ماهو شىء من ثلاثة: إما أن سميرة إبراهيم صاحبة دعوى كشوف العذرية صادقة، وفى هذه الحالة لا يوجد وصف للحملة المثارة ضدها سوى أنها نباح كلاب صاحب القصر الحاكم. وإما أن سميرة كذابة وفى هذه الحالة ينبغى على المجلس العسكرى أن يرفع دعوى بلاغ كاذب ضدها ويسجنها...ولكن الغريب أن القاضى ومحامية المتهم دافعوا عنها واتهموا الثوار «الأشرار» بأنهم حرضوها وخدعوها وشربوها حاجة أصفرا! الاحتمال الثالث هو أن الجميع يعرف أنها صادقة، ولكن بما أن مصالحهم تكمن مع المجلس وبما أن الثوار يهددون هذه المصالح فمن «الحكمة الشعبية الموروثة» أن يتظاهروا بأنهم لم يروا ولم يسمعوا شيئا وأنهم لا يعرفون حقا إن كانت صادقة أم أنها ترمى ببلاها على الشرفاء، فى الوقت الذى يتظاهر فيه من انتهكوا أعراض وحياة الثوار بأنهم «أبلة فضيلة» مثل الذئب فى حكاية ذات الرداء الأحمر، يبتسم ببراءة وهو يردد من تحت أنيابه: نعم سأكشف على عذريتكم ومؤخرتكم ولكنكم ستسكتون لأننى بابا! أجمل ما فى الوضع السياسى الآن أن أحدا لا يستطيع أن يخفى وجهه الحقيقى، وأن أعداء الثورة كفوا عن ترديد أنهم حماتها وأن الانتهازيين لا يكلفون أنفسهم مشاق التظاهر بأنهم شرفاء، لكن السؤال الذى سيظل يحيرك هو السبب الذى يدفع كل هؤلاء إلى كراهية الثورة بمثل هذه الدرجة من الخوف والحقد، وربما تهز رأسك بالموافقة لو قلت لك إنهم يكرهونها لأنها تهدد مصالحهم وثرواتهم ومكانتهم التى كونوها على مدار عقود. ولكنك طبعا لن تصدق عندما أقول لك إنهم ينفذون أوامر أمريكا وإسرائيل، وأنهم الحليف الوحيد للاثنين بالرغم من أنهم يشيعون عن خلق الله جميعا أنهم عملاء، وهو ما يعرف فى علم السياسة بتشويش الجموع وفى علم الإجرام بإبعاد التهمة عن الجانى وفى علم النفس بالإسقاط، أى اتهام الناس بما تحاول أن تخفيه من نفسك عنهم. لن تصدق لأنك اعتدت غالبا على تصديق «الكبار» والاستهانة ب «الصغار» ولأن الأجهزة تمكنت تماما من الاستيلاء على عقلك الطيب المسالم...ولأن ما سأقوله سيسبب لك ازعاجا أنت فى غنى عنه، خاصة لو كنت تعمل لدى طرف من الأطراف التى ذكرتها وتعتقد أن مصلحتك تكمن معهم. لكن البروفيسور الأمريكى جيمس بيتراس المتخصص فى مناهضة الإمبريالية الأمريكية ودراسات الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية يكشف كل هذا فى كتابه القنبلة «الثورة العربية والثورة الإمبريالية المضادة» الذى ترجمته الدكتور فاطمة نصر صاحبة دار نشر «سطور»، والمتميزة دائما فى اختيار ما تقوم بترجمته. الكتاب يكشف عن العلاقة الوطيدة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل ونظام مبارك، ويتتبع كيف حاولت إدارة أوباما إنقاذ مبارك حتى اللحظات الأخيرة، ثم كيف غيرت الخطة بحيث تضحى بمبارك فى سبيل إنقاذ نظامه العميل، وكيف استخدمت المجلس العسكرى والإخوان فى ذلك. يكتب جيمس بيتراس فى تحليله للكيفية التى تم بها الالتفاف على الثورة: « لم تستطع الحركات الثورية الوصول للسلطة ولا تحقيق مطالبها، وأتاح هذا لقيادة الجيش التى عينها مبارك الإمساك بالسلطة وتحديد مسار العملية «مابعد المباركية» بحيث ظلت تبعية مصر للولايات المتحدة قائمة، مع حماية الثروة غير المشروعة لآل مبارك - 70 مليار دولار- وكذلك ممتلكات النخبة العسكرية وشركاتهم وحماية الشريحة العليا من الطبقة الوسطى.»...وكيف اعتمد الموساد والسى آى إيه على أجهزة الأمن المصرية للسيطرة على الثورة من خلال أسلوب العصا والجزرة النمطى: تنازلات رمزية مؤقتة مع الاستعانة بقوات الأمن و«كتائب الموت» والقتلة المأجورين...ويكشف بيتراس كيف أن «أفراد أجهزة الاستخبارات المصرية يتم تدريبها وتمويلها من قبل الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية من أجل ضمان إذعانهم لرغبة أسيادهم وأولياء نعمتهم». وبيتراس الذى يهدى كتابه إلى «الثوار العرب الذين يناضلون ضد الإمبريالية الغربية والديكتاتوريات المتواطئة معها» يختم الكتاب بقوله: «الأهم من أى شىء هو أن التحركات الشعبية العارمة فى الشرق الأوسط قد بدأت، وهيأت بذلك الفرصة لقطيعة حاسمة مع الاقتصاد العالمى الإمبريالى، وهى تتحرك باتجاه ثورة اجتماعية تواكب الثورات السياسية».