خرج عن صمته ووصف أى كلام عن علاقته بالجماعة بالفارغ.. ونحن نهديه هذه القصة ■ عنان لمحمود وجدى: أنتم لسة شغالين فى الشغل القذر بتاعكم.. ووزير الداخلية: إحنا بنعمل شغلنا وأنت لك القرار
■ ملفات قيادات الجيش كانت فى 3 خزائن موجودة فى مكتب حسن عبدالرحمن ولا تفتح إلا بمعرفته.. والمهندسون استخدموا ديناميت خاصاً لفتحها
ظل سامى عنان ولشهور طويلة صامتا، لايرد على كل ما يوجه له بسبب علاقاته الملتبسة والمرتبكة والمعقدة مع جماعة الإخوان المسلمين، لكنه بعد أن حسم أمر ترشحه للرئاسة عبر مكتبه الإعلامى خرج وفى حسم– غير معروف عنه– ليشير أن أى كلام يتردد عن علاقته بالإخوان فارغ ولا يستحق الرد عليه.
هنا لن أعيد عليه ما سبق وقلته وبالمستندات، لكنها قصة جديدة أعتقد أن الفريق يعرفها جيدا، لن أتدخل فى تفاصيلها، فقط سأتركها أمامكم ولكم بعدها الحكم.
بعد ثورة 25 يناير بأيام قليلة كان لا يزال محمود وجدى وزيراً للداخلية وحسن عبدالرحمن مدير مباحث أمن الدولة يعمل من مكتبه فى مقر الجهاز الرئيسى فى مدينة نصر، وقتها حمل عبدالرحمن تقريرا إلى المشير طنطاوى عن الحالة الأمنية فى البلاد كى يأخذ فيه قرارا، لكن طنطاوى الذى كانت لديه أعباء كثيرة طلب من عبدالرحمن ومن محمود وجدى أن يرسلا التقرير– وغيره من التقارير- إلى مكتب الفريق سامى عنان رئيس الأركان ونائب رئيس المجلس العسكرى وقتها.
استقر التقرير بين يدى سامى عنان وكانت المفاجأة، ففى جزء النشاط الدينى الذى كان يتابعه الجهاز، تم رصد مكالمة بين قيادى بمكتب الإرشاد والفريق سامى عنان، قرأ عنان ما سبق ودار بينه وبين القيادى الإخوانى، فغضب بشدة، واتصل على الفور بمحمود وجدى وقال له: «أنتم مش هتبطلوا الأعمال القذرة اللى كنتم بتعملوها دى؟».
كانت إجابة محمود وجدى حاضرة تماما، قال له: يا أفندم إحنا بنعمل شغلنا وفى النهاية أنت صاحب القرار، لم يعلق عنان على ما سمعه من وجدى، لكنه قرر لحظتها ألا يترك جهاز أمن الدولة الذى لا يكتفى بالتجسس على المواطنين والسياسيين وأعضاء الجماعات الإسلامية ومن بينهم الإخوان، بل وصل التجسس إلى قيادات المجلس العسكرى.
بعد خروج محمود وجدى من وزارة الداخلية تولى المنصب الوزير منصور العيسوى، الذى رفع تقريرا إلى المجلس العسكرى يشير إلى أن الإخوان -ومن ورائهم الجماعات الإسلامية- يخططون إلى اقتحام مقرات أمن الدولة فى توقيت واحد، وأنهم لن يكتفوا بذلك بل سيواصلون مخططهم باقتحام مقرات المخابرات العامة ثم المخابرات الحربية بعد ذلك.
كان قرار سامى عنان ألا يتم الاقتراب من مقرات المخابرات العامة والحربية، لكنه بارك اقتحام مقرات أمن الدولة، ولن أكون مبالغا إذا قلت إنه ساهم فى تسهيل عملية الاقتحام وساند من قاموا به.
لقد كانت لدى المجلس العسكرى مخاوف عديدة من رجال أمن الدولة الذين كانوا سببا رئيسيا فى قيام الثورة، ورفعت بالفعل تقارير من المخابرات الحربية– كان عبدالفتاح السيسى وقتها مسئولا عنها – تشير إلى أن الداخلية ومن خلال ضباط أمن الدولة يمكن أن يقودوا انقلابا على الثورة، وستكون قيادات المجلس العسكرى مستهدفة.
المفاجأة أن أمن الدولة كانت تمتلك 3 خزائن خاصة موجودة فى مكتب حسن عبدالرحمن شخصيا، ولم تكن تفتح إلا بمعرفته هو، هذه الخزائن لم تكن إلا مكانا تتجمع فيه كل المعلومات عن القيادات العسكرية، وتشير مصادر مقربة من هذا الملف، إلى أنه كانت هناك ملفات كثيرة تخص أسماء بعينها، كما أن ما كانت تقوم الداخلية بتسجيله من مكالمات قيادات المجلس العسكرى موجود فى هذه الخزائن.. وقد تكون المعلومات التى توافرت لدى سامى عنان عن محتويات هذه الخزائن قد شكلت داعما ودافعا ومبررا أساسيا لاقتحام مقرات أمن الدولة، رغم أنه كان يمكنه بما لديه من سلطات أن يحصل على ما فيها، فمحمود وجدى لخص له الموقف عندما قال له: احنا بنعمل شغلنا وانت لك القرار، لكن عنان فيما يبدو كان يريد أن يقوم الإخوان المسلمون تحديدا بهذا الاقتحام، ربما لأنهم كانوا يريدون أن يقوموا بهذا العمل انتقاما من الجهاز الذى حاصرهم طويلا، وأذلهم رجاله طويلا، وجعلهم يعيشون حياة من الرعب المتواصل لسنوات طويلة.
أرسل سامى عنان فى البداية قوة لتفتح هذه الخزائن الثلاث، لكن فشلوا تماما، ولم يحققوا أى نتيجة إيجابية، فطلب من المخابرات الحربية أن تتعامل مع الموقف، وبالفعل ذهبت مجموعة من المهندسين المتخصصين للتعامل مع الخزائن، إلا أنهم اكتشفوا أنهم لن يفتحوها إلا باستخدام نوع معين من الديناميت الذى يستخدم فى تفجير جزء معين من الخزنة دون أن يدمرها، ولم يكن يستخدم هذا الديناميت إلا بقرار ثلاثى من رئيس المخابرات العامة ورئيس المخابرات الحربية ورئيس جهاز أمن الدولة.. ويبدو أن هذا ما حدث، حيث تم فتح الخزائن الثلاث فى النهاية ونقلت محتوياتها إلى المخابرات الحربية بمعرفة سامى عنان وتحت إشرافه.
لقد ترددت روايات كثيرة عن لحظة اقتحام جهاز أمن الدولة فى مدينة نصر، وقيل وقتها إن بعضا من رجال المخابرات الحربية كانوا موجودين لحظة الاقتحام، وأنهم كانوا يبحثون عن الملفات الخاصة بالقيادات العسكرية، وأنهم وجدوا ملفات مكتوبا عليها حرف «ح» فاعتقدوا أنها تخص قيادات الجيش، لكنهم اكتشفوا بعد ذلك أنها ليست كذلك، وهو ما لم يكن صحيحا بالمرة.
أولا لأن المسئولين فى أمن الدولة كانوا يحتفظون بملفات الجيش وكل ما يتعلق بهم ويخصهم فى الخزائن الثلاث، ولم يكن معقولا أن تترك هذه الملفات دون عناية خاصة بها.
وثانيا لأن رجال المخابرات الحربية كانوا بالفعل قد حصلوا على كل ما أرادوا، فلم يكن لهم أن يتركوا ملفات خاصة بالجيش تقع فى يد من اقتحموا الجهاز، خاصة أن الحالة الثورية وقتها كانت على أشدها، وكان الثوار يعتقدون أنهم يمكن أن يغيروا العالم، ويمكن أن يتحكموا فى مصير أكبر القيادات، فقد أزاحوا مبارك، فما الذى يمكن أن يمنعهم عن إزاحة الآخرين؟!
المفاجأة فى هذه القضية أن سامى عنان لم يقتنع بأن ما فى هذه الخزائن هو كل ما تملكه أمن الدولة على قيادات الجيش، كان يعلم أن هناك أكثر من جهة تقوم بالتسجيل، لكنه لم يكن يعلم على وجه التحديد أين يوجد هذا الجهاز ولا من هو المسئول عنه.
لكن المعلومات التى توافرت له بعد ذلك أكدت أن أمن الدولة كان يقوم بالتسجيل عن طريق قسم المساعدات الفنية فى الوزارة، وكان هذا القسم يعمل من خلال فيللا فى شارع أحمد حشمت بالزمالك، لم يكن أحد يعرف عنها شيئا، وكان مسئولا عنها بشكل كامل اللواء مرتضى إبراهيم رجل التسجيلات الأول فى وزارة الداخلية، الرجل الذى صافح طنطاوى وعنان بعد الثورة بأيام دون أن يعرف أحد منهما أنه كان يتجسس على كل مكالماتهم.
كان اقتحام هذه الفيللا أصعب بكثير من اقتحام مقرات أمن الدولة، من ناحية لأن المهمة أمنية ومخابراتية من الدرجة الأولى، فلم يعرف أحد من الثوار أو من الإخوان أن هناك مكاناً آخر يجب أن يقوموا باختراقه، بما يعنى أنه لن يكون هناك غطاء شعبى للعملية، ومن ناحية أخرى لأن هناك هدفاً محدداً وهو الحصول على كل التسجيلات التى قامت بها الداخلية لكل المواطنين والمسئولين خلال السنوات الأخيرة.
كان فى فيللا الزمالك جهاز عليه ملايين المكالمات، مصدر مقرب مما جرى أشار إلى أن هذا الجهاز تحديدا كانت عليه كل المكالمات التى تم تسجيلها خلال كل وزراء الداخلية الذين تولوا المنصب خلال عصر مبارك، وليس حبيب العادلى وحده، فالمهمة بدأت مبكرا، وهناك من يشير إلى أن التسجيل بدأ منذ عبدالناصر عندما تولى وزارة الداخلية بعد ثورة يوليو.
مرتضى إبراهيم دل القوة التى ذهبت إلى فيللا الزمالك إلى الجهاز، لكنه قام بحركة أكد هو أنها لم تكن مقصودة على الإطلاق، فقد ضغط على زرار فى الجهاز مسح به ما يقرب من 90 بالمائة من المكالمات التى كانت عليه، إلا أن المهندسين المتخصصين أعادوها مرة أخرى.
من بين التسجيلات التى كانت على هذا الجهاز مكالمات قيادات جماعة الإخوان المسلمين وقيادات حماس أيام ثورة يناير، وقد تم الاحتفاظ بهذه المكالمات، التى أعتقد أنها قدمت بعد ذلك فى قضية مرسى الكبرى والمتهم فيها بالتجسس هو وما يقرب من 35 قيادياً إخوانياً آخرين.
قد تعتبر ما قام به سامى عنان من زاوية معينة بطولة كبيرة، فقد ساهم فى اقتحام مقرات أمن الدولة وهو الجهاز الذى كان لعنة على المصريين لسنوات طويلة، لكن الواقع يشير إلى أن عنان فعل ذلك كرد فعل سريع وفورى على ما تلقاه من تقارير أشار أحدها إلى أنه كانت هناك مكالمات بينه -وهو رئيس أركان حرب الجيش المصرى ونائب رئيس المجلس العسكرى- وبين أحد قيادات مكتب الإرشاد أعلى هيئة فى جماعة الإخوان المسلمين.
لم يتسن لى بالطبع أن أطلع على تفريغ المكالمة التى دارت بين عنان والقيادى الإخوانى، فلا نعرف الآن ما هو الموضوع الخطير الذى جمع بينهما، وهل كانت هناك اتفاقات من نوع ما، ثم ما الذى سارت عليه العلاقة بين الرجل وجماعة الإخوان المسلمين بعد ذلك.. ثم ما الذى يخفيه عنان فى ملف علاقته بالجماعة؟
إنه يصر الآن -وهو على مشارف الانتخابات الرئاسية- أنه لم تكن بينه وبينهم علاقات من أى نوع، وأن أى حديث عن دعم الإخوان له فى الانتخابات مجرد كلام فارغ، لكنه يعتصم بالصمت ولا يفصح عما دار فى اللقاءات التى جمعت بينه وبين قيادات الإخوان منذ قيام الثورة وحتى خروجه من قصر الاتحادية.
لقد كان آخر منصب تولاه سامى عنان هو المستشار العسكرى للرئيس محمد مرسى، لم يتقدم باستقالته من منصبه هذا الذى تولاه بعد خروجه من رئاسة الأركان إلا بعد أن رأى أن الثورة ماضية وأن وجود محمد مرسى فى السلطة أصبح هو والعدم سواء.. أى أن العلاقات طويلة وممتدة ولابد أنها كانت مؤثرة أيضا.
كان يمكن لسامى عنان أن يتحجج بأنه لا يصح أن يتكلم لأن كلامه فيه إضرار واضح بالأمن القومى، لكن الآن صمته لن يضره أحدا سواه، فكلامه أصبح ضرورة انتخابية، فهل يجرؤ سامى عنان على الكلام؟! هذا ما أرجوه وأتمناه.