إخوان القاهرة سيطروا على التعليم وحركة النشر فى قطر منذ أكثر من 70 عاما ■ خليفة بن حمد طرد الناصريين استجابة لضغوط الغرب وحل محلهم الإخوان منذ الخمسينيات من القرن الماضى
فى الجزء الثانى من كتاب (قطر: الخلفية والعلاقات الأمريكية) الصادر عن مركز الأبحاث فى الكونجرس يتعرض الباحث المتخصص فى شئون الشرق الأوسط كريستوفر بلانشارد لسياسة قطر الخارجية. ويؤكد بلانشارد أنه من الممكن وصف سياسة قطر فى المنطقة بالسياسة متعددة الاتجاهات التى تعتمد فيها قطر على محطة الجزيرة لمنحها دوراً مؤثراً، وهى لاتمانع فى الاتصال بمختلف التيارات والأحزاب داخل دول المنطقة بحثا عن دور. ويضيف الكتاب أنه على الرغم من حرص قطر على لعب دور فى المنطقة، إلا أن سياستها الخارجية نادرا ما تسفر عن نجاح ملموس فى الملفات الساخنة أو المطروحة على الساحة العربية والإقليمية، وذلك باسثتناء نجاح يتيم لها فى السياسة الخارجية وهو مفاوضات الدوحة لعام 2008 التى أنهت بشكل مؤقت الأزمة السياسية فى لبنان. ما دون ذلك، تبدو سياسة قطر الخارجية وكأنها تخلق مشاكل أكثر مما تقدم حلولاً، فهى دوما جزء من المشكلة وليست جزءاً من حلها. ويرى الكاتب أن أهم محدد فاعل فى السياسة الخارجية للدوحة هو الإسلام السياسى، فعلاقة قطر بالإخوان إحدى أهم ملامح سياستها الخارجية.
1 - أزمة تميم
السؤال الذى يشغل بال الجميع هل من الممكن أن تشهد العلاقة بين قطر وجماعة الإخوان المسلمين فى قطر تغيراً فى عهد الأمير تميم؟ بحسب الكتاب من الصعب تقديم إجابة حاسمة عن هذا السؤال، فعلى سبيل المثال قام تميم بتوبيخ الشيخ يوسف القرضاوى بسبب تصريحاته عن مصر وسوريا، حيث دعا للجهاد فى سوريا وطالب المصريين بالانقلاب على النظام القائم الذى أطاح بحكم الإخوان المسلمين، ولكن على الرغم من ذلك إلا أن القرضاوى لايزال يلقى خطبه بكل حرية فى قطر.
واستثمرت قطر الكثير من الأموال فى علاقتها بجماعة الإخوان فى مصر، وبحسب تقرير نشر فى أغسطس العام الماضى لمجلة منارة واشنطن الحرة (واشنطن فرى بيكون)، وهى مجلة إلكترونية مستقلة تصدر عن مركز الحرية الأمريكى، فإن مصادر بالمخابرات الأمريكية قد صرحت للموقع بأن قطر منحت حكومة الإخوان المسلمين ونظام محمد مرسى ما يقرب من 8 مليارات دولار. كما أن علاقة قطر بجماعة الإخوان هى علاقة ممتدة الجذور كما أشار أستاذ الدراسات الدفاعية فى كلية كينج فى لندن، ديفيد روبرتس، وكان الأخير قد نشر مذكرة تحمل عنوان (قطر، الإخوان، والعلاقات الانتقالية فى الخليج) ضمن ورشة عمل حملت عنوان ( رؤى للأمن الخليجى).
وأشارت المذكرة إلى أن الخلاف بين دولة قطر من ناحية ودول الخليج من ناحية أخرى، هو دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، ولكن علاقة قطر بالجماعة تتخطى مجرد بحث قطر عن دور فى المنطقة أو سعيها لامتلاك صوت مؤثر فى صناعة القرار بالعالم العربى والإسلامى، كما تتخطى أيضا مجرد الإشارة لوجود الشيخ يوسف القرضاوى فى قطر ودوره المؤثر هناك.
القرضاوى هو أحد النجوم الإخوانية اللامعة ولذلك يحظى بالشهرة والمتابعة ولكنه ليس الإخوانى الوحيد الذى اختار منذ عشرات السنوات الاستقرار فى قطر.
فبحسب المذكرة فإن القرضاوى الذى استقر فى قطر فى فترة الستينيات من القرن الماضى لم يكن القيادى الإخوانى الوحيد الذى انتقل لقطر، فالدولة الخليجية الصغيرة شهدت تدفقاً لعدد من الأكاديميين الإخوان الذين لعبوا دوراً فى مد جذور الفكر الإخوانى فى قطر. من هؤلاء عبدالبديع صقر الذى وصل إلى قطر فى عام 1954 ليتولى مهمة مدير التعليم فى قطر كما تولى إدارة مكتبة قطر الوطنية وذلك بناء على توصية من شيخ دينى بارز فى القاهرة. تحت قيادة عبدالبديع صقر، تدفق المعلمون الإخوان إلى قطر وأضفوا الفكر الإخوانى على العملية التعليمية فى قطر. عندما تولى الشيخ خليفة بن حمد آل ثانٍ مسئولية حقيبة التعليم فى الفترة من 1956 إلى 1957 شعر بالقلق من هيمنة الإخوان على العملية التعليمية ولهذا قام بإقالة عبدالبديع صقر من منصبه وعين بدلا منه السورى عبدالرحمن سمرة الناصرى التوجه. ومع ذلك، لم يستمر سمرة فى موقعه أكثر من عام نتيجة توجهاته القومية ونتيجة الضغوط البريطانية المعادية لأصحاب التوجهات الناصرية. واستمر تدفق المعلمين والأكاديميين الإخوان القادمين من القاهرة، وكان من ضمن هؤلاء أحمد العسال الذى أتى إلى قطر فى عام 1960 وعمل كمدرس كما كان يلقى الخطب فى المساجد وساعد فى تدعيم أصول جماعة الإخوان فى قطر. ومن ضمن القيادات الإخوانية التى انتقلت إلى قطر عبدالمعز الستار مبعوث حسن البنا الشخصى إلى فلسطين عام 1946 والذى انتقل إلى قطر فى الستينيات وعمل كمفتش مدرسة ثم مدير العلوم الإسلامية فى وزارة العليم، حيث شارك فى تأليف العديد من الكتب المدرسية فى النظام التعليمى القطرى الذى كان فى مهده.
وقد استمرت عائلة عبدالمعز فى قطر ودخل الابناء والاحفاد فى البيزنس. وقد رصدنا فى «الفجر» منذ اسابيع قليلة العلاقات المتشابكة بين حفيد عبدالمعز والاسرة الحاكمة فى قطر. واستثماراته وعلاقته بإخوان مصر. وبالمثل لعب القيادى الإخوانى كمال ناجى دوراً فى مد جذور الإخوان فى قطر، حيث شغل منصب مدير التربية والتعليم فى الفترة من 1964 إلى 1979، ورئيس لجنة النشر، وكان أيضا مستشار العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة التربية والتعليم. أما القرضاوى فقد غادر مصر إلى قطر فى عام 1961 وتدرج فى المناصب إلى أن أصبح عميد كلية الشريعة فى جامعة قطر، وساهم برنامجه بمحطة الجزيرة فى توسيع نفوذه وتأثيره.
3 - تصدير الإخوان للعالم العربى
على الرغم من انتشار الإخوان أو على الأقل أصحاب الفكر المتعاطف مع الإخوان فى مختلف البيروقراطيات بجميع أنحاء قطر، لاسيما نظامها التعليمى، إلا أن من الصعب اعتبار سياسة قطر الحالية هى نتيجة الضغوط الداخلية للقطريين أصحاب الفكر الإخوانى، ويرجع ذلك للعديد من العوامل.
بحسب المذكرة، من الصعب النظر إلى انتشار الأكاديميين الإخوان فى قطر خاصة فى النظام التعليمى، باعتباره السبب الرئيسى وراء السياسة التى تتبناها حاليا دولة قطر فى دعم وتمويل جماعة الإخوان. هذا الدعم القطرى نابع فى المقام الأول من رغبة دولة قطر فى لعب دور مؤثر فى المنطقة. وبفضل الربيع العربى، ساعدت علاقة قطر بالجماعة على منحها هذا الدور، خاصة أن فكر الجماعة منتشر فى مختلف الدول العربية.
تنتمى قطر للفكر الوهابى السلفى وتنحدر الأسرة الحاكمة فى قطر من نفس المجموعة القبلية العربية المركزية «بن تميم» تماما مثل مؤسس الوهابية محمد بن عبدالوهاب. وحتى مع التحولات التى شهدتها قطر فى مطلع القرن الواحد والعشرين خاصة مع الدفعة الاقتصادية الهائلة الناتجة عن صادرات الغاز الطبيعى المسال، وفى الوقت الذى لم يظهر فيه أى مؤشر يربط بين قطر والعقيدة الوهابية المتزمتة، تم افتتاح المسجد الوطنى فى قطر عام 2012 وكان يحمل اسم محمد عبدالوهاب. حقيقة ارتباط قطر بالفكر الوهابى تفسر لماذا سمحت قطر بتدفق المفكرين الإخوان فى أراضيها وفى نفس الوقت منع الإخوان من القيام بالدعوة لفكرهم على الأراضى القطرية بشكل صريح.
وفى الواقع فإن حجم مشاركة الإخوان فى الشئون الداخلية لقطر يكاد يكون غير ملحوظ. وبشكل عام حرصت قطر على منع رجال الدين من ممارسة أى نفوذ على الصعيد الداخلى. على سبيل المثال فإن أغلب طلاب المدارس الدينية التى أسسها القرضاوى هم من غير القطريين. كما لايوجد فى قطر منصب المفتى العام، كما لم تأسس قطر وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف إلا فى عام 1993.
على ناحية أخرى، حرصت قطر، التى تدعم الإخوان فى مختلف أنحاء الوطن العربى، على منع الإخوان من ممارسة أى نشاط من الأنشطة الاجتماعية التى تتميز بها أفرع الجماعة المختلفة، والتى تساهم بالتأكيد فى زيادة شعبية الجماعة بسبب الخدمات التى تقدمها. اعتبرت قطر أن مثل هذه الأنشطة من شأنها أن تؤثر سلبا على شرعية الدولة. لكن هذا الواقع لا يمنع من وجود علاقة منفعة متبادلة تجمع بين قطر والإخوان. منذ الستينيات استخدم الإخوان قطر باعتبارها نقطة انطلاق لامتداد الإخوان فى دولة الإمارات العربية، وبالتحديد فى دبى. وإذا كانت قطر تدعم الإخوان فى مد أنشطتهم فى الخليج فإنها فى المقابل لا تسمح لهم بنفس الأمر فى قطر. على سبيل المثال فى مقابل منح القرضاوى برنامجاً فى قناة الجزيرة عام 1996 لإعطائه مساحة انتشار واسعة لاسيما فى الجزيرة العربية، تم إغلاق مكتب الإخوان الرسمى فى قطر عام 1999. كما ساعد وجود الموظفين والأكاديميين الإخوان فى دولة قطر منذ الخمسينيات والستينيات على منح دولة قطر استقلالية عن السعودية. فدولة قطر الوهابية لم تكن تريد أن ينظر إليها باعتبارها تابعة للسعودية الراعية الأولى للفكر الوهابى، لذلك كان المفكرون والعلماء الإخوان هم الخيار الأمثل لدولة قطر من أجل تأسيس النظم الدينية دون الاعتماد على السعودية، وفى نفس الوقت الاستعانة بمفكرين وعلماء يخضعون لدولة قطر ومن الممكن التحكم فيهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن استضافة العلماء الإخوان قد ساعد قطر فى تأكيد مكانتها الإقليمية لما يتمتع به الفكر الإخوانى من انتشار فى العالم العربى على العكس من الفكر الوهابى. لقد سمح هذا الوضع لقطر بالتعامل باعتبارها عنصراً مؤثراً فى الكيان الإخوانى. من خلال سياسة الباب المفتوح انجحت قطر فى استقطاب الكثير من الإخوان، وأثبتت هذه السياسة فائدتها فى الربيع العربى.
4 - تغيير الحسابات
اليوم هناك حالة من الرفض الخليجى لجماعة الإخوان. السعودية تعتبر الجماعة لعنة لابد من التخلص منها، فالمملكة لم تغفر لجماعة دعمهم لصدام حسين فى التسعينيات، كما تعتبر السعودية الجماعة المسئول الأول عن تطرف الشباب السعودى، وأخيرا هى تشكل تهديداً للنظام السعودى كجماعة دينية منظمة بشكل جيد. ولدى دولة الإمارات شكوكها العميقة تجاه الجماعة وقد تعمقت هذه الشكوك بشكل أكبر بعد الربيع العربى. وقد ترجمت المملكة السعودية هذة الشكوك إلى اجراءات وتشريعات. وعلى رأس هذه الاجراءات قانون جديد يحظر على المواطنين السعوديين القتال فى دولة أخرى. وعقوبات المخالفين لهذا القانون مشددة ومقيدة للحريات.