بدء المؤتمر الصحفي للهيئة الوطنية لمتابعة غلق اللجان وبدء الفرز بجولة الإعادة للمرحلة الثانية بانتخابات النواب 2025    محافظ الإسكندرية يستقبل سفير ألمانيا لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك    ممثلة روسيا: واشنطن تستعد لمشاركة بوتين المحتملة في قمة مجموعة العشرين العام المقبل    توروب يعلن قائمة الأهلي لمباراة سيراميكا كليوباترا    ضبط شخص لحشده ناخبين مقابل مبالغ مالية بدائرة مركز طنطا    الداخلية تكشف حقيقة نقل ناخبين بسيارة في المحلة    حمزة نمرة يبهر جمهوره بمقطع من أغنية "يا ليالي"    هيئة الاستعلامات: صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل تجارية بحتة وفق اعتبارات اقتصادية    بيلاروسيا تعلن نشر صاروخ أوريشنيك الروسى الفرط صوتى على أراضيها    محاربة الشائعات    الجنائية الدولية: عقوبات أمريكا على عضوي المحكمة اعتداء صارخ على استقلال هيئة قضائية    نازك أبو زيد: استهداف الكوادر الصحية والمستشفيات مستمر منذ اندلاع الحرب في السودان    نازك أبو زيد: الفاشر وكادوقلي والدلنج على شفا المجاعة بسبب الحصار    «التضامن» تشارك فى احتفالية ذوى الإعاقة    تقرير: برشلونة لم يتوصل لاتفاق لضم حمزة عبد الكريم    وفد الأهلي يسافر ألمانيا لبحث التعاون مع نادي لايبزيج    الأهلي يرفض بيع عمر الساعي ويقرر تقييمه بعد الإعارة    عضو "شركات السياحة": لا سياحة حقيقية دون منظومة نقل متكاملة    بنك الإسكندرية يحصل على حزمة تمويل بقيمة 20 مليون دولار أمريكي    الداخلية تضبط سيارة توزع أموالا بمحيط لجان فارسكور    الجيزة: غلق جزئي بمحور أحمد عرابي أعلى محور الفريق كمال عامر غدا الجمعة    أراضى المانع القطرية بالسخنة «حق انتفاع»    المخرج أحمد رشوان يناشد وزارة الثقافة المغربية التحقيق في أزمة تنظيمية بمهرجان وجدة السينمائي    جدول امتحانات الفصل الدراسى الأول لطلاب النقل والشهادة الإعدادية بالجيزة .. اعرف التفاصيل    رسميا.. الدوحة تستضيف نهائي «فيناليسيما» بين إسبانيا والأرجنتين    نازك أبو زيد: الدعم السريع اعتقلت أطباء وطلبت فدية مقابل الإفراج عن بعضهم    إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء شهداء ومصابي العمليات الحربية والإرهابية    أسرة الراحلة نيفين مندور تقصر تلقى واجب العزاء على المقابر    الداخلية تضبط مطبعة غير مرخصة بالقاهرة    الأرصاد: تغيرات مفاجئة فى حالة الطقس غدا والصغرى تصل 10 درجات ببعض المناطق    جولة الإعادة بالسويس.. منافسة بين مستقلين وأحزاب وسط تنوع سلوك الناخبين وانتظام اللجان    الصحة اللبنانية: 4 جرحى فى الغارة على الطيبة قضاء مرجعيون    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    فوز مصر بجائزتي الطبيب العربي والعمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب    ضبط عامل بالدقهلية لتوزيعه أموالًا على الناخبين    الترويج لممارسة الدعارة.. التحقيق مع سيدة في الشروق    هل تتازل مصر عن أرص السخنة لصالح قطر؟.. بيان توضيحي هام    عبد اللطيف صبح: 55% من مرشحى الإعادة مستقلون والناخبون أسقطوا المال السياسى    الخارجية: عام استثنائي من النجاحات الانتخابية الدولية للدبلوماسية المصرية    الرعاية الصحية: مستشفى الكبد والجهاز الهضمي قدّم 27 ألف خدمة منذ بدء تشغيل التأمين الصحي الشامل    عمرو طلعت يفتتح مقر مركز مراقبة الطيف الترددي التابع لتنظيم الاتصالات    جلوب سوكر - خروج صلاح من القائمة النهائية لجائزتي أفضل مهاجم ولاعب    تكربم 120 طالبا من حفظة القرآن بمدرسة الحاج حداد الثانوية المشتركة بسوهاج    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    الداخلية تضبط قضايا تهريب ومخالفات جمركية متنوعة خلال 24 ساعة    تخصيص قطع أراضي لإقامة مدارس ومباني تعليمية في 6 محافظات    صحة المنيا: تقديم أكثر من 136 ألف خدمة صحية وإجراء 996 عملية جراحية خلال نوفمبر الماضي    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025    تشكيل نابولي المتوقع أمام ميلان في كأس السوبر الإيطالي    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي    في خطابه للأميركيين.. ترامب يشنّ هجوما قويا على بايدن    الاحتلال الإسرائيلي يعتقل شابين خلال اقتحامه بلدتي عنبتا وكفر اللبد شرق طولكرم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    البرلمان تحت الاختبار.. بين ضغوط الأسعار وحصن الأمن القومي    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأمل صنيع نملة!
نشر في الفجر يوم 23 - 02 - 2014

سُئِلتْ أمُّ الدرداء: ما كانَ أفضلُ عبادةِ أبي الدرداء؟ قالت: التفكُّر والاعتبار [1].

سبحان الله! إنَّ التفكُّرَ في بديع صُنع الله وعظَمة خَلْقه مِن أجلِّ العبادات التي تُوصلنا إلى الاعتبار، وتَزيدُنا يقينًا بربِّنا المصرِّف لشؤونِ الكون، وتُعمِّق فينا رُوحَ التوحيد، عبادة سلَكها خليلُ الرَّحْمن؛ ليستدلَّ بالنجوم والشمس والقمَر على الخالِق الواحِد أمامَ قومه، عبادةٌ واظَبَ عليها حبيبُنا المصطفى - عليه الصلاة والسلام - قبلَ بعثتِه حين كان يخلو بغار حِراء يتحنَّث فيه [2].

وأنتَ؟ قد تكون نَظرتَ، بل أمعنتَ نظراتِك يومًا صَوبَ جبلٍ تُناطح قمَّتُه السحاب، وهي في مكانِها راسيةٌ ثابتة، أو ربَّما استجبت لقولِ الحقِّ - تبارك وتعالى -: {أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} [الغاشية: 17 - 19].

أو قدْ تكون رفعتَ رأسَك نحوَ السماء لترقُبَ سحابًا يعترِض في أفقها أو برْقًا يَسْتطير مِن أعاليها، وصوتُ الرَّعْد يُداعِبُ أُذنيكَ دون استئذانٍ، ويَروي قصَّة تَتكرَّر؛ لترتويَ الأرض بالغيثِ المسيَّر إليها.

أو قدْ تكون رأيتَ يومًا جمالَ الكون وتأمَّلته في رَونق رَوضةٍ والوقت ربيع، وقد تَفتَّحَت عن زَهرٍ بديعٍ، وحُللٍ بلونِ قوس قزَح، رافقتْها نَسماتُ هواء تَشفي العليل، وتُريح السقيم، وقلتَ: سبحان الله! سبحانَ مَن أحسنَ كلَّ شيءٍ خَلَقَه!

لكن أتُراك أمعنتَ نظراتِك نحو ذاك المخلوقِ الصغير، وهو يُلمْلِم فُتاتًا أو يحرِّك شيئًا أكبر بكثيرٍ مِن حجمه؟!

هل تأملتَ يومًا صَنيع نملةٍ؟!

أم تُراها خُلقت عبثًا؟!

يقول - عزَّ وجلَّ -: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} [الأنبياء: 16].

النَّمْل عالَم مدهِش ومميَّز، دورةُ حياة كامِلة خصَّها الله بها، أجسام صَغيرة وقُدرات عجيبة، وطاقات مميِّزة، وبنظرةٍ أقرَب إلى مجتمَع النَّمل ومشاهدتك له، لن تملك أمامَه إلاَّ تَرديد قوله - تعالى -: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [الجاثية: 3 - 4].

لنبدأ رحلتنا مع عالِم النَّمل.

1– التعاون والتكافل:

جانبٌ مضيءٌ مِن حياةِ النَّمل ومستوى مُتقدِّم مِن التعاونِ فيما بينها، فالنَّملة التي تَكتشِف مَصْدر الطعام تقوم بتوجيهِ الآخَرين إليه، بل في رِحلة ملئها لمخازنِها بالطعام تحدُثُ أمورٌ غريبةٌ عجيبة، فهل تعْلَم - يا رعاك الله - أنَّ النَّملة الجائِعة إذا التقَتْ بأخرى شبعى، فإنَّ الثانيةَ تُعطِي الأُولى خلاصات غذائيَّة مِن جِسمها؟

وهل تَعلم أنَّ النملات العامِلات تقوم بتغذيةِ اليَرقات؟

فضلاً عن تنبيه الباقيات إلى وجودِ مصادر للطعامِ في المكان الذي صَادفَته فيه؟ [3].

سبحان الله! كيف لهذا المخلوقِ الصَّغير أنْ يَعرِف مبدأ التعاون والتكافُل! وكيف له أنْ يَتصرَّف بهذه الطريقةِ غير الأنانيَّة؟!

إنَّه سلوكٌ يَنبغي أن نتَّصف به نحن البشَر، فالتعاون والتكافُل مِن أخلاقيات الإسلام، يقول - عزَّ وجلَّ - في مُحكَم تنزيله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

فمِن الصُّعوبةِ أن يَعيش الإنسانُ بمفردِه في هذه الحياة، ومِن الصُّعوبةِ أيضًا أنْ ينال حاجاته كلَّها دون اللُّجوء لغيرِه، فحاجةُ الناس لبعضهم أمرٌ طبيعي، ومشارَكة الآخرين في تَحقيق المصالِح المشروعة وارد أيضًا، والإنسان اجتماعيٌّ في علاقاته؛ لذا نَجِد الإسلام قد حثَّ على التعاونِ؛ ليشملَ جميعَ جوانبِ الحياة، إذًا فالتعاونُ هدفٌ ومطلَبٌ أسْمى ف «إنَّ المُؤمِنَ للمؤمِنِ كالبُنيانِ، يَشُدُّ بعضُه بعضًا» [4].

فهذا حالُ المؤمِن في تَعاوُنه مع أخيه المؤمِن، ولا يكون التعاون مِن أجْلِ إحقاقِ فائدة أو جلْب منفعةٍ فقط، وإنَّما يكون أيضًا من أجْل دفْع المنكَر ودحْض الشبهات وكفِّ الأذى.

وكما حدَّد دينُنا القويم علاقةَ الإنسان بربِّه، فإنَّه حدَّد علاقَته بأخيه الإنسان، والتكافُل صُورة أخرى للتَّعاون بيْن الأفراد في المجتمَع الواحِد بما يَشيعه مِن تَرابُط وحبٍّ وإيثار مِن أجْل تحقيقِ الحياة الكريمة للفَرْد.

وتختلِف أشكالُ التكافُلِ والعطاء على شاكلةِ الزَّكاة والصَّدَقة، والوقف والنَّفقة والكفَّارات، يقول الحق - تبارك وتعالى -: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180]، ممَّا يضمن العيشَ الكريم للمحتاج والفقير مِن جهة، ويروِّض نفْسَ باذلِ المال ويُقصِي مشاعرَ البُخل والشحِّ.

فهل طبَّقنا ووعيْنا؟ وهل تعاونَّا وتكافلنا؟

كم مِن مسلمٍ باتَ طاويَ البطن يتضوَّر جوعًا وجارُه يتقلَّب في النَّعيم! وأين نحن مِن سدِّ جوع الجائِع، وكسْي عُري العاري؟ بل أين نحنُ مِن مسلمين يموتون بالآلاف جوعًا، شبَّانًا وشيبًا، نِساءً ورجالاً؟! ألاَ نستحي مِن نملة تُطعِم أختَها!

خرَج أحدُهم مع أبي هُرَيرةَ يُسائِله، فلمَّا انتهى إلى بابِ بيته أقْبَل عليه، وقال: "ألاَ أخبرك بشر ممَّا سألتَني عنه؟ الرَّجلُ يَبيتُ شبعان وجارُه جائِع"[5].

كما لا يَرتبِط العطاءُ بمقابل أو تحقيق مصلحةٍ شخصيَّة، بلْ هو بابُ خيْر انفتح على مِصراعيه للمُعين، يقول الحبيبُ المصطفى - عليه الصلاة والسلام -: «مَن نَفَّسَ عن مُؤمنٍ كُربةً مِن كُرَب الدنيا، نفَّسَ الله عنه كُربةً مِن كُرَب يومِ القِيامة، ومَن يَسَّرَ على مُعسِر، يَسَّرَ الله عليه في الدُّنيا والآخِرة، ومَن سَتَر مسلمًا، سَتَره الله في الدُّنيا والآخِرة، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عَونِ أخيه» [6]، وبهذا التوازنِ نكون قدْ حقَّقْنا المنفعة لأنفُسِنا وللبلادِ والعباد.

2- التخطيط للمستقبل:

النَّمل - يا رَعاكم الله - مِن أحْرصِ مخلوقاتِ الله على تحقيقِ أَمْنه المستقبلي، فهو يدَّخر في يومِه لغدِه، يُذكَر أنَّ سيِّدنا سليمان - عليه السلام - استحضَر نملةً وسألها عن كميَّة الطعام الذي تَكفيها خلالَ السَّنَة الواحدة، فأجابتْه أنَّها تستهلك ثلاثَ حبَّات مِن الحنطة سنويًّا، فأمَر نبي الله بإلقائِها في قارورة مسدودة وجعَل معها ثلاثَ حبَّات مِن الحنطة، ثم أمر بفَتْح القارورة بعدَ سَنةٍ كاملة، فوجَد حبَّةً ونصفَ حبة من الحنطة، فقال سليمان -عليه السلام- للنملة متعجبًا: أين زَعْمُك؟! أنتِ زعمتِ في قولك، كل سَنة ثلاث حبَّات؟! قالت: نعَمْ، ولكن لَمَّا رأيتُك مشغولاً بمصالح أبناء جِنسِك حسبتُ الذي بقِي مِن عُمري، فوجدتُه أكثرَ مِن المدَّة المضروبة، فاقتصرتُ على نِصف القُوتِ واستبقيتُ نصفَه استبقاءً لنفسي، فعَجِب سليمانُ من شِدَّة حِرصها [7].

قد أوْدَع الله في النملةِ حُبَّ الادِّخار، فهي تحتفظ بالحبوبِ تحتَ الأرض في مستعمراتها، في مكانٍ رطبٍ دافئ، دون أن يُصيبَ هذه الحبوب التلفُ أو التعفُّن، بل ويتفنَّن النملُ في طريقة ادِّخاره لغذائه، فنجده يقطَع حبَّةَ القمح نِصفين، ويقضم البقولَ؛ كي لا تُنبتَ مِن جديد! وهذا كلُّه تحسُّبًا لفصلِ الشتاء؛ كي يجدها جاهزةً للاستهلاك [8].

فهل فَكَّرتَ في مستقبلك تفكيرًا إيجابيًّا يجعلك تخطِّط له، وتَضع تصوُّرات منهجيَّة لأهدافك؟ أم إنَّك تَسير وتَمضي إلى طريقٍ غير معلوم، غير واضح المعالِم؟ ومِن غير تخطيط لهدف تصل إلى تحقيقِه على المستوى القَريب أو البعيد؟

إنَّ التفكيرَ في المستقبل والتخطيط له يَجعَلُنا نسمُو لنكونَ أفضل، وشتَّان بيْن التخطيط للمستقبل والخوف ِمنه! بين التفكير الإيجابي المحفِّز، وبيْن الفزَع من الغيب المستور وطُولِ الأمَل الممقوتين شرعًا!

ولعلَّ ادِّخار النَّملة لغذاء سَنَة، يجعلنا نفكِّر في كيفية ادِّخار النقود؛ مِن أجْل تحقيق الأهداف المالية مثلاً، فالادِّخار يوازي الاستثمارَ، فهلاَّ استثمرْنا وقلَّدنا صنيعَ النملة؟

فاطوِ الماضي ولا ترْوِه، وعشْ يومَك وكنْ ذَكيًّا أريبًا، كيِّسًا فطنًا، فكِّر في كيفية تحقيق أهدافك المستقبليَّة، وخذْ بالأسباب التي تُعينك على بُلوغِه، وفي نفْس الوقت، ارضَ بما قسَمه الله لك، فكلُّ شيءٍ بقضاءٍ وقدَر، ولعلَّ التفكير في المستقبل القريب في حياتنا الدُّنيا، يجعلنا نُفكِّر في يومِ الجَمْع حيث فريقٌ في الجنَّة وفريق في السَّعير؛ {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 6 - 7].

3- الجِدُّ والمثابرة:

جِدٌّ ومثابرة وعدَم استسلام، تِلكم بعض ما يمكن أن يُوصَف به مجتمعُ النمل، لا وجودَ لكلمة (فشل) في قاموسهم! يحاولون، ويُتبِعون المحاولةَ بالأخرى، في جوٍّ مِن الاجتهاد الدؤوب والتعاون.

كلُّ شيءٍ يخضَع عندهم لتنظيم، وكلُّ عضوٍ في المستعمرة يقوم بواجباته، فهذه الملِكاتُ لها أمرُ القيادةِ والتوجيه، وهي التي تضَع البيض، وهذه الإناثُ العاملات التي تُشكِّل غالبية سُكَّانِ المستعمرة نراها وهي تقوم مجدَّةً بمهامها، وهذا الذَّكَر الذي يقوم بوظيفةِ التلقيح [9]، مستعمرات يسودُها تقسيمٌ مثاليٌّ للعمل فيما بينها، في جوٍّ لا مَلَل فيه ولا كلَل، نجِد النملة تُحاول وتُحاول مرَّات عديدة إلى أن تُتمَّ عملها، فلا يعرف اليأسُ طريقًا إليها.

فيا لَيتنا نُدرِك أنَّ العيش في الدُّنيا جهادٌ دائمٌ مستمرٌّ، وسعيٌ متواصِل، فما الناسُ إلا الماء يُحييه جريُه، فالإسلامُ دِين عمَل لا دِين خمول واتِّكال وكسل، وفي سِيرة أنبياءِ الله خيرُ قدوةٍ لنا، فقدْ سَعَوْا في الأرض لكسبِ قُوتِهم؛ يقول الله -عزَّ وجلَّ-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، فهي دعوةٌ صريحةٌ للجدِّ وبذلِ الجُهد؛ لتحصيلِ الرزق، وإعْمار الأرض، قال الشاعر:

قُلْ لِلَّذي طَلَبَ المَعَالِيَ قَاعِدًا
لاَ مَجْدَ فِي الدُّنْيَا لِغَيرِ العَامِلِ

ولسانُ حالِ الكثيرين يقول: حاولتُ مرَّةً، فشِلتُ، استسلمتُ لليأس، لا أستطيع، لا أقدِر، مستحيل، غير ممكِن!

ونحن مُستخلَفون في هذه الأرْض؛ لإعمارها وبثِّ الحياة فيها؛ يقول تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61]، والمثابرةُ في العملِ تكون في كلِّ مجالات الحياة، في الطاعات والعبادات، كما في كسْبِ الرِّزق وتحصيل الخير، وعلى المسلِم مجاهدةُ نفْسه للوصولِ إلى هدفه المنشودِ والمأمول، وأعظم النجاحات تأتي بعدَ أشقِّ العثرات، ولم تخلُ قصَّةُ ناجحٍ متميِّز مِن المثابرة وتخط للصِّعاب، فلتكنِ المثابرةُ مِن أسرار تميُّزنا، وعنوانًا عريضًا لتفوُّقنا.

إذًا إنَّها صُور مِن عالم الأحياء - اقتصرتُ على ما شدَّ انتباهي، وإلاَّ فهي أكثرُ ممَّا عرضتُ - يُمثله مخلوقٌ صغير يُشعِرنا بالحياة ودَورنا فيها، أفلا يحقُّ لنا بعد هذه الجولة المقتضبة أنْ نُصيح بحناجِرِنا وفيْض مشاعرنا قائلين: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191]؟!

فهل ستتأمَّل نملةً؛ لتدركَ آياتِ الله في أصغرِ مخلوقاته؟! وهل ستتوقَّف عندَ قوله -تعالى-: {إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [الجاثية: 3 - 4]؟ اللهمَّ اجعلْنا مِن الذين يتَّعظون إذا وُعِظوا، ويتذكَّرون إذا ذُكِّروا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.