أسبوع العشرات من العناوين الجديدة.. روايات وقصص قصيرة ودواوين شعر.. كل ما يجمعها هو العنوان المُثير والغلاف الجاذب للعين وطبعا حجم المبيعات.. وتحولت فئة لا بأس بها من الشباب من مجرد قراء إلى رهبان يمارسون طقوساً زائفة من الإبداع أو مثقفون يعيشون حالة وهمية من الثقافة!..

فالمواطن المصرى ببساطة أصبح ينتمى لفئة من اثنتين: إما أن يكون قارئا مثقفا يضع صور الكتب التى قرأها على التويتر والفيسبوك متفلسفا متصورا أنه أصبح دودة كتب بعد قراءته لمجموعة عناوين (مفرقعة) لكُتاب لم يسمع عنهم يوما!.. وإما كاتبا، قرر فى منتصف عمره أن تجربته الحياتية تستحق النشر ويكتشف أن له صديقاً يمتلك دارا للنشر تطبع عناوينها تحت السلم! والمذهل حقا أنه فى بعض الأحيان (يضرب) الكتاب ويحتل قائمة الأكثر مبيعا، بل وقد تتحول المصيبة إلى كارثة عندما يتم ترشيحه لجائزة أدبية لها وزنها لأن الكاتب له صديق حميم فى لجنة التحكيم!..

هذا هو يا سادة الابتذال بعينه.. فالابتذال أدب هابط وفكر ملوث يُتاجر بالتابو الأكثر مبيعا فى مصر وهو مثلث (الجنس والسياسة والدين)!..

ثم يضرب الابتذال فى جذور الواقع حين يصبح الإعلام المرئى والمسموع هما الوسيلة الأكثر ابتذالا فى المجتمعات التى تعانى من أمية ثقافية..

فالبرامج التليفزيونية أصبحت تبحث عن الجذب المشروع وغير المشروع من خلال ضيوف يتحدثون فى كل شىء وعن لاشىء!.. ومقدمو البرامج أصبحوا يمتهنون كل المهن ماعدا مهنة الإعلام المحترم!..

فمن اللفظ الخارج إلى الحوار المبتذل إلى الاختلاف غير الأخلاقى.. وعلى مصر السلام!

من هذا إلى ذاك بات البيت المصرى مهددا بانهيار أخلاقى حتمى حين تصور الأطفال والشباب فى البيوت أن الطريقة غير اللائقة غير المهذبة التى يتحدث بها شباب التليفزيونات الثورجية عن الجيش والحكومات، هى الطريقة المُثلى للتعبير عن الرأى!..

وأصبح التشويح باليد ولغة الاستنكار والصوت العالى هى سمة كل من يحاول توصيل رأيه وفرض وجوده!.. ولأن القدوة يا سادة تبدأ بالمثل الأعلى، فما بالنا بزمان تردت فيه القيم الحياتية فتحول الإعلام والأدب والفن إلى سلاح نقتل به الأجيال القادمة..

ولأن الشىء بالشىء يُذكر.. يجب أن أشير إلى حوار المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية حمدين صباحى، وهو الرجل الذى اعتنق الفكر الناصرى طويلا على الرغم من أن عبد الناصر رجل عسكرى وهو ضد حكم العسكر!.. الرجل الذى أصبح مُشتاقا لمنصب الرئاسة أكثر من عبده مشتاق شخصيا!.. هذا الرجل الذى كنت أحترم دوما إصراره على خوض المعركة وأحترم شعبيته والتفاف الشباب حوله.. هذا الرجل الناصرى قد دخل بحواره فى برنامج القاهرة اليوم إلى منطقة الابتذال التنافسي!.. فالسيسى لم يذكره أبدا فى أحاديثه ولا خرج يوما ليرد على اتهاماته وهجومه عليه، بل كان من الذكاء بأن بقى ساكنا مراقبا هادئا، وترك حمدين يتحدث ويصرح ويهاجم.. ويخسر أصواتاً!..

والسيد حمدين له الحق فى الانتقاد وربما الاعتراض، لكن فليسمح لى أن أقول له إنه ليس من حقه التشكيك فى نزاهة الانتخابات، ولم يكن من اللائق تصدير صورته للناس على كونه المحارب الذى تآمر عليه الجميع (حتى موظفو الشهر العقارى)!.. وليسمح لى أيضا أن أصحح له معلومة أن السيسى ليس مرشح ثورة 30 يونيه وأسأله: من إذن هو مرشح الثورة؟ فلولا السيسى يا سيدى لما كنت أنت اليوم مرشحا محتملا لرئاسة الجمهورية!.. وأهمس فى أذنه: كان الأجدى بك أن تشرح للشباب الملتف حولك معنى كلمة الإرهاب، وقيمة أن تبقى مصر فوق الجميع حتى لو تنازل الجميع عن مصالحهم الشخصية فى فترة عصيبة يجب أن يتكاتف فيها الجميع..

إن مصر فى قبضة الجيش ليست سيطرة ولا ديكتاتورية، إنه قدر حتمى.. والسيسى مرشح الضرورة بالنسبة لوطن يبحث عن طوق نجاة.

إذن فالاختلاف الرخيص ابتذال.. والفن الهابط ابتذال.. والكلمة الخارجة ابتذال..

والمجتمع الذى يتعامل مع المرأة على أنها قطعة من اللحم الرخيص.. مجتمع مبتذل..

والبشر الذين يتعاملون مع القيم على أنها تراث من الماضى.. بشر مبتذلون..

وصناع الأدب والفن الذين يتعاملون مع الفن على أنه وسيلة للكسب غير المشروع.. تُجار فكر مبتذلون..

الابتذال ليس فقط فيلما بطلته هيفاء وهبى لكنه عنوان مجتمعات أبت أن يصبح الاحترام هو عنوانها.. وويل لأمة ضل مثقفوها وفسدت نخبتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.