فى إطار سلسلة الإصدارات التى تخرج عن منتدى رفاعة الطهطاوى لدراسات الديمقراطية– بيت تفكير مصرى مستقل – تابع لمؤسسة عالم واحد للتنمية وحرصاً من المنتدى على متابعة ومناقشة الأحداث السياسية الآنية والمتواصلة، يطرح رؤية نقدية موجزة وتقييم لنص مشروع قانون حماية الشهود والمبلغين والخبراء في ضوء المبادىء الدولية لقانون حماية المبلغين الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. ويذكر ان وافق مجلس الوزراء، في 19 فبراير 2014، على مشروع قانون حماية الشهود والمبلغين والخبراء، الذى أعدته اللجنة التشريعية بوزارة العدل، بالتعاون مع اللجنة القومية لجمع المعلومات والأدلة وتقصى الحقائق ، وعلى قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته، وعلى قانون الإجراءات الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 وتعديلاته، ويرى منتدى رفاعة الطهطاوي أن نص مشروع القانون وإن كان قد التزم –نسبيًا- ما بما ورد باتفاقية مكافحة الفساد بشأن حماية الشهود والمبلغين، مادة (32) فقرة (1)، إلا أنه لم يشتمل على الإجراءات والتدابير اللازمة والمفصلة لضمان حماية الشهود والمبلغين والخبراء.
وبالنظر إلى مواد مشروع القانون، وملاحظة مدى توافقها والمبادى الدولية لقانون حماية المبلغين، واتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد تتضح عدة أمور أغفلها نص مشروع القانون والتي نتناولها بإيجاز في التالي :
1- لم يقدم نص مشروع القانون تعريفا محددًا للمبلغين والشهود والخبراء، حيث تختلف أنواع المبلغين من موظفين بالقطاع الحكومي أو القطاعات الخاصة، أو أفراد مستقلون يبلغون عن انتهاكات أو وقائع فساد بالقطاعات المختلفة، حيث تناول المبدأ (4) من المبادىء الدولية لقانون حماية المبلغين، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، تعريف المبلغ بأنه أي موظف أو عامل في قطاع عام أو خاص، يكشف معلومات ويعرض للعقاب وهذا يشمل أفرادا خارج العلاقة التقليدية بين الموظف وصاحب العمل مثل المستشارين والمقاولين والمتدربين والمتطوعين والطلبة العاملين والعمال المؤقتين والموظفين السابقين؛ ويعد عدم تعريف القانون للمبلغين والشهود بمثابة فجوة قانونية ربما لا يحصل المبلغ أو الشاهد على الحماية اللازمة الواردة بالقانون أو اتفاقية مكافحة الفساد، كذلك لم يوضح نص القانون تعريفا محددًا للجرائم التي ينطوي عليها القانون وتشمله إجراءات حماية المشمولين بالحماية، أو ذويهم وأقاربهم.
2- نصت المادة الثالثة من القانون، على أن الجهة المعنية بحماية المشمولين هي "إدارة الحماية" التابعة لوزارة الداخلية، ويصدر بتنظيم عمل الإدارة قرار من وزير الداخلية، ووفقا للمبدأ (28) الوراد بالمبادىء الدولية لقانون حماية المبلغين والذي ينص على أنه يجب أن تقوم وكالة (هيئة) مستقلة بتلقي والتحقيق في شكاوى الانتقام والتحقيقات غير الملائمة في شكاوى المبلغي، لذلك ينبغي أن تتمتع هذه الجهة او الإدارة بنوع من الاستقلال، حيث ان وزارة الداخلية غالبا ما تكون طرفا أو خصما في البلاغات المقدمه، سواء ما يتصل بوقائع فساد، أو انتهاكات لحقوق المحتجزين أو المسجونين.
3- قدم نص مشروع القانون في مادته السادسة أنواع الحماية وأشكالها، ولكن لم يقدم آليات تنفيذها تجاه المشمولين، حيث لم تتناول المادة المعايير او الحدود الأدني لأدوات ووسائل الحماية، الأمر الذي يطعن في جدوى القانون من الناحية التنفيذية، حيث ينص المبدأ (14) من المبادىء الدولية لقانون حماية المبلغين، أن المبلغين الذين تتعرض حياتهم أو سلامتهم للخطر وأفراد أسرهم من حقهم تلقي إجراءات حماية شخصية، ويجب أن يتم تكريس موارد ملائمة من أجل هذه الحماية.
4- أعطى القانون، في المادة السابعة، للنيابة العامة حق تحديد المدى الزمني لإجراءات الحماية بناء على قرار قضائي مسبب وذلك قبل الفصل في الدعاوى الجنائية بحكم بات، وأجاز للمشمول بالحماية التقديم بطلب للنيابة لاستمرار إجراءات الحماية، وعلى النيابة العامة البت في طلبه، ولكن ترك القانون أمر مد إجراءات الحماية بعد الطلب للنيابة العامة بدون قرار قضائي مسبب، وبذلك فإن الحماية ليست محددة –بالضرورة- بمدى زمني مشروط بحكم قضائي في كافة مراحل الدعوى الجنائية، الامر الذي ينتقص من حق المشمولين من إجراءات الحماية الكاملة.
5- لم ينص مشروع القانون على دور المنظمات المستقلة عن الدولة في تلقي البلاغات والشكاوى، وهي المنظمات غير الحكومية أو النقابات، أو الاتحادات التجارية، أو الجمعيات القانونية أو الإعلام، وذلك في حالات الخطر العام أو الشخصي الشديد أو المميت، أو في حالة التجاهل المستمر لتجاوزات تؤثر على المصلحة العامة، وذلك وفقا لما ورد بالمبدأ (17) من المبادىء الدولية لقانون حماية المبلغين.
6- لم يكفل مشروع القانون إتاحة قنوات ووسائل تقديم البلاغات لموظفي وعمال القطاعات الحكومية، بما فيها الخطوط الساخنة، والمواقع الإلكترونية، ومتلقي الشكاوي داخل تلك الهيئات أو خارجها، حيث ورد بالمبدأ (18) من المبادىء الدولية لقانون حماية المبلغين، وجوب إتاحة هذه الوسائل من قبل السلطات المعنية، كذلك لم يوضح القانون آليات تقديم هذه البلاغات بشكل آمن أو سري، أو بدون كشف الهوية.
7- أغفل مشروع القانون، الإجراءات والتدابير اللازم اتخاذها كإجراءات وقائية مباشرة أو غير مباشرة لأي أعمال انتقامية بحق المشمولين بالحماية، حيث لم تشمل أي إعانات صادرة بأمر قضائي، أو أتعاب محاماة، أو التعويض عن المكاسب او المكانة المفقودة أو التعويض عن الألم والمعاناة المترتب عن الإبلاغ عن قضايا فساد او انتهاكات، وذلك وفقا للمبدأ (20) من المبادىء الدولية لقانون حماية المبلغين.
8- لم يلزم القانون، الجهات المعنية بتلقي شكاوى المبلغين، أو جهات التحقيق المعنية، بنشر معلومات حول الشكاوى والبلاغات بشكل دوري –باستثناء البيانات الشخصية للمبلغين والشهود والخبراء-، في إطار الشفافية وتداول المعلومات، وتتضمن هذه المعلومات، ووفقا للمبدأ (20) من المبادىء الدولية لقانون حماية، عدد القضايا التي تم تلقيها، والقضايا التي تم رفضها، أو قبولها، أو تم التحقيق فيها، أو لم يتم تأكيدها، وحجم انتشار التجاوزات في القطاعات العامة والخاصة.