كتاب: «مذكرات الجمسى عن حرب أكتوبر»، هو واحد من الإصدارات المتميزة التى أصدرتها مكتبة الأسرة مؤخرا، والتى برهنت من خلالها على أن ذلك المشروع الرائد العملاق لا يزال واحدا من أهم الإنجازات الثقافية المصرية إن لم يكن أهمها على الإطلاق. لقد صدرت الطبعة الأولى من مذكرات المشير الجمسى عام 1989 فى طبعة فاخرة لا يقدر على اقتنائها الكثيرون.. لكنها الآن بفضل مكتبة الأسرة متاحة للقارئ المصرى بثمن جد زهيد، وأول ما يلفت النظر بالنسبة لهذه المذكرات أنها فى طبعتها الأولى قد تأخرت كثيرا عن الموعد الذى كان الكثيرون يأملون أن تكتب فيه، ذلك أنها كتبت بعد انقضاء ما يقرب عن ستة عشر عاما على انتهاء حرب أكتوبر المجيدة، وبعد ما يربو على العشرة أعوام منذ أن ترك المشير الخدمة (ترك المشير الجمسى الخدمة العسكرية فى أكتوبر 1978)، ومع هذا فإنه فيما يبدو كان زاهدا فى كتابة مذكراته رغم أن الكثيرين كانوا يتوقون إلى سماع شهادته عن حرب أكتوبر، باعتباره واحداً من أهم صانعى ذلك الإنجاز الباهر الذى تحقق فى أكتوبر1973، فهو الذى وضع خطة العبور وأشرف على تنفيذها بحكم موقعه حيث كان فى ذلك الوقت رئيسا لهيئة العمليات، وهو الذى اختار توقيت بدء القتال بناء على أسس علمية كثيرة (أوضحها فى مذكراته) وليس فقط بناء على أن يوم 6 أكتوبر يوافق عيد يوم كيبور عند اليهود كما يتوهم الكثيرون، وهو الذى ساهم فى وضع خطة الخداع الاستراتيجى للعدو ما كان له أثر كبير فى نجاح المباغتة، وهو الذى تابع العمليات العسكرية لحظة بلحظة ابتداء من ساعة الصفر ظهيرة يوم 6 وانتهاء إلى لحظة وقف إطلاق النار فى 28 أكتوبر، ومع هذا كله أو ربما بسبب هذا كله كان المشير فيما يبدو متحرجا من الحديث عن هذا الإنجاز (ربما لأن الحديث عنه هو نوع من الإشادة بالذات، ولو بشكل غير مباشر وهو ما يكرهه كل إنسان يتسم بالتواضع الحقيقى!!) وهكذا ظل المشير زاهدا فى كتابة مذكراته ولو على سبيل تصحيح الصورة التى ساهمت فى تشويشها مذكرات كثيرة متضاربة.. وقد كان من الممكن أن يظل على هذا الموقف لولا رسالة مفتوحة وجهها إليه الكاتب الكبير حلمى سلام على صفحات «آخر ساعة» جاء فيها: «على مدى السنوات الماضية تكلم عن حرب أكتوبر من يعرف ومن لايعرف، من عاش الحرب واكتوى بنارها ولظاها، ومن كان بين المتفرجين عليها.. كل هؤلاء تكلموا إلا أنت» ثم يستطرد الأستاذ حلمى سلام مخاطبا المشير الجمسى: «إن الشىء الذى لا يجوز أن تسقطه من حسابك، هو أنك لا تملك حق الزهد فى الكلام، ذلك أن الكلام عن مسار وأسرار هذه الحرب المجيدة التى هزمنا بها الهزيمة، ورفعنا بها الرايات بعد تنكيسها، وأحيينا بها الأنفس بعد مواتها، إنما هو حق للتاريخ عليك، مثلما هو حق للجيل الذى عاش هذه الحرب، ولكل الأجيال القادمة على الطريق من بعده» وقد كانت تلك الرسالة سبباً مباشراً فى أن يتخلى المشير عن صمته ويكتب هذه المذكرات التى هى فى رأيى من أكثر ما كتب عن حرب أكتوبر دقة وموضوعية وأمانة رغم أنها تحفل فى الوقت ذاته بالكثير من المعلومات والوقائع البالغة الإثارة.. أظنها جديرة بأن يقرأها كل مصرى وكل عربى، خاصة أننا ما زلنا فى شهر أكتوبر الذى نحتفل بذكراه.
فى أعقاب نشر مقال الأسبوع الماضى عن كتاب: «حياة طبيب» اتصل بى تليفونيا الأستاذ محمد زهران الذى عرفنى بنفسه وأنه مرشد سياحى للناطقين بالألمانية، وقال لى إنه قارئ متابع لما أكتبه فى «الفجر»، وقد استوقفه ما ذكرته من أن نجيب محفوظ (الطبيب) قد ولد فى عام 1898وهى معلومة غير صحيحة بالقطع، وإلا فكيف أمكن له أن يقوم بتوليد نجيب محفوظ (الأديب) الذى ولد كما نعلم عام 1911؟، وإذ أشكر القارئ العزيز على ملاحظته الثاقبة، أعتذر له ولسائر القراء عن التاريخ الذى أوردته سهوا، فقد ولد نجيب محفوظ كما ذكر القارئ العزيز عام 1882، أما عام 1898 فهو تاريخ التحاقه بمدرسة الطب العليا.