فى الوقت الذى سادت فيه خلافات ونزاعات عرقية ودينية وسياسية فى عالمنا العربى المعاصر،وغرست فى تربتنا أفكار التشتت والتفكك والتفتت والتناحر على أشياء لا يكاد يكون لها قيمة تذكر،وفى الوقت الذى قسمنا فيه أنفسنا شيعا وفرقا مختلفة..وأعلن كل منا الحرب على الآخر..وأشهر كل منا سيوفه ورماحه فى وجه الآخر..وكأننا قد تخلفنا من جديد وعدنا إلى عصور القرون الوسطى فى أوروبا..وفى الوقت الذى يحدث فيه كل ذلك فى مجتمعنا العربى على حد عام والمصرى على حد خاص..نجد أن العالم الخارجى يفكر فى فيزياء المستحيل.. يفكر هذا العالم فيم سيحمل له العلم فى المستقبل من آفاق وتطلعات جديدة..يفكر كيف يحيل المستحيل ممكنا..لقد محى تماما هذه الكلمة بممحاته من كل قواميسه ودفاتره القديمة..يفكر فى المستقبل ويتساءل فى أمل وثقة: هل يمكن لنا بناء سفن فضائية تسير بأسرع من الضوء..هل يمكن أن ننقل أنفسنا فجأة من مكان إلى مكان آخر..هنا يتساءل ميشيو كاكو عالم الفيزياء فى كتابه فيزياء المستحيل قائلا: هل يمكن الأمور التى تعد فى عالم الفيزياء اليوم مستحيلة،أن تصبح بعد عدة قرون أو بعد مليون سنة ممكنة..
ويوضح لنا العالم الفيزيائى ذلك بمثال بسيط قائلا:لقد قاد البحث العقيم(تلك الكلمة التى قيلت فى ذلك الوقت) ل الآلة دائمة الحركة الفيزيائيين إلى الإستنتاج أن مثل هذه الآلة مستحيلة،مما أجبرهم على طرح نظرية حفظ الطاقة وقوانين الديناميكا الحرارية الثلاثة..الأمر الذى أدى إلى فتح حقل علمى جديد تماما من الديناميكا الحرارية،والذى قامت على المحرك البخارى وعصر الآلة والمجتمع الصناعى الحديث.
لقد أضحى المستحيل ممكنا..ويؤكد المؤلف أنه إذا وضعنا فى الإعتبار التطورات الملحوظة فى القرن الماضى،وعلى الأخص إكتشاف نظرية الكوانتم و نظرية النسبية العامة..فسوف يصبح من الممكن الآن إعطاء تقديرات تقريبية ل موعد تحقق بعض من التقانات المثيرة..ومع ظهور نظريات أكثر تقدما مثل نظرية الأوتار الفائقة..كما يمكن لبعض الأفكار التى تحوم حول الخيال العلمى،مثل السفر عبر الزمان والأكوان المتوازية،أن يعاد تقييمها من قبل الفيزيائيين.
عزيزى القارىء يفكر العالم الآن فى أشياء عدة مثل: حقول القوة والحجب عن الرؤية..النقل الفورى البعيد..التخاطر عن بعد..السفن النجمية..مضاد المادة ومضادات الأكوان..السفر عبر الزمان والأكوان المتوازية..كل هذه الأمور تعد مستحيلة فى عصرنا هذا..ولكن الذى جعل من مستحيلات الماضى ممكنا وصنع بها ثورة فى تاريخ العلم..ل قادرعلى أن يجعل من مستحيلات الحاضر ما هو ممكنا وعظيما فى المستقبل..
قد يسألنى البعض لم يجب أن نفكر وأن لا نغفل عما يدور فى عقول المجتمعات الغربية..ولماذا تطرحين بعضا من هذه الموضوعات التى تعد أمرا مستحيلا فى وقتنا الحاضر..وهؤلاء أقول لهم:
إن هذه الأمور قد تعد مستحيلة فى واقعنا هذا ،ولكن ذات يوم ما سيستخدمها الغرب كأسلحة لهم ،من أجل الفتك بتلك المجتمعات التى لا تمتلك من هذه التقانات الحديثة شيئا، ولم تفكر يوما فى إمتلاكها..و سيدخل معنا فى حروب باردة جديدة، إن لم تكن حروبا نووية متقدمة.
هب أننا مثلا تحدثنا عن موضوع التخاطر والرؤية عن بعد..لقد أحدثت هذه الفكرة تحولا خطيرا فى ذروة الحرب الباردة.وتتلخص هذه العملية فى كيفية رؤية موقع أو مكان ما عن بعد،أو قراءة أفكار الآخرين..ومن الواضح أن فكرة كهذه قد استخدمها العالم فى عمليات التجسس والتخابر فى بعض الأحيان.
ويعود بنا المؤلف لإيضاح الفكرة فيقول: فى عام 1995 وبميزانية 500 ألف دولار..أجرت وكالة الإستخبارات الأمريكية ال(CIA) مئات المشاريع لجمع المعلومات شملت آلاف جلسات الرؤية عن بعد..وبشكل محدد طلب من الذين يرون من بعد مايلى..
1- تحديد موقع العقيد القذافى قبل قصف ليبيا فى العام 1986
2- العثور على مخزونات البلوتونيوم فى كوريا الشمالية فى العام 1994
3- تحديد موقع قاذفة قنابل سوفيتية سقطت فى أفريقيا..وغيرها.
صحيح فشلت وقتها وكالة الاستخبارات الأمريكية فى تحقيق مرادها..لكن بقيت إشاعات تقول إن الCIA إستخدمت مراقبين من بعد،لتحديد موقع صدام حسين خلال حرب الخليج..
ها..قد عرفتم الآن لم يجب أن نفكر بكل ما يدور بخلد الآخر وعقله..وكيف أن العلم سلاح فتاك فى يد من يمتلكه.. وكيف يمكن صياغة مستقبل المجتمعات بالعلم..علينا أن ننظر إلى أنفسنا فى المرآة من جديد ، وأن نحدث أنفسنا بما يجب علينا فعله..وبدلا من أن يعلن كل منا الحرب على الآخر الذى هو من دينه وجنسه ودمه..علينا أن نعلن الحرب على كل ما يعيق تقدمنا،أو يقف أمامنا حائلا مانعا عائقا لإزدهارنا ورخائنا ورفاهيتنا..وبدلا من التنافس فى ساحات كرة
القدم لدرجة تكاد تصل إلى إراقة الدماء وإهانة بعضنا بعضا على شاشات العالم أجمع،فلنتنافس فى ميادين العلم والتكنولوجيا والإنتاج والصناعة والفكر والثقافة..
إن مصر فى الوقت الحاضر،لقادرة على تحقيق ما تطمح إليه..ولكن عليها أن تعود لآبنائها من العلماء والباحثين فى كل مكان..عليها أن تقوم بترجمة أفكارهم وإبتكاراتهم إلى واقع..وأن تتبنى عقولهم وإختراعاتهم..وأخيرا،عليها أن تدرك أن كل دول العالم الذى نراه الآن متقدما،قد قامت على عقول علمائها وفلاسفتها ومفكريها،فى الوقت الذى كان يعانى فيه من ضبابة المشهد وسحاب التخلف المتراكم فوق عقله.