فى سرية تامة تعكف هيئة الأمن القومى الإسرائيلية على جمع معلومات وبيانات عديدة من خلال دراسة وافية عن الممتلكات التى تركها يهود مصر قبل هجرتهم لإسرائيل خلال الفترة من أعوام 1948 وحتى عام 1967 تمهيداً لتحريك دعوى قضائية ستكون هى الاكبر فى تاريخ الشرق الأوسط ولتكون بمثابة ورقة مساومة ضد مطالبة الفلسطينيين بحق العودة للاجئين والمطالبة بإسترداد ممتلكاتهم . وأوضحت الدراسة أن هيئة الأمن القومى قد بدأت فى خطتها منذ عامين وانها قد إنتهت بالفعل خلال العام الماضى من المرحلة الأولى والتى شملت إعداد صيغة شاملة للمطالبات أعدها جيش من المستشاريين الغربيين ومكاتب للمحاسبات ,أما المرحلة الثانية فتتعلق بجمع معلومات دقيقة عن ممتلكات اليهود الضخمة داخل الدول العربية وخاصة مصر حيث كان يعتبر يهود مصر هم الأكثر ثراءاً خلال تلك الحقبة الزمنية. القضية كشفها الموقع الأليكترونى الرسمى لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية الذى ذكر أن أنه قد تم التوصل إلى معلومات تفيد بأن عدد اليهود الذين عاشوا فى مصر خلال ثلاثينات القرن الماضى قد بلغ 120 ألف شخص معظمهم عمل فى التجارة والإقتصاد وحققوا ثروات طائلة بل أن معظم المحال الكبرى والمصانع خلال تلك الفترة كان يمتلكها يهود مصريين ,ويعد ملف المليونير اليهودى الشهير "سيكوريل " صاحب محلات شيكوريل ,واحد ضمن 500 ملف يتم حصرهم حالياً داخل ردهات هيئة الامن القومى الإسرائيلية التابعة لديوان رئيس الوزراء الإسرائيلى . .. وإقترحت هيئة الامن القومى الإسرائيلية تحديد جدول زمنى يبدأ منذ قرار التقسيم الذى إقترحته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 ,وينتهى عام 1968 التى شهدت نهاية الهجرات الجماعية اليهودية من الدول العربية إلى إسرائيل فى أعقاب حرب 1967 ,وذكر تقرير الهيئة أنه خلال تلك الفترة هاجر 800 ألف يهودى وتركوا أوطانهم ,مقابل 700 ألف لاجىء فلسطينى قاموا بالهجرة من إسرائيل ,هذا بالإضافة إلى الهجرات الفردية التى تمت خلال حقبة السبعينات حيث هاجر 50 ألف يهودى من البلاد العربية وهاجر من إيران وحدها 150 ألف يهودى . ولم يكتف عوزى اراد مستشار هيئة الامن القومى والمُشرف على الملف بذلك بل انه اكد إرتكاب مذابح ضد اليهود فى بعض الدول العربية فى حين أن ذلك لم يحدث ضد اللاجئين الفلسطينيين وأشار إلى وجود أدلة تثبت أن يهود الدول العربية قد لاقوا معاملة عنصرية بدرجات متفاوتة داخل الدول التى كانوا يقيمون بها حتى قبل إقامة الكيان الصهيونى بسنوات . فيما إنتقد دانى أيالون نائب وزير الخارجية الأسبق ,الحكومات السابقة التى تقاعست عن المطالبة بحق اليهود الذين تركوا ممتلكاتهم داخل الدول العربية ,مطالباً بضرورة تجنيد الراى العام العالمى حول هذة القضية ,وحتى يتوقف الفلسطينيون عن المطالبة بحقوقهم المزعومة على حد قوله . ويرى أيالون أن تغيير السلطة الإسلامية فى مصر قد يساعد فى حدوث تغيير إجتماعى وفكرى داخل المجتمع المصرى واصفاً إياها بالفرصة الذهبية التى من خلالها يمكن إنشاء مجتمع ديمقراطى بإمكانه الإعتراف بحقوق الأقليات ومن ثم سيكون من السهل مطالبة السلطة الجديدة بإعادة ممتلكات اليهود التى تم إغتصابها خلال عهود سابقة وبدعم من الجامعة العربية. المشروع الإسرائيلى تم توثيقة ببعض شهادات اليهود الذين عاصروا الاحداث وقتها ومن ضمنهم "لبنى زامير " رئيس إتحاد نازحى مصر فى إسرائيل وهى من أسرة "موصيرى " الشهيرة التى عُرفت بصيتها فى مجال البنوك والإقتصاد وذكرت فى شهادتها ,أنه فى يوم الرابع عشر من مايو عام 1948 ,وهو يوم الإعلان عن إقامة إسرائيل ,إقتحم عشرة ضباط الفيلا التى كانت تقيم بها أسرتها فى ضاحية حلوان وقالت أنهم كانوا يرتدون بدل سوداء مرصعة بالذهب وقالت أن المشهد قد أعجبها كطفلة كانت تبلغ من العمر وقتها عشرة أعوام ,إلا أن وجه والداها قد إكتسى باللون الأبيض الشاحب ,وعلى الفور قام الضباط المصريون بفتح الأدراج والدواليب وقاموا بقطع مراتب السرير وتم القبض على عمها الذى كان يدير مطبعة بالشراكة مع والدها وتم إيداعه فى السجن لعام ونصف بتهمة ممارسة نشاطات صهيونية ,وأشارت أنه كان واحداً ضمن حوالى ألف يهودى تم القبض عليهم فى هذا اليوم لهذا الغرض وأضافت أن والدها عنددما ذهل لإفتتاح المطبعة فى اليوم التالى ,وجدها مغلقة بالشمع الاحمر بقرار من المحكمة ,وتمت مصادرة جميع ممتلكات أسرتها بعد قرار المللك فاروق بإعتبار كل صهيونى هو عدو لمصر ووبعد ايام تم بيع المطبعة فى المزاد العلنى بسعر زهيد للغاية . وأضافت بعد عام ونصف العام تم الإفراج عن جميع السجناء اليهود فى مصر حيث تم إعتبارهم كرهائن ضمن إتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ,وتم ترحيل أسرتها بعد ذلك التى يبلغ عدد افرادها 27 فرداً إلى ميناء مارسيليا الفرنسى . وتابعت لبنى زامير أنه قد قامت بزيارة مصر بعد التوقيع على إتفاقية السلام عام 1979 وذهبت إلى منزلها القديم فى حلوان وفوجئت أن حارس المنزل قد حصل على المنزل وأقام فيه هو وأسرته وتشير التقديرات الإسرائيلية أنه حتى عام1957 تم مصادرة 500 شركة يمتلكها اليهود داخل مصر كما تم تجميد ممتلكات 800 شركة أخرى من ضمنها محلات سيكوريل وصيدناوى وبنزايون وعدس ,وأكدت التقديرات أنه حتى شهر يونيو عام 1957 ,غادر مصر حوالى 20 ألف يهودى . بينما أكد يورام ميطال الباحث فى شئون الشرق الأوسط والذى كتب العديد من الأبحاث حول الطائفة اليهودية فى مصر أن فضيحة لافون التى تورطت فيها المخابرات الإسرائيلية منتصف الخمسينات والعدوان الثلاثى الذى شاركت فيه إسرائيل ,قد بكر بنهاية الجالية اليهودية وجعل أفرادها مكروهين بشدة داخل مصر . ويقول ميطال أنه بعد تولى الرئيس السادات حكم البلاد ,قام بإعادة بعض ثروات الطبقة الارستقراطية التى صادرها الضباط الأحرار عام 1952 وهو ماشجع بعض اليهود من أصحاب الممتلكات المطالبة بإستردادها مرة أخرى إلا أن طلباتهم قد أصطدمت بحائط منيع من البيروقراطية ومعاداة شديدة من جانب المحامون المصريون الذين قاموا بتزييف عدد كبير من العقود والوثائق ,وفقا لشهادته ,إلا أن بعضهم قد نجح فى توكيل محامون ذوى صيت وشهرة واسعة ونجحوا فى الحصول على بعض التعويضات ,حيث حصلت أسرة "متسجر "النمساوية الأصل على تعويض جزئى نظير نصيبهم فى فندق "سيسل" الذى يقع على كورنيش الأسكندرية ,فيما اصرت أسرة "سموحة" التى تمتلك أراضى عديدة فى الأسكندرية ,على الحصول على أكثر من مليون دولار نظير وهو المبلغ الذى حددته الحكومة المصرية منذ سنوات ,وما تزال القضية قيد النظر ولا يبدو أنه ستحل قريباً. وذكر ميطال فى شهادته أن المحاميين المصريين قد ساهموا بشكل كبير فى نقل ممتلكات اليهود ,إلى ملكية الحكومة المصرية التى بدورها باعت هذة الممتلكات إلى بعض الأفراد ومن ضمنها واقعة ل شركة كوكا كولا التى كان يمتلكها مليونير يهودى يدعى "بيجيو "وذكر أن الجزء الأكبر من الشركة قد تم بيعه بواسطة الحكومة المصرية لمستثمرين مصريين بثمن زهيد بعد أن إضطر المليونير اليهودى لمغادرة البلاد . وذكر التقرير أن الدعوى التى يتم الإعداد لتحريكها حالياً لم تكن الأولى حيث سبق وأن قام محامى يهودى من أصول لبنانية يدعى "شلومو كوهين تسيدون" بإعداد المبادىء الأساسية لرفع دعوى لإسترداد الممتلكات اليهودية داخل مصر ,وأشار التقرير أن وزير المالية أنذاك "ليفى أشكول"والذى أصبح رئيسا للوزراء بعد ذلك ,قد إعتمد نشكيل لجنة عامة تقوم بجمع المعلومات عن طريق قسم خاص يتبع لوزارة العدل الإسرائيلية ,وإستمر عمل اللجنة لسنوات تم خلالها جمع طلبات عديدة من أفراد الجالية اليهودية الذين كانوا يقيمون بمصر وخلال الفترة بين أعوام 1957 وحتى عام 1972 تم تجميع 3500 دعوى قضائية ضد الحكومة المصرية 500 منها تم تقديمها من عدد من اليهود الذين يقيمون خارج إسرائيل . ومن خلال التقديرات التى تم إجراؤها ,تصل قيمة الممتلكات التى وردت فى هذة الوثائق والمطالبات اليوم بحوالى 8 مليار دولار هذا بالإضافة إلى قيمة الأراضى التى تركها اليهود والتى تم تقديرها بحوالى 700 مليون دولار ,هذا مع الإشارة إلى أن معظم اثرياء مصر من اليهود لم يهاجروا إلى إسرائيل ,بل فضلوا الهجرة إلى أوربا ومعظمهم لم يتقدموا بطلبات بالحصول على ممتلكاتهم أو تقديم شهادات تثبت ملكيتهم لها وهو ما يشير إلى أن المبالغ قد تتضاعف فى حالة الوصول إلى صيغة بشأن ممتلكاتهم فى مصر . كما طالبت اللجنة التى تم تشكيلها بطلب تعويضات من الحكومة المصرية نظير فترة الإعتقالات التى تم فرضها على المئات من اليهود والتى بلغت 9000 يوم دون إرتكابهم لاى جرائم خلال عهد عبد الناصر . وخلال السنوات الماضية كانت تأمل الحكومة الإسرائيلية أن تتوصل لإتفاق مع نظيرتها المصرية مثلما حدث مع الحكومة الالمانية بموجب إتفاق التعويضات الذى تم إبرامه بين الحكومتين . ومع التوقيع على إتفاقية السلام عام 1979 إعتقد الإسرائيليون أنه بإمكانهم إستعادة ممتلكاتهم إستناداً على البند الثامن فى إتفاقية السلام الذى أشار إلى تكوين لجنة مشتركة بين البلدين من أجل تسوية النزاعات والمطالب المتبادلة ولكنهم إكتشفوا سريعاً أن هذا البند قد تم وضعه من أجل إسكات اليهود ,حيث لم يقدم أياً من الطرفين على فعل ذلك خوفاً من فتح ملفات أخرى من ضمنها مطالبة مصر بالحصول على حقوق إستغلال إسرائيل لأبار البترول طوال فترة إحتلالها لسيناء منذ عام 1967 وحتى إبريل عام 1982 . سبب اخر أرجأ المطالبة بالحصول على تعويضات فى أعقاب إتفاقية كامب ديفيد ,هو الخوف من مطالبة الفلسطينيين بالحصول على تعويضات مقابل الممتلكات التى تركوها فى يافا وحيفا كما أراد القائمون بالخارجية الإسرائيلية على الإحتفاظ بورقة ممتلكات يهود مصر ,فى حالة تلويح الفلسطينيين بورقة إستعادة ممتلكاتهم . وذكر التقرير أنه قد حانت اللحظة للتلويح بورقة يهود مصر فى الوقت الحالى ,وورد فى المذكرة التى أعدتها هيئة الأمن القومى ,أن إسرائيل قد فشلت حتى الأن فى الترويج لقضية اللاجئين اليهود فى مصر بالصورة التى عرضت بها قضية اللاجئين الفلسطينيين نظراً لأن اليهود الذين نزحوا عن مصر فضلوا ان يتم وصفهم بالصهاينة عن أن يتم التقليل من شأنهم ويتم وصفهم بالاجئين لذلك لم يهتموا بتصعيد القضية بالشكل الملائم . وتفكر إسرائيل ,وفقاً للتقرير فى توجيه الإتهام للعرب بأنهم السبب فى وجود لاجئين من اليهود ,وعن ذلك قال عوزى أراد مستشار هيئة الأمن القومى الإسرائيلية "أن هدفنا هو خلق وضع للمساواة التامة ,فعندما يحين موعد إستئناف محادثات السلام حول التسوية الدائمة مع الفلسطينيين ,ستقوم إسرائيل بإثارة الأمر مع إقحام قضية اللاجئين فى جميع عناصر التسوية ,وبعبارات أخرى سيتم وضع أمام كل لاجىء فلسطينى ,لاجىء أخر إسرائيلى وأى دولار سيدفع للفلسطينيين ,سيتم دفع دولار أمامه للاجئين اليهود "وأضاف عوزى أراد"سيتم أيضاً حساب الاموال الضخمة التى أنفقتها إسرائيل على إستيعاب اليهود الذين نزحوا عنوة من الدول العربية منها رسوم الإنتقال والسفر والتعليم ,فيجب توفير وخفض كل قرش سيتم دفعه للفلسطينيين ". وتنوى هيئة الامن القومى الإسرائيلية أيضاً إصدار تعريفاً جديداً بمصطلح لاجئ ,ومن خلاله سيتم إثارة مصير أبناء اللاجئين اليهود ,بعد أن إعترفت الأممالمتحدة بأبناء الاجئين الفلسطينيين كلاجئين أيضاً وخصصت وكالة "أونرا" للإعتناء بشئونهم ,إلا أنه من المرجح أن تكتفى الهيئة الإسرائليية بإطلاق مصطلح لاجىء على الذين تم طردهم وألا يسرى الامر على الأبناء نظراً لأن 40% من سكان إسرائيل سيتم إعتبارهم من نسل لاجئى الدول العربية .