(عليك الاعتذار علناً, أو الإثبات, أو الاستعداد للمحاكمة)، هكذا جاء رد "سلمان العودة" على ما قاله الإعلامي السعودي الشهير " داوود الشريان" خلال حلقة برنامجه " الثامنة" الأحد الماضي , والذي وجه له اتهاماً صريحا بتحريض الشباب وزجهم في حروب كافرة على حد قوله. وفيما عدا العودة لم يصدر ذات الموقف عن باقي الذين اتهمهم الشريان وهم محمد العريفي وعدنان العرعور ومحسن العواجي.
الشريان استضاف خلال الحلقة " أم محمد" والتي كانت تروي بألم بالغ قصة ولدها الذي ذهب لسوريا قبل شهر وهو مازال طفلاً في عمر السابعة عشر , تقول (أم محمد) "آخر مكالمة أحسست أن هناك من يقوم بتلقينه الكلام , أنا أعرف حديث ابني جيداً , لمح لي بمن قام بدعمه في السفر ووفر له المال , وأخبرني أنه برفقة شخص ما" .
السعوديون الآن يتبادلون التهم في مسؤولية ذهاب الشباب وصغار السن إلى سوريا وتحديداً تحت قيادة داعش , وقال الشريان على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الشهير (تويتر) "بعض الدعاة السعوديون يدرك أن مايجري في سوريا فتنه تحولت إلى حرب عصابات , لكنه يرفض ذلك خوفاً على جماهيريته" , نجد أن العودة ينفي إن كانت له أي علاقة بالتحريض على السفر سواء إلى سوريا أو غيرها.
يقول الباحث السعودي محمد الهدلا وهو متخصص في القانون والإرهاب تعليقا على خبر المحاكمة " العودة سيفتح باب محاكمته من قبل جميع المغرر بهم وأسرهم الوطن كله يطالب بمحاكمة من أشار لهم داود".
سلمان العودة الذي كان أبرز شخصيات مرحلة "الصحوة" والتي ظهرت خلال الثمانينات الميلادية من القرن الماضي , تلك المرحلة لا يمكن إغفال دورها ببروز مسارات فكرة دينية غيرت منهجية المجتمع السعودي بالكامل وجعلته يمر بحالة سماها بعضهم بالفوضى الفكرية , تشربها المجتمع بأكمله وساعد ذلك كون المجتمع معزولاً.
وكان العودة قد أعفي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي كان يعمل فيها أستاذاً قبل نحو عقدين، و اعتقلته السلطات السعودية بعدها ضمن سلسلة اعتقالات واسعة شملت بعض رموز الصحوة وقضى عدة أشهر في الحبس الإنفرادي في سجن الحائر، حتى أطلق سراحه في أبريل عام 1999.
قبل عام من الاعتقال أستدعي العودة إلى وزارة الداخلية لتوقيع إقرارات لكنة رفض التوقيع , بعدها وصل له قرار فصلة من الجامعة , وتزامن مع الفصل إيقاف محاضراته في المساجد والمؤسسات الحكومية فأستعاض عن ذلك بدروسه في المكتبة الملحقة داخل مكتبة المنزلي .
وكانت المكتبة والطرقات تمتلئ على آخرها , الحضور لم يكن من محافظة بريدة (وسط المملكة) فقط حيث يقطن العودة، بل من جميع المناطق وكانت المحاضرات تسجل وتصور على أشرطة الفيديو .
على الرغم من أن العودة لم يكن يحرض بصورة رسمية على الجهاد خارج الأراضي السعودية، إلا أن رموز الصحوة في تلك الفترة صبت في عقول الشباب مهام كبيرة، لمعّت فكرة الموت الجهادي، معتبرين أنه السبيل للجنة بلا شك.
تزامن تلك الفترة مع الحرب الأفغانية وبدأت تلك الشخصيات بدعم حكومي تبني فكرة الجهاد في أفغانستان و أن الذهاب هناك إما شهادة في سبيل الله أو النصر الذي سيتحقق على أيديهم.
انتهت الحرب الأفغانية ولم تنته فكرة الجهاد بانتهائها على الرغم من أن الحكومة السعودية توقفت عند التجربة الأفغانية، فيما واصل هؤلاء بتسويق مشروعهم في كل البلدان التي تتعرض للاضطرابات .
و الان ما جرى في أفغانستان يتكرر في سوريا , والرموز التي خرجت بالأمس تتهم الان بصناعة الموت .
الحديث الآن يدور بشكل ممنهج نحو ضرورة تنقيح التجارب جميعها، لكن فريقاً من المراقبين في السعودية لازال يشكك في إمكانية هذه المراجعة، وعبر عن ذلك ضمنا الكاتب السعودي المعروف محمد آل الشيخ الذي تمنى في تغريدة له أن يكمل العودة طريق المحاكمة وإلا يتراجع عن الشكوى التي هدد الأخير برفعها على داود الشريان"، وقال آل الشيخ "إنها ستكون محاكمة لتيار الصحوة الذي ذقنا منه الأمرين طوال ثلاثة عقود".
العودة لازال متهماً في كل حالاته من قبل فرقاء في الداخل السعودي يرون في بعض تغريداته تأييداً لمنهج القتال في سوريا إثر مؤتمر "العلماء" في مصر قبل سقوط مرسي، وحينها أيد العودة ما جاء في البيان الختامي والمؤتمر، وكان المؤتمر حرض على القتال في سوريا.
في خضم تبادل الاتهامات يبرز ترقب الجميع لمخرجات هذه الأزمة الفكرية التي أصبح الجميع يتبرأ منها.